الرهانُ الأخير.. والخيارُ الأوحد
سند الصيادي
راهنوا طويلًا على أن نشرَ ومشارَكةَ الصورة والصوت من غزةَ سيُحدِثُ فرقًا في المواقف والميدان، وَعلى أن الدعمَ المعنويَّ لهم بالدعاء وعبارات التضامن والتعاطف سيزيدُهم صبرًا وصمودًا، وَهم بهذا ينشُدُون السراب وَيثبتون تموضُعَهم في قعر الذل والهوان.
لا غيَّرت آلافُ الصور والحملات والوُسُوم (الهاشتاقات) موقفًا دوليًّا ولا جلدت صيحاتُ وَأنَّاتُ النساء والأطفال ضميرًا، وَلا أوقفت قصفًا، ولا ساهم التعاطفُ والتباكي إجمالًا في تغييرِ المشهد وتفتيت قسوة هذا العالم من حولنا..
ومع كُـلّ قمة تُعقَدُ يزدادُ القاتلُ اطمئنانًا، وتكبُرُ لديه نزعة القتل ونشوة الالتهام، تتوسع دائرة الموت والدم لتشملَ بيروتَ وصنعاءَ ودمشقَ والبقية تنتظر دورَها في القائمة، لا مناص.
قولوا لي بالله يا أُمَّـة الصلاة، يا أتباع محمدٍ وأدعياء الإسلام، يا أئمةَ المساجد في كافة أصقاع الأرض، يا أيها الحكام الواقفون ما بين الحياد والعداوة، يا قُطعانَ النعاج المحنية رؤوسَها في طوابير المقاصل: أي خيار بقي لديكم أمام ما يحدُثُ لأمة تُسحَقُ أجسادُها وكرامتُها ووجودُها؟!
رفعتم شعار السلام قبل أن تخوضوا حربًا حقيقية مع العدوّ… فتعاطى معه استسلامًا وخنوعًا، وافقتم من موقع ضَعف على حَـلّ الدولتين كشرطٍ للتطبيع قبل أن يقترحوْها هم وَيفاوضوْكم عليها، فراهنوا هم من مركَز قوة على أنه -بالقليل من الضغط عليكم وَالامتهان لكم- يمكن أن تتخلوا عن هذا الخيار، وينتزعوا منكم التطبيعَ بلا أية ضمانات أَو شروط..
رأوكم وعرفوكم كما لم نكن نعرفكم، وأيقنوا مبكرًا أن خياراتكم معدومة، وأن حقارتَكم ودناءة نفوسِكم أكبرُ بكثير مما كنا نتوقع، وأنكم مُجَـرّد خواء مزخرف، بل رأوا فيكم مفاعيلَ القوة لمؤامراتهم وَمكامن الوهن في مواجهتنا لهم.
واليوم خطابُنا لشعوبكم، بأن كُرةَ النار ستتسعُ وَالخطر وشيك ومحدق، وبأن القاتل متسلسل ولن يرعويَ بعد تجربته في غزة عن قتلكم أفرادًا وجماعاتٍ، طوائفَ ومذاهبَ، وبأن الرهاناتِ التكتيكيةَ كلها قد نَفِـــدت في سياق استعادة الحق وَاستتباب السلام، والخيارات تبدو معدومة دون الخيار الأوحد والأخير.. الجهاد المقدَّس الذي يفتح آفاقًا رحبة من الحياة والموت معًا، والجهادُ حياةٌ بكل القواميس والحسابات، مهما كانت الكلفةُ فإنَّها قليلة وحاسمة، والوعد الإلهي صادقٌ وحاشاه أن تشكِّكوا فيه أَو ترجِّحوا خيارات دونه، وشعبُنا المجاهد مثالٌ وقُدوة وفنار.. والمسارُ واضح، والأيّامُ بينَنا..