أفق نيوز
الخبر بلا حدود

حرب ترامب الجمركية تعيد الاقتصاد العالمي إلى زمن الكساد

93

أفق نيوز||تقرير||محمد الأسدي

في مشهد يُذكر بأيام الأزمة المالية العالمية عام 2008، انطلقت تعاملات يوم الاثنين بموجة حمراء غطت أغلب البورصات العالمية، حيثُ سجلت المؤشرات الرئيسية انهيارات تاريخية تخطت في بعضها حاجز الـ10%، في أسوأ أداء منذ أكثر من عقد ونصف.

جاء هذا الانهيار كرد فعل عنيف على تصاعد وتيرة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر فرض رسوم جمركية قاسية على الواردات من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، في خطوة وصفتها المؤسسات المالية الدولية بأنها “قنبلة موقوتة” تهدد بانهيار النظام التجاري العالمي.

لم تكن البورصات الآسيوية بمنأى عن العاصفة، حيثُ سجلت بورصة هونغ كونغ انهياراً مدوياً بنسبة 12%، وهو أسوأ أداء لها منذ أزمة 2008، بينما تراجع المؤشر المركب في شنغهاي بنسبة 7.7%، ووصلت خسائر طوكيو إلى 7.82%، فيما أغلقت سيول على انخفاض 5.6%. أما في تايوان، فقد فقد المؤشر الرئيسي قرابة 10% من قيمته، في حين تراجعت بومباي بنحو 3%. هذه الأرقام القاتمة لم تكن سوى البداية، حيثُ انتقلت عدوى الذعر إلى الأسواق الأوُروبية التي فتحت أبوابها على انهيارات غير مسبوقة.

قبل دقائق من افتتاح الأسواق الأوروبية، كانت العقود الآجلة تشير إلى كارثة وشيكة، حيثُ تراجعت المؤشرات بنسب صادمة: فرانكفورت هبطت 4.27%، وباريس 2.77%، ولندن 2.14%، بينما سجلت ميلانو انهياراً بنسبة 5.12%. هذه الأرقام لم تكن سوى مؤشر أولي على عاصفة أكبر، حيثُ من المتوقع أن تستمر الموجة الحمراء مع تزايد مخاوف المستثمرين من تصاعد الحرب التجارية إلى حرب اقتصادية شاملة قد تعيد العالم إلى عصر الكساد الكبير.

لم تكن بورصات الشرق الأوسط بمنأى عن الكارثة، حيثُ سجلت بورصة أبو ظبي انخفاضاً بنسبة 4%، بينما خسرت دبي 4.45% من قيمتها.

الأكثر إثارة للدهشة كان أداء بورصة تل أبيب، التي فقدت ما يقارب 40 مليار شيكل (11 مليار دولار) في جلسة واحدة، حيثُ انهار المؤشر الرئيسي بنسبة 4% على خلفية فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 17% على الصادرات الإسرائيلية.

هذا الانهيار تزامن مع تراجع حاد للشيكل أمام الدولار واليورو، مما زاد من مخاوف انهيار الاقتصاد الإسرائيلي في حال استمرار التصعيد.

الصين ترد بقوة: الحرب التجارية تتحول إلى مواجهة شاملة

رداً على القرارات الأمريكية، أعلنت الصين فرض رسوم جمركية انتقامية بنسبة 34% على الواردات الأمريكية، في خطوة وصفتها بكين بأنها “ضرورية لحماية مصالحها الوطنية”.

وقال نائب وزير التجارة الصيني لينغ جي في تصريح حاد: “التدابير الصينية ليست فقط للدفاع عن حقوقنا، بل لإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح للنظام التجاري العالمي”.

هذه التصريحات جاءت في وقت تزداد فيه المخاوف من انهيار سلسلة التوريد العالمية، حيث حذرت منظمة التجارة العالمية من أن الحرب الحالية قد تكلف الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى تريليون دولار بنهاية العام.

الاتحاد الأوروبي في موقف حرج: اجتماع طارئ في لوكسمبورغ

وسط هذا المشهد الكارثي، عقد وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً في لوكسمبورغ لبحث “الرد الأوروبي الموحد” على القرارات الأمريكية.

مصادر دبلوماسية أوروبية كشفت أن بروكسل تدرس فرض رسوم جمركية انتقامية على سلع أمريكية بقيمة 300 مليار دولار، في خطوة قد تشعل حرباً تجارية مفتوحة.

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في تصريح مثير: “العالم كما كنا نعرفه انتهى”، في إشارة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي قد يشهد تغييراً جذرياً في الأشهر المقبلة.

ترامب يصر على موقفه: “الرسوم الجمركية رائعة!”

في موقف يبدو غير مبالٍ بالانهيارات العالمية، كتب ترامب على منصة “تروث سوشال”: “لدينا عجز تجاري هائل مع الصين والاتحاد الأوروبي، والطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي الرسوم الجمركية التي ستدر عشرات المليارات على الولايات المتحدة. هذا رائع!”. هذه التصريحات أثارت غضباً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، حيث وصفها محللون بأنها “غير مسؤولة” و”تهدد بانهيار اقتصادي عالمي”.

المستقبل القاتم: هل نعيد سيناريو 1929؟

مع استمرار التصعيد، يتساءل الخبراء عما إذا كانت الأزمة الحالية ستؤدي إلى كساد عالمي مشابه لأزمة 1929. ستيفن إينيس، المحلل في شركة “إس بي آي”، قال لـ”رويترز”: “الأمر لم يعد مجرد نزاع تجاري، بل إعادة صياغة كاملة للنظام الاقتصادي العالمي الذي يتم تفكيكه أمام أعيننا”.

في الوقت نفسه، حذر صندوق النقد الدولي من أن استمرار الحرب التجارية قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 2% في 2025، مع فقدان ملايين الوظائف.

العالم على حافة الهاوية

اليوم ليس مجرد يوم أسود في البورصات، بل هو بداية حقبة جديدة من عدم الاستقرار الاقتصادي. الأسواق لم تعد تخشى الرسوم الجمركية بقدر ما تخشى انهيار النظام العالمي الذي عرفه الاقتصاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

السؤال الآن: هل ستتراجع الولايات المتحدة عن سياساتها العدائية، أم أن العالم مقبل على كارثة اقتصادية ستغير خريطة القوى العالمية إلى الأبد؟

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com