الدورات الصيفية.. صمَّامُ أمان لتحصين النشء من مخاطر الحرب الناعمة
أفق نيوز||مقالات||محمد الأسدي
في خضمِّ العاصفةِ الفكرية والثقافية التي تجتاح عالمنا اليوم، تبرز الدورات الصيفية في اليمن كمنارة أمل وحصنٍ منيعٍ ضد رياحِ التغريب والعولمة التي تحاول اقتلاعَ جذور الهُويةِ الإسلامية الأصيلة.
لم تعد هذه الدورات مُجَـرّدَ نشاط موسمي عابر، بل تحوَّلت إلى مشروع تربوي متكامل يهدفُ إلى بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة تحديات العصر، جيلٍ يحملُ في عقله نورَ القرآن الكريم وفي قلبه حُبَّ الوطن والانتماء للأُمَّـة.
تشكِّلُ الحربُ الناعمة اليومَ أخطرَ أنواع الحروب التي تواجهها الأُمَّــة الإسلامية؛ فهي حرب غير مرئية تخترق العقول والقلوب عبر وسائل الإعلام المتنوعة ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أدواتٍ فعالةً في تشويه الوعي وتغيير القيم.
في هذا السياق، تتحوَّلُ الدوراتُ الصيفية إلى خندق دفاعي يحمي الشبابَ من هذه المخاطر، حَيثُ تعمل على تعزيز الوعي الديني، من خلال دروس القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وترسيخ القيم الأصيلة كالشجاعة والإخلاص والانتماء، فضلًا عن كشف زيف الإعلام المعادي وتوعية الشباب بمخاطر التبعية الثقافية التي تسعى القوى الاستعماريةُ لترسيخها في عقول النشء.
تكمن أهميّة هذه الدورات في قدرتها على ملء الفراغِ الذي يعيشه الشبابُ خلال العطلة الصيفية، فراغٍ قد يكون أرضًا خصبة للانحراف إذَا لم يتم استثماره بشكل إيجابي، من خلال برامجَ متكاملة تجمع بين التعليم والترفيه، تقدم أنشطةً تعليميةً كتحفيظ القرآن والدروس الشرعية والعلوم النافعة، وبرامجَ ترفيهية هادفة تشمل الرياضة والمسابقات الثقافية والرحلات التعليمية، بالإضافة إلى تدريبات مهارية في المجالات التقنية والحرف اليدوية والقيادة الشبابية.
مزيجٌ متكاملٌ يسهم في بناء شخصية الشباب من جميع الجوانب، ويجعلُ منهم أفرادًا فاعلين في مجتمعهم قادرين على مواجهة التحديات.
السيد القائد عبدُالملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) في خطاباتٍ متعددة، يؤكّـد أن الأُمَّــة التي تفقد هُويتَها تصبح أُمَّـة منقادة، ومن هذا المنطلق تعمل الدورات الصيفية على تعميق الانتماء للإسلام كمصدر رئيسٍ للقيم والتشريعات، وتعزيز روح الجهاد والاستعداد للتضحية؛ مِن أجلِ الدين والوطن.
كما تسهم في مواجهة الأفكار الهدامة التي تروج لها بعضُ وسائل الإعلام، مثل العلمانية والليبرالية التي تسعى لتفكيك المجتمعات المسلمة.
هذه الجهود تَصُبُّ في النهاية في بناءِ جيل مقاوم قادر على الصمود في وجه المشاريع التقسيمية التي تستهدف الأُمَّــة.
تواجه الدورات الصيفية العديد من التحديات التي تحتاجُ إلى تضافر الجهود للتغلب عليها؛ فبعض المناطق النائية تعاني من قلة الإمْكَانيات والكوادر المؤهَّلة، كما أن المناهج تحتاج إلى تطوير مُستمرّ لمواكبة مستجدات الحربِ الناعمة وأساليبها المتطورة.
وهذا يتطلب زيادةَ الدعم المادي لهذه الدورات، وتدريب المزيد من المعلمين والمشرفين المؤهلين، وإدخَالَ تقنيات تعليمية حديثة تجذب الشباب وتواكب العصر.
في الختام، يمكن القول إن الدوراتِ الصيفيةَ في اليمن قد تجاوزت كونها برامجَ موسميةً لتصبح مشروعًا نهضويًّا متكاملًا؛ فهي تمثل خطَّ الدفاع الأولَ في معركة الوعي التي تخوضُها الأُمَّــة ضد قوى الاستكبار العالمي.
إن استمرار هذه الدورات وتطويرَها ليس مسؤوليةَ جهة واحدة، بل هو واجبٌ مشترك يقع على عاتق الأسر والمؤسّسات التعليمية والحكومة والمجتمع بأكمله.
فقط من خلال هذا التكامل يمكننا أن نضمَنَ حمايةَ أجيالنا من مخاطر الحرب الناعمة، وبناء مستقبل مشرق لأمتنا يحفظ لها مكانتَها بين الأمم.