أفق نيوز
الخبر بلا حدود

أطفال غزة .. ضحية عدوان ومأساة حصار

54

أفق نيوز||تقرير||يحيى الربيعي

في يوم الطفل الفلسطيني، وقفت قصص أطفال فلسطين شاهدة على مآسٍ غيرت معالم الحياة.. وقفت تتساءل بقوة: كيف يمكن أن يحتفل العالم بيوم الطفل في الوقت الذي ترزح أجيال تحت ساطور الإبادة والتجويع والتهجير؟ تظل عيونهم تبحث عن الطمأنينة، تماماً كما يبحث كل طفل في العالم عن الحماية والحب.

يستعد الأطفال في أرجاء المعمورة لتجهيز حقائبهم ليوم دراسي مليء بالمرح والنشاط، يحدوهم الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً، بيد أن أطفال غزة في صباح يوم الطفل العالمي الخامس من أبريل، يستيقظون على وقع انفجارات مدوية ومشاهد مؤلمة من الدمار. هنا، في أحضان المعاناة، يقف صبي صغير وسط أنقاض منزله، عاقداً العزم على البحث عن ذكرياته المرمية بين الركام، يسأل نفسه: أين ذهب إخواني وأصدقائي؟

وعلى قارعة طريق جرفته آلة التوحش الصهيوني، يمسك ذاك الصبي زجاجات مياه فارغة، يبحث عن مصدر لماء الشرب وسط شوارع تمتلئ بالدمار. القصف المستمر أجبر عائلات بأكملها على الهروب من منازلها، لتجد نفسها ضائعة بين الركام، تبحث عن مأوى ومياه وأغذية.

بحلول يوم الطفل، يعاني أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، بعد أن دمرت البنية التحتية الأساسية جراء العنف المتصاعد. وفي أرجاء العالم يحتضن الأهالي أطفالهم بسلام، بيد أن الأمهات في غزة يجدن أنفسهن بين الأطلال، محاصرات بين الحزن والوجع، يتطلعن إلى مستقبل لا يبدو واضحاً. يغمض الأطفال عيونهم، ولكن لا يستطيعون الهروب من واقع تعرضهم لأحداث مأساوية تترك آثارها العميقة في قلوبهم الصغيرة.

تتدهور حالة الأطفال بشكل متصاعد، ويفقد الكثير منازلهم، لتلفّهم العزلة، ويصبحوا بحاجة ماسة إلى دعم نفسي وصحي. مع انقطاع الكهرباء، خرجت المستشفيات عن الخدمة، وفقدت العائلات القدرة على الحصول على الرعاية الأساسية. أمّة كاملة تئن من آثار ألم الفقد، فقد غابت الأمهات والآباء، وأصبح الكثير من الأطفال أيتاماً في ظل واقع مرير لا يُمحى من الذاكرة.

فضلاً عن ذلك كله، ففي الوقت الذي تتجاوز فيه معاناة الأطفال في قطاع غزة حدود الإنسانية، تواصل السلطات الإسرائيلية حرمانهم من أبسط حقوقهم، فلا دعم ولا أمل في التأهيل والنمو. في كافة العالم، يستعد الأطفال للعودة إلى الدراسة، ويخشى أطفال غزة أن تتكرر إنذارات الإخلاء، فالمستقبل أصبح غير واضح بالنسبة لهم، ولم يعد هناك مكان للفرح أو الطفولة.

المأساة عندما تختلط البراءة بالعنف

في خضم الفوضى والمعاناة، تتجلى الصورة القاسية للحياة في غزة، حيث تتساقط قذائف الإبادة مثل زهورٍ شوكية وسط بستان من الأحلام المكسورة. في صباح يوم الخامس من أبريل، حيث يُفترض أن يحتفل الأطفال بيومهم، كانت السماء فوق غزة تمطر على الأرض حطاماً، لترتفع أصوات الصراخ والأنين من بين الأنقاض.

في الوقت الذي تحلم بلعب كرة القدم، وتستمتع بصحبة الأصدقاء، يحمل طفل صغير زجاجات مياه فارغة، مثقلاً بآمال غير محققة. يبحث بين بقايا منازله المدمرة عن لمسة من الماضي، ولكن تلك الذكريات أشبه بسراب، ذهبت مع أولى ضربات المدافع. حوله تتناثر صور أصدقائه الذين غادروا إلى العالم الآخر، بينما لا يزال هو يقاوم أمواج اليأس.

بحسب بيان جهاز الإحصاء الفلسطيني، فقد قُتل 17,954 طفلاً منذ بداية الإبادة الوحشية. حالما استأنف العدوو الإسرائيلي عملياته بعد أحداث 18 مارس، تعددت آلام الأطفال بشكل مأساوي. تقف “يونيسف” بجانب هؤلاء الأطفال، موضِّحة أن 322 طفلاً قد قُتلوا وأصيب 609 آخرون في غضون أسابيع قليلة فقط. ولكن، تظل أصواتهم صامتة أمام دوي الانفجارات.

تتوالى القذائف في مشهدٍ مأساوي، وتعود الفتيات والفتيان إلى دوامات العنف. في الوقت الذي يتجه فيه الأطفال في كل أنحاء العالم إلى المدارس، يتلقى أطفال غزة إنذارات الإخلاء. ويظهر جلياً أن 52 طفلاً قد لقوا حتفهم بسبب الموت جوعاً وسوء التغذية، بينما يتوجس 3,500 طفل آخرين، يختبئون في الزوايا المظلمة من المنزل، من مصير مشابه.

وسط هذه الفوضى، تتجلى مأساة أخرى. فقد دُمرت حوالي 88% من المنازل، ما جعل من الصعب على العائلات العثور على مأوى. في مشاهد محزنة، تتكدس الأطفال في خيام متهالكة، حيث قضى 17 طفلاً نحبهم تحت البرد القارس، في حين أن الباب الوحيد أمامهم هو الخروج إلى الشوارع، بحثا عن أمل مفقود.

ووفقا للتقارير، فإن 39,384 طفلاً فقدوا آباءهم، وبات أغلبهم مُحاصَرِين في عالمٍ يتشبع بالفقد. الأيتام الذين فقدوا الأمل يعيشون في ظل منازل مهدومة، يتكئون إلى حافة الجدران المتداعية في انتظار عودة ذويهم، الذين إما قضوا تحت القصف أو تقطعت بهم السبل في سجون الاحتلال.

ومع كل حالة وفاة يصدرها العدوان، تصبح الأعباء أثقل. أطفال غزة يتحملون أعباء أكبر من أعمارهم، يسعون جاهدين لتأمين الطعام والماء لعائلاتهم الممزقة. لقد اكتشفوا في عيونهم بريق الأمل، ولكن هذا الأمل محاط بسياج من الألم والمعاناة.

وبينما يُعتبر الأطفال في أي بلدٍ رمز البراءة، يُعتبر الأطفال في غزة رمز المطرقة المدمرة التي تكسر قلوب الآلاف، إذ أُعلن أن 60,000 طفل يُواجهون خطر نقص التغذية الحاد. وبرقم مخيف يلقي الضوء على أزمة حقيقية قد تُغير معالم المستقبل، يمثل الأطفال دون الثامنة عشر نحو 43% من السكان، أي ما يعادل 2.38 مليون طفل.

والأنين خلف الأرقام

تتجلى معاناة أطفال فلسطين بشكل صارخ في الإحصائيات المثيرة للرعب، حيث تشير البيانات إلى أن الفئة العمرية دون 15 عاماً تمثل 37% من إجمالي الفلسطينيين، أي ما يعادل حوالي 2.03 مليون طفل. من بينهم، يوجد 1.18 مليون في الضفة الغربية و0.9 مليون في غزة، ليكونوا جميعاً تحت سطوة العنف والتهجير.

وبينما تشكل الفئة العمرية دون 18 عاماً نحو 47% من سكان غزة، وتبلغ هذه النسبة 41% في الضفة، يُعتبر الأطفال في غزة أكثر عرضة للخطر، حيث تصل نسبة الأطفال دون 15 عاماً فيها إلى 40.3% مقارنة بـ 34.8% في الضفة الغربية. هؤلاء الأطفال، الذين يمثلون أجيال المستقبل، يتعرضون خلال 534 يوماً من الحرب والعدوان –من 7 أكتوبر 2023 حتى 23 مارس 2025– لكارثة إنسانية غير مسبوقة.

وبحسب الأخبار الأخيرة، شهدت فلسطين استشهاد 50,021 شخصاً، بينهم 17,954 طفلاً، وكأن الحياة تتغير تحت أقدامهم. للأسف، لم تكن هذه الأرقام إلا جزءاً صغيراً من المشهد المأساوي؛ حيث استشهد 274 رضيعاً لم يعرفوا الحياة بعد، و876 طفلاً دون سن العام، بينما قضى 17 طفلاً نحبهم تحت وطأة البرد القارس في الخيام المؤقتة. ومع تزايد حالات التجويع وسوء التغذية، أدى إلى وفاة 52 طفلاً جراء نقص الطعام.

تُعبر الإحصائيات كذلك عن أوجاعٍ تفوق الكلمات، إذ أصيب أكثر من 113,274 شخصاً، 69% منهم أطفال ونساء. بينما لا يزال أكثر من 11,200 مواطن مفقودين، يشكل الأطفال والنساء نحو 70% منهم، ليُبرز ذلك الحاجة الملحّة لإنقاذ هؤلاء الأبرياء.

ولا تخلو الضفة الغربية من المعاناة. فقد استشهد فيها 923 فلسطينياً، بينهم 188 طفلاً، وأصيب نحو 660 طفلاً آخر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لتتجسد المأساة على الأرض بأبعاد تنم عن فظاعة الحرب.

ومع تصاعد الاعتقالات، أظهرت التقارير أن العدو الإسرائيلي يعمد إلى استهداف الأطفال بشكل خاص، إذ وثّق اعتقال ما لا يقل عن 700 طفل في العام 2024 وحده. ليضاف إلى العدد الإجمالي للأطفال المعتقلين منذ بداية الحرب، والذي يتجاوز 12,000 طفل. وحتى بداية مارس 2025، لا يزال أكثر من 350 طفلاً أسيرى في السجون، حيث يُظهر الاحتلال سياسة انتقامية واضحة تسلب الأطفال حقوقهم وتقطع أحلامهم.

مؤسسات حقوق الأسرى الفلسطينية دعت المجتمع الدولي، بما في ذلك “اليونيسف”، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإطلاق سراح الأطفال الأسرى، مؤكدةً أن الاحتلال يمارس سياسة استثنائية في اعتقال الأطفال، كجزء من استراتيجيته القمعية. هذه الإجراءات لا تهدد فقط طفولتهم، بل تمتد لتشكل خطراً حقيقياً على مستقبلهم.

كلما اجتمع الأطفال في معسكرات التنحّي، أو على أنقاض بيوتهم، نجد أن الآمال تتلاشى، مع شعور متزايد بالخسارة والفقد. فـ 39,384 طفلاً في غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما، ليظلوا محاصرين في دوامة من الخوف والقلق، ويجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة الحياة بمفردهم، بلا سند أو دعم.

وفي ضوء اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه في يناير 2025، تم الإفراج عن 51 طفلاً من الضفة الغربية والقدس والخط الأخضر، إضافة إلى 44 طفلاً من قطاع غزة. لكن ما تم الإفراج عنه لا يُعبر عن مئات الأسر الأخرى التي لا تزال تعاني من الفقد والحرمان.

تحت شمس غزة الحارقة، تجد الأطفال يحاولون العثور على بصيص من الأمل في عالم يلون الحياة بالألم. وهذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل هي قصص أحياء مليئة بالآمال، والأحلام المحطمة، والأرواح المثقلة بحِمل لا يطاق. في مواجهة كل هذه التحديات، يسعى أطفال غزة للنجاة، مُعبرين بشجاعة عن رغبتهم في الحياة وسط العواصف، ولكن في النهاية، يحتاجون بشدة إلى صوتٍ لهم، ينادي بالسلام، والأمل، والإعادة للبسمة.

وحكايات في مصاعب مزدوجة

في عمق المعاناة، يُعاني أطفال غزة من كوارث إنسانية متعددة، حيث تُظهر التقارير أن 15 طفلاً يُصابون يومياً بإعاقات دائمة بسبب استخدام أسلحة متفجرة محظورة دولياً، ما يُعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ حقوق الإنسان. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، بلغ إجمالي الإصابات بين الأطفال 7,065 إصابة، ما يعني أن مئات الأطفال فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو سمعهم نتيجة هذه الهجمات.

من بين هذه الإحصائيات المروعة، سُجلت 4,700 حالة بتر، 18% منها (ما يعادل 846 حالة) بين الأطفال، ما يُعقّد الأزمة بشكل أكبر، حيث يواجه هؤلاء الأطفال مصاعب مزدوجة تنجم عن الإعاقات الجسدية والنفسية. في ظل نظام صحي منهار بسبب تدمير المستشفيات، ومنع دخول الإمدادات الطبية والأطراف الصناعية، يتفاقم حالهم بمرور الوقت. كما أن انتشار سوء التغذية يؤدي إلى تفاقم التشوهات العظمية، ما يُعيق عملية شفاء الجروح.

أما بالنسبة لحديثي الولادة، فإن الخطر يطال حياة حوالي 7,700 طفل، حيث يعاني هؤلاء من نقص حاد في الرعاية الطبية. تعمل المستشفيات المتبقية بقدرة محدودة، ما يعرض حياة الأطفال للخطر في ظروف صحية متدهورة، مع نقص في الحاضنات وأجهزة التنفس والأدوية الأساسية. وفي حادث مأساوي، تفشى فيروس شلل الأطفال في قطاع غزة للمرة الأولى منذ 25 عاماً في يوليو 2024، نتيجة انخفاض نسبة التطعيم من 99% إلى 86%.

 انعدام الأمن الغذائي ومأساة التعليم

تتفاقم المأساة مع تقديرات تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الذي يتوقع أن يعاني حوالي 1.95 مليون شخص في غزة من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. يُشير التقرير إلى أن 345,000 شخص في وضع يُحتمل أن يكون كارثياً، ما يدعو للتفكير في مستقبل هؤلاء الأفراد.

ومن المتوقع أن تُسجّل حوالي 60,000 حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهراً في الفترة ما بين سبتمبر 2024 إلى أغسطس 2025. من بين هؤلاء، يمكن أن يتراوح عدد الحالات الشديدة بينهم 12,000، وهي الحالة الأسوأ من سوء التغذية. هؤلاء الأطفال مهددون بمضاعفات صحية خطيرة تشمل الفشل العضوي أو الموت. بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج 16,500 امرأة حامل ومرضع إلى علاج جراء سوء التغذية الحاد، ما يُعزّز من التأثيرات السلبية على صحتهن وصحة أطفالهن.

تُعتبر الحرب أيضاً عاملاً مدمراً للتعليم في قطاع غزة، حيث أُشير إلى تدمير قوات الاحتلال لـ 111 مدرسة حكومية بشكل كامل، و241 مدرسة تعرضت لأضرار بالغة، في حين تعرضت 89 مدرسة تابعة لوكالة “أونروا” للقصف والتخريب. نتيجة لذلك، حُرم 700 ألف طالب من حقهم الأساسي في التعليم للعام الدراسي 2024/ 2025، بينما حُرم حوالي 39 ألف طالب من إجراء امتحان شهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2023/ 2024.

تتجاوز المأساة الدمار المادي، فقد سلّطت الأرقام الضوء على مآسٍ إنسانية، حيث ارتقى 12,441 طالباً و519 معلماً شهداء تحت نيران القصف، بينما أصيب 19,819 طالباً و2,703 معلمين بجروح متفاوتة الخطورة. وبينما يعيش الطلاب تحت وطأة الخوف والرعب، تُقطع الدراسة النظامية لأكثر من عامين دراسيين متتاليين، حيث توقفت الدراسة لمدة 300 يوم دراسي حتى تاريخ 28 يناير 2025.

تُعاني العملية التعليمية في قطاع غزة من تداعيات قاسية نتيجة العدوان المستمر، بالرغم من الجهود التي بذلتها وزارة التربية والتعليم من خلال اعتماد مسارات تعليمية بديلة مثل التعليم الإلكتروني والمدارس المؤقتة. تُظهر البيانات أنه تم تسجيل أكثر من 298 ألف طالب وطالبة في المدارس الافتراضية، لكن العديد منهم لم يستطع الاستفادة من هذه الفرص بسبب غياب المناطق الآمنة والانقطاعات المتكررة للكهرباء والإنترنت، وكذلك نقص الأجهزة اللازمة للتعليم، ما يُنذر بوجود فجوة تعليمية تهدد مستقبل جيل كامل.

تداعيات العدوان والأثر النفسي

في الضفة الغربية، الأوضاع لا تقل سوءاً. فقد استشهد 90 طالباً وأصيب 555 آخرين، بالإضافة إلى اعتقال 301 طالب و163 كادراً تعليمياً، ما يعتبر جزءاً من سياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك البنية التعليمية. تقارير مجموعة التعليم تشير إلى تدهور كبير في إمكانية حصول الأطفال على التعليم، بفعل القيود الإسرائيلية على الحركة وهدم المنازل وعنف المستوطنين والعمليات العسكرية المكثفة. ونتيجة لذلك، فقد حُرم 806,000 طالب من الوصول الآمن إلى التعليم، ما يعكس حجم الكارثة التعليمية التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيون.

ووفقاً لبيانات وزارة التربية والتعليم بغزة، فإن العدوان الإسرائيلي أسفر عن مقتل عدد كبير من الأطفال في سن التعليم المدرسي، ما يُعتبر بمثابة إبادة جماعية. أُصيب أكثر من 50,000 طالب وطالبة، ما أسفر عن إعاقات دائمة للكثير منهم، بما في ذلك بتر الأطراف وشلل وفقدان حواس. تتوقع الوزارة زيادة بالخمسة أضعاف في عدد الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارسها، جراء هذه الأحداث المروعة.

أصدرت منظمة يونسيف تحذيرات صارخة بشأن الظروف النفسية للأطفال في فلسطين، حيث يعاني مليون طفل في غزة من تداعيات نفسية خطيرة، بما في ذلك الاكتئاب والقلق وأفكار الانتحار. توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أوضح أن معاناة الأطفال تزايدت على مدى 15 شهراً، حيث تُركوا للجوع والبرد وفقدوا المدارس والتعليم. الأطفال الذين يعانون من الأمراض المزمنة يواجهون أيضاً صعوبة كبيرة في الحصول على العناية الصحية اللازمة.

رسالة إنسانية ملحة

يظل الأطفال في غزة يتطلعون إلى غدٍ أفضل، ولكنهم يحتاجون إلى أملٍ يضيء ظلمة حياتهم التي تكتنفها يوميات الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي. إن الأرقام والإحصائيات ليست فقط أرقاماً، بقدر ما تمثل حياة كاملة للطفولة المفقودة، والآمال المحطمة. إن الطفولة في غزة تحتاج إلى موقف جمعي، وبدء الإجراءات العملية التي تعيد إلى هؤلاء الأطفال أحلامهم وتؤسس لبيئة آمنة تضمن لهم حياة كريمة.

في النهاية، لا بد أن نتذكر أن مع كل ضربة قذيفة، هناك ضحايا غير مرئيين، أطفالٌ يحلمون باللعب، بالتعليم، والضحك. لكنهم يجدون أنفسهم محتجزين في حلقة مفرغة من الخوف والمعاناة. أرقام جديدة تنضم إلى قائمة الضحايا البائسة، بينما تبقى أصوات الأطفال ضائعة في صرخات الصمت، بحاجة إلى صدى الأمل والعون في عالمٍ يحتاج إلى لمسة إنسانية.

أما حان الوقت ليتساءل العالم: أين هم أطفال فلسطين في هذه المعادلة؟ من يقف بجانبهم وسط هذه الظلمات؟ إنهم بحاجة إلى كل صوت ينادي بحقوقهم، إلى كل يد تمتد لمساعدتهم، ليعيد ذلك بريق الأمل إلى عيونهم. ولكن يا للخيبة، لقد ضاع الضمير الإنساني، وضاعت معه عناوين حقوق الإنسان وتلاشت المؤسسات الدولية وحق العيش الكريم، وتحول العالم إلى غابة وحوش، فلا أمل يرتجى ولا موقف ناجع سوى البندقية والسلاح، فنحن أمام عدو مجرم لا يعرف سوى لغوة القوة، والتخاذل أمامه هو الأخطر الأعظم، فهذا العدو يرى الجميع أعداء ولن يتوانى عن الفتك حتى بعملائه المخلصين معه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com