لماذا يحتاج الأنبياء أن يكونوا على درجة عالية من اليقين ؟
أفق نيوز | من هدي القرآن الكريم |
من ضمن ما يمنحهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو: ما يجعلهم على مستوى عالٍ جدًّا جدًّا من اليقين، يعني: درجة عالية بشكلٍ كبير، بمستوى مهامهم الكبيرة، العظيمة، المقدَّسة، وهذه الرعاية تأتي لهم في مراحل متعددة، من ضمنها:
– المرحلة التي يبدأون فيها تحركهم، يبدأون وهم منطلقون من خلال دفعة معنوية عالية جدًّا، حظوا بها من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
– ثم في أثناء أداء مهامهم، بحسب ما يواجهونه من ظروف، وتعقيدات… وغير ذلك.
ولـذلك نلحظ فيما يتعلق بخاتم النبيين، وسيِّد المرسلين، محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أن الله أخبر أنه منحه من هذه الرعاية، من ضمن ذلك: قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}[الإسراء:1]، ما هو الهدف من هذه الرحلة العجيبة بما فيها من الآيات العجيبة؟ قال الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:1]، فلها هذا الهدف: في الإعداد النفسي والمعنوي، والإعداد على مستوى اليقين، والمعرفة، والعمق، العمق في المعرفة نفسها وترسيخها، وفي نفس الوقت مستوى الثقة واليقين.
فالله يرعاهم بهذه الرعاية: يريهم من الآيات ما يجعلهم على درجةٍ عاليةٍ جدًّا من اليقين، والثقة بما هم عليه من المبادئ الإلهية، وفي معرفتهم الواسعة بالله تعالى، وملكه، وهيمنته على عباده، وبالطريق الحق الذي هم فيه، وبالمنهجية التي يتحركون على ضوئها، كل هذا يحتاج إلى يقين، في مجال معرفة الله وعده ووعيده جوانب كثيرة جدًّا تحتاج إلى درجة عالية من اليقين، كذلك المنهجية نفسها، التي يتحركون على ضوئها في أدائهم لمهامهم ومسؤولياتهم، تحتاج إلى درجة عالية من اليقين.
درجة اليقين، عندما تكون درجة عالية، ومستواه، لهذا أهمية كبيرة جدًّا فيما يتعلق بأداء المهام الكبرى، والمسؤوليات الكبرى، تحتاج- ليس فقط إلى مستوى الإقرار، أو الإيمان بشكل مبدئي وعادي- تحتاج إلى درجة عالية من اليقين، ومستوىً عظيم من اليقين.
كذلك فيما يتعلق بمواجهة الضغوط والتحديات، عندما يأتي رسولٌ من رسل الله إلى مجتمع بكله، وبيئة بكلها، اتِّجاهها في معتقداتها، في عاداتها، في تقاليدها، في تصوراتها، في أفكارها، في اتِّجاهاتها، مختلفة تماماً، قائمة على أساس الباطل، ومتشبثة بذلك بكل شدة، وقوية في تشبثها، وكذلك ما هي عليه من معتقدات، وتصورات، ومفاهيم، وخرافات، وأباطيل، محاطة بحساسية شديدة جدًّا، بحيث تكون ردة الفعل من الجميع ردة فعل قاسية وشديدة، تجاه من يأتي ليعمل على إخراجهم مما هم فيه.
فهذه التعقيدات الكبيرة التي يواجهها الأنبياء مع الناس فيما هو في أنفسهم، ما قد رسخ في النفوس على مدى أحيانا أجيال، وما يحاط بحساسية واعتبارات، وأحياناً اعتبارات سياسية، واعتبارات اجتماعية، واعتبارات متنوعة، واقتصادية… وغير ذلك، يعني: مجتمع قد ارتبط بكل أشكال الارتباط بما هو عليه من باطل، ويريدون أن يخرجوه من تلك الحالة، ومهمتهم المقدَّسة خلاصتها، كما في العنوان في القرآن الكريم، العنوان الجامع: الإخراج للناس من الظلمات إلى النور. فهذه التعقيدات، بما فيها من تحديات، وصعوبات، وردود أفعال شديدة، بالتكذيب، بالإساءة، بالتهديد، والبعض من رسل الله وأنبيائه يصل الحال في مهمتهم مع قومهم، أن تكون ردة فعل قومهم هي القتل لهم، هناك شهداء من الأنبياء، وشهداء من الرسل، البعض يُعَذَّبون ثم يُقْتَلون، وغير ذلك، فهذه المهمة، بهذا الحجم الكبير، بتعقيداتها الكبيرة، تحتاج إلى قوة يقين، قوة يقين، في مقابل الغربة، ويأتي كشخص واحد في مقابل واقع يختلف معه كلياً، ويسعى إلى تغيير ذلك الواقع بكله، يحتاج هذا إلى قوة اليقين، درجة عالية من اليقين، والأوضاع المعاكسة التي يواجهونها كذلك، كل هذا- بدءاً في كثيرٍ من الحالات من محيطهم الأسري- فكل هذا يحتاج إلى يقين بشكل كبير، مستوىً عظيم من اليقين ودرجة عالية.
مـــادة اليقـــين، عندما نلحظ ما يرعاهم الله به من أن يريهم آيات؛ ليزداد يقينهم، ليزداد يقينهم، لماذا؟ لأن مادة اليقين هي: المعرفة الراسخة، والقناعة التامة، القناعة التامة بالحق، والإيمان الراسخ، والفهم العميق، والثقة القوية التي لا يبقى معها مجالٌ للشك بأي نسبة، بأي مستوى، ولا للاضطراب، ولا للتردد؛ وبالتالي تكون رؤية الإنسان وقناعته ثابتة وقوية، وموقفه ثابت، ويستند إلى الحقائق، التي يتيقنها ويتأكد منها، والحجج الدامغة، فهو على بصيرة، على بينة؛ وبالتالي على قناعة تامة، وثقة تامة، ليس هناك ولا أي نسبة بسيطة من الشك، أو الاضطراب، أو التردد.
المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” 1446هـ