خيانة عربية مكتملة الأركان.. الإمارات تصبّ المليارات في اقتصاد “إسرائيل”
في زمنٍ يُذبح فيه الأطفالُ تحت القصف، وتُدفن العائلاتُ بأكملها تحت أنقاض منازلها، وتُحاصر غزةُ حتى من الهواء والطعام والدواء.. في هذا الزمن بالذات، تخرجُ علينا الإماراتُ بوجهها القبيح لتُعلنَ للعالم أنها ليست مجرد شاهدٍ صامتٍ على الجريمة، بل شريكٌ فاعلٌ في صناعتها! نعم، لقد تحوّلت أبوظبي من دولةٍ عربيةٍ تدّعي الانتماء إلى الأمة، إلى تاجرٍ للدماء، وسمسارٍ للموت، ووسيطٍ للعار في سوق النخاسة السياسية!
الأرقامُ تتحدثُ بأعلى صوتها: 1.2 مليار دولار قيمة الصادرات الإماراتية لإسرائيل خلال أشهر الحرب، و737 مليون دولار قيمة الواردات من المنتجات الإسرائيلية. هذه ليست أرقاماً جافة، بل هي شهاداتُ إدانةٍ مكتوبةٌ بدماء الشهداء. فبينما كانت إسرائيلُ تذبحُ الأطفالَ في غزة، كانت الإماراتُ تشتري منها المجوهراتَ والأحجارَ الكريمةَ بقيمة 350 مليون دولار! بينما كانت المستشفياتُ تتحولُ إلى مقابرَ جماعيةٍ في قطاع غزة، كانت الإماراتُ تستوردُ المعداتِ الطبيةَ الإسرائيليةَ بقيمة 159 مليون دولار! أيُّ سخريةٍ هذه؟ أيُّ تناقضٍ هذا؟ أن تُقتلَ الأبرياءُ بسلاحٍ، ثم يُعالجَ القتلةُ بأدواتٍ طبيةٍ تشتريها دولةٌ عربيةٌ بدمٍ بارد؟
ولم تكتفِ الإماراتُ بذلك، بل فتحت موانئها للسفن الإسرائيلية، وباركت الحصارَ الجائرَ على غزة، وساهمت في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي في أحلك لحظات العدوان. إنها ليست خيانةً عابرة، بل هي جريمةٌ ضد الإنسانية، وخيانةٌ للدم العربي، وطعنةٌ في ظهر الأمة. فما الفرقُ بين طائرةِ F16 التي تقصفُ منزلاً في غزة، والشيكاتِ المليونيةِ التي تذهبُ من أبوظبي إلى تل أبيب؟ كلاهما يقتل، لكن الأولى تقتلُ الجسد، والثانيةُ تقتلُ الضمير!
لقد تجاوزت الإماراتُ كلَّ الخطوطِ الحمراء. فبعد أن كانت الخيانةُ تُمارسُ في الخفاء، أصبحت اليومَ تُعلنُ عن نفسها بكلِّ وقاحة. بعد أن كان التطبيعُ يُنكرُ في العلن، أصبح يُمارسُ في وضح النهار. لقد نسوا أن التاريخَ لن يرحمهم، وأن كتبَ المستقبلِ ستذكرهم على أنهم خونةُ العصر، وباعةُ القضية، وممولو الإبادة. فمن يقفُ مع القاتلِ شريكٌ له في الجريمة، ومن يمدُّ يدَ العونِ للاحتلالِ خائنٌ لأمته.
إن الصورَ التي تخرجُ من غزة كلَّ يومٍ ليست مجردَ صورٍ لمجازر، بل هي مرايا تعكسُ حقيقةَ من يقفُ خلفَ هذه المجازر. فإسرائيلُ لا تقتلُ بسلاحها فقط، بل بمالِ من يدعمها، وبصمتِ من يتجاهلها، وبخيانةِ من يتعاملُ معها. والإماراتُ اليومَ هي أحدُ أهمِّ حلفاءِ هذا القتل، وأحدُ أكبرِ مموليه، وأحدُ أكثرِ المدافعين عنه. فكيفَ لهم أن يناموا ليلاً والأطفالُ الفلسطينيون يموتون جوعاً؟ كيفَ لهم أن يحتفلوا بصفقاتهم التجارية والأراملُ تنوحُ على أزواجها؟ كيفَ لهم أن يعيشوا بسلامٍ وضمائرُهم مثقلةٌ بدماء الأبرياء؟
إننا اليومَ أمامَ مشهدٍ لا يُحتمل: مشهدُ دولةٍ عربيةٍ تتحالفُ علناً مع قتلةِ الأطفال، وتُبرمُ الصفقاتِ مع مجرمي الحرب، وتُقوّي اقتصادَ الاحتلال في أصعبِ لحظاتِه. إنها ليست مجردَ خيانةٍ سياسية، بل هي انتحارٌ أخلاقي، وسقوطٌ حضاري، وعلامةٌ سوداءُ في تاريخ الأمة. فمن يقفُ مع الظالمِ ظالمٌ مثله، ومن يصمتُ عن الجريمةِ شريكٌ فيها، ومن يموّلُ القاتلَ قاتلٌ بغيرِ سلاح.
لقد حان الوقتُ لأن تقفَ الأمةُ كلُّها في وجه هذه الخيانة، وأن ترفضَ هذا العارَ المتمثلَ في تعاملاتِ الإماراتِ مع العدو الصهيوني. فليس هناكَ أسوأُ من أن تتحولَ الدماءُ إلى سلعة، والمعاناةُ إلى فرصةٍ للربح، والألمُ إلى وسيلةٍ للتطبيع. إن شعبَ فلسطينَ لن ينسى، والتاريخُ لن يغفر، والأجيالُ القادمةُ ستلعنُ كلَّ من وقفَ مع العدو في لحظةِ الحسم. فالإماراتُ اليومَ تكتبُ اسمها بأحرفٍ من نارٍ في سجلِّ الخونة، وستدفعُ الثمنَ عاجلاً أم آجلاً. لأن دماءَ الشهداءِ ليست مجردَ أرقامٍ تتبخرُ في الهواء، بل هي حقائقُ ثابتةٌ تنتظرُ يومَ الحساب.