أفق نيوز
الخبر بلا حدود

كيف قيّدت صنعاءُ جهود التحشيد الأمريكية ضد اليمن؟

261

أفق نيوز||تقرير||ضرار الطيب

إلى جانبِ الفشلِ الواضِحِ والمعترَفِ به لإدارة ترامب في التأثيرِ على القدرات العسكرية اليمنية والقرارِ اليمني بمواصلة إسناد غزة، أظهر العدوانُ الجديدُ على اليمن أَيْـضًا عجزَ الإدارة الجديدة عن الخروج من مأزِق “العُزلة” الذي عانت منه إدارةُ بايدن بشكل كبير في تحَرّكها لإسناد العدوّ الصهيوني،

من خلال محاولة تحييد الجبهة اليمنية وفصلها عن المعركة، حَيثُ لا يزال البيت الأبيض عاجزًا عن تحشيد الحلفاء الدوليين والأدوات الإقليمية ضد صنعاء بالشكل الذي يريد، لكن هذا الفشلَ لا يرجعُ إلى انعدامِ رغبةِ أُولئك الشركاء بل إلى أمر يتجاوزُ رغباتِهم أصلًا، وهو قوةُ الموقف اليمني وتداعياتُ الاصطدام به.

الردعُ اليمني يُقَيِّدُ رغباتِ شركاءِ أمريكا:

في الأيّام الأخيرة، تزايد الحديث عن مسألة التدخل البري للولايات المتحدة في اليمن؛ باعتبَار ذلك مخرجًا من حالة العجز العملياتي والتكتيكي التي يعيشها الجيشُ الأمريكي وبحريته في التأثير على جبهة الإسناد اليمنية لغزة، سواءٌ على مستوى القدرات، أَو على مستوى القرار، وقد أشَارَت شبكة “سي إن إن” الأمريكية مؤخّرًا إلى تحضيرات لخطوة مثل هذه، ستتضمَّنُ تحريكَ قوات المرتزِقة بدعم سعوديّ أمريكي مباشر، لكن هذه الخطوة تواجهُ تعقيداتٍ كبيرةً.

هذه التعقيدات لا تتيحُ للعدو حتى فرصةً للتساؤل عن مدى نجاح هذه الخطوة في حال تنفيذها، بل تضعه في مواجهة قائمة طويلة من المشاكل بشأن إمْكَانية التنفيذ نفسها، وهو أمر أسهبت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية في الحديث عنه خلال العام الماضي وعادت للتذكير به الآن، وملخَّصُه أن الحلفاء والشركاء الذين يسعى البيتُ الأبيضُ لضمِّهم لعدوانه على اليمن؛ إسنادًا لـ”إسرائيل” لديهم سقفٌ معيَّنٌ للتصعيد يخشون تجاوزه؛ بسَببِ الخوف من النتائج.

السعوديّة -على سبيل المثال، وهي اللاعبُ الرئيسُ في كُـلّ جهود التحشيد الإقليمية التي تبذُلُها الولاياتُ المتحدة ضد اليمن- لا تنقُصُها الرغبةُ في التصعيد، لكنها تخشى أن تتجاوَزَ سقفَ الدعم المالي واللوجستي والإعلامي للعمليات الأمريكية؛ لأَنَّ ذلك سيضعُها في دائرة ردود القوات المسلحة اليمنية، وقد حاولت العام الماضي تجاوز هذا السقف من خلال التصعيدِ ضد البنوك والمصارف اليمنية ومطار صنعاء، لكنها سَرعانَ ما تراجعت بعدَ أن أعلن السيدُ القائدُ أن الرد سيكون باستهداف البنوك والمنشآت الحيوية داخل المملكة.

ووَفقًا لما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية حَـاليًّا، يبدو أن إدارة ترامب تحاول العمل على حَـلّ هذه العُقدة من خلال “طمأنة” الرياض، وإرسال بعضِ الأنظمة الدفاعية، بالإضافة إلى إعادة تنشيط مسألة بيع الأسلحة للمملكة، وقد ذكر المحلل البارز في معهد واشنطن، مايكل نايتس، مؤخّرًا أن واشنطن قد تقدِّمُ للسعوديّة تأكيداتٍ بشأن معاملتها كـ “إسرائيل” في الحماية والدعم، وهو أمرٌ لطالما أرادته الرياض، لكنه لا يحل مشكلتَها؛ فالسعوديّون يعلمون جيِّدًا وبالتجربة أن خطرَ عودة الضربات اليمنية، أكبرُ من أن يتم تحييدُه بأية منظومات دفاعية أَو دعم، وبالتالي، مهما بلغ حجم التصعيد ضد اليمن، فَــإنَّ الثمن الذي ستدفعه المملكة سيكون أكبر بكثير مما يمكن إنجازُه من أهداف، خُصُوصًا بعد القفزات الهائلة التي حقّقتها القوات المسلحة في تطوير قدراتها وأدائها خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى حقيقة أن القيادة اليمنية تؤكّـد بشكل مُستمرٍّ على الجاهزية لكل الاحتمالات؛ ما يعني أن السعوديّة لا تمتلك مساحة كبيرة للمناورة.

وبرغم أنها قد تبدو أكثرَ اندفاعًا إلى التصعيد ضد اليمن من السعوديّة، فَــإنَّ الإمارات تمتلكُ نفسَ المخاوفِ والمحاذير التي أجبرتها على الالتزامِ بسقفٍ منخفض نسبيًّا من التورط مع الأمريكيين في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية لغزة خلال الفترة الماضية.

وتنسحِبُ القيودُ التي تواجهُها السعوديّةُ والإماراتُ بشكل مباشر على حكومة المرتزِقة، وهذا ما يُظهِرُه عجزُها عن الاستفادة من قرارات التصنيف الأمريكية في التصعيد ضد صنعاء، حَيثُ أخفقت حتى الآن كُـلُّ المحاولات الرامية لاستغلال تلك القرارات كغطاء للتحَرّك عسكريًّا أَو اقتصاديًّا؛ بسَببِ أن مثل هذا التحَرّك يتجاوز سقفَ التصعيد الذي يخشى ممولو المرتزِقة الخروجَ عنه.

أصداءُ الموقف اليمني تعيقُ جهودَ التحشيد الأمريكية:

الحديث عن قوة الموقف اليمني التي تعيق جهود الولايات المتحدة للتحشيد الإقليمي، لا يتعلق فقط بقوة الردع والجاهزية العسكرية للتعامل مع التطورات، بل يشمل أَيْـضًا صدى ووقع الموقف نفسه، حَيثُ حظيت العملياتُ اليمنية المساندة لغزة بتأييد كبير وعابر للحدود، وخُصُوصًا بين جماهير المنطقة المقموعة والممنوعة من التعبير عن أي شكل من أشكال المساندة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجعلُ الانخراطَ في أي تصعيد ضد اليمن -بنظر هذه الجماهير- اصطفافًا عسكريًّا مع العدوّ الصهيوني، وهي قضية تم تناوُلُها بوضوح من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والعِبرية خلال العام الماضي بوصفها عائقًا أمام جهود التحشيد الإقليمي ضد اليمن.

وقد كشفت صحيفةُ “معاريف” العبرية مؤخّرًا أنَّ “إدارة ترامب حرصت على أن تربِطَ حملتَها العدوانيةَ ضد اليمن بعناوين “حماية الملاحة البحرية”؛ بهَدفِ إخراجِ العدوِّ الصهيوني من المشهد، وفصلِ الاشتباك ضدَّ اليمن دعائيًّا عن الوضع في غزة؛ مِن أجلِ تسهيل “تجنيد الدول العربية (وفق تعبير الصحيفة) في الحملة الأمريكية“.

وكانت تأكيداتُ الدول العربية خلال العام الماضي -بما في ذلك الأنظمة المعادية لليمن مثل السعوديّة- على ارتباط العمليات البحرية اليمنية بالوضع في غزة برغم جهود التحشيد الأمريكية، دليلًا واضحًا على حجم المأزِقِ الذي تواجهه واشنطن في هذا السياق، والذي لم يُخْفِ العدوّ الصهيوني إحباطَه؛ بسَببِه، حَيثُ أكّـد معهد “مسغاف” لأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في يناير الماضي أنه “كانت هناك خيبة أمل في (إسرائيل)، وإن لم تكن معلنة، حيالَ أنشطة التحالف الأمريكي والنتائج الهزيلة التي حقّقها، حتى أن الأمريكيين وجدوا صعوبةً في تجنيد حلفاءَ عربٍ في التحالف باستثناء البحرَين… وقال تيم ليندركينج، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، إنه تحدَّث عدةَ مرات مع القيادة المصرية حول الأمر دون نتائجَ، ووَفقًا له، لم يقتصر الأمرُ على عدمِ قيام القاهرة والرياض، على سبيل المثال، بدعم التحالُفِ عسكريًّا، بل إنهما لم يعبِّرا حتى عن دعمِهما له إعلاميًّا”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com