تصاعد الأزمة الاستراتيجية داخل كيان العدو الإسرائيلي وتداعياتها على “المؤسسة العسكرية”
أفق نيوز | يحيى الشامي
يشهد كيان العدو الإسرائيلي ارتفاعًا ملحوظًا في الأصوات الداعية إلى إنهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة، وهي مطالبات لم تعد تقتصر على الأوساط اليهودية الشعبية بل امتدت لتشمل المؤسسة العسكرية نفسها، ما يعكس تغيرًا واضحًا في الرأي العام داخل كيان العدو تجاه استمرار الحرب وجدوائيتها وتنذر بتآكلٍ متزايدٍ لما كان يُعرف بـ “الغطاء الشرعي” الشعبي للحرب.
حديثاً كشفت هيئةُ البث الإسرائيلية “كان – 11” عن ظهور موجة اعتراض جديدة بين “جنود الاحتياط” في وحدات “جمع المعلومات” التابعة لشعبة “الاستخبارات” العسكرية (“أمان”). وقد شارك في هذه الاحتجاجات جنود في الخدمة الفعلية وضباط متقاعدون، مطالبين “الحكومة” بإنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس.
وقد جمعت هذه العرائض مئات التوقيعات، ومن المقرر نشر إعلان علني لها على غرار ما حدث سابقًا مع “سلاح الجو” في الكيان الإسرائيلي، حيث وقع نحو 1000 طيار حربي في “الاحتياط “و”المتقاعدين” على عريضة مماثلة، وتعكس الخطوة قلقًا متزايدًا بشأن تآكل الالتزام وتراجع نسب الامتثال للخدمة في صفوف “الاحتياط” في جيش العدو.
وأشارت “كان” إلى جمع “مئات التوقيعات حتى الآن، مع التخطيط لنشر إعلان علني لهذه العريضة، على غرار ما حدث سابقًا في سلاح الجو في التوقيع على عريضة مماثلة” وجاء في نص عريضة ضباط “أمان” أن “الحرب الراهنة تخدم أغراضًا سياسية وشخصية، لا مصالح أمنية حقيقية… فاستمرار القتال لا يحقق أهدافه المعلنة، بل يعرض حياة الأسرى والجنود للخطر.”
كما عبرت العريضة عن بالغ القلق إزاء فتور التزام جنود الاحتياط وتراجع معدلات الامتثال للخدمة، مؤكدة أن اتفاق تبادل الأسرى هو السبيل الوحيد لضمان عودتهم أحياء، وأن التأخير في اتخاذ مثل هذا القرار يعتبر “عارًا وطنيًا”.
“حكومة” العدو في مواجهة مع معارضي الحرب
بدوره، صرح الطيار الحربي السابق، في كيان العدو الصهيوني “أرنون شرعابي”، قائلاً: “لم يعد لرأينا أي اعتبار، لكننا كجنود متمسكون بمبادئنا الأخلاقية. لقد كان مؤلمًا للغاية رفض الحكومة لخطة تبادل كان من شأنها إنهاء هذا الألم الفظيع.”
وانتقد بشدة قرار قائد “سلاح الجو” في كيان العدو بمعاقبة الموقعين على العريضة، معتبرًا ذلك عملًا انتقاميًا يضعف وحدة “الجيش” نفسه. وفي مواجهة هذا التحرك، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن قيادة “جيش” العدو الإسرائيلي هددت الموقعين، خاصة من سلاح الجو، بالفصل من الخدمة ما لم يسحبوا توقيعاتهم، في خطوة تُظهر ارتباك “المؤسسة العسكرية” الإسرائيلية أمام هذا العصيان غير المسبوق. كما أكدت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “رئيس أركان” جيش العدو الصهيوني “إيال زامير”، وقائد “سلاح الجو”، الصهيوني “تومر بار”، قررا بالفعل تسريح عدد من “جنود الاحتياط “الموقعين على الرسالة.
وكان “جيش” العدو قد عزل في مارس الماضي ضابطي احتياط أحدهما من “الاستخبارات” والآخر من “سلاح الجو”، بعد رفضهما المشاركة في القتال، حيث وصف أحدهما “حكومة” العدو بـ”الخونة القذرين”، على خلفية استمرار الحرب رغم تعهدات سابقة بوقفها، تجدر الإشارة إلى أن كيان العدو الإسرائيلي وبدعم وتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية، خرق في 18 مارس الماضي اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 19 يناير، واستأنف عملياته العسكرية في قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق، ما فاقم الانتقادات الداخلية والدولية.
توسع دائرة المعارضين
وفي سياق متصل، يذهب خبراء مختصون في شؤون العدو الداخلية إلى أن العرائض الجديدة التي رفعها جنود وضباط سابقون في جيش العدو خلال اليومين الماضيين تمثل تطورًا هامًا، في ظل تصاعد الدعوات داخل الكيان لإنهاء الحرب على قطاع غزة واستعادة الأسرى الصهاينة.
يرى المراقبون أن “الغالبية العظمى من الموقعين على هذه العرائض هم من الجنود المتقاعدين من الخدمة النظامية والاحتياطية، على الرغم من وجود بعض الأفراد الذين لا يزالون ضمن معايير الخدمة الاحتياطية”، لافتًا إلى أن هذه التحركات اتسعت لتشمل شخصيات أكاديمية.
كما أن هذه الخطوة تعكس اقتناعًا متزايدًا لدى الأوساط الصهيونية بأن الحرب الحالية لم تعد مرتبطة بملف الأسرى الإسرائيليين في غزة أو بأحداث السابع من أكتوبر، كما تدعي “حكومة” العدو، بل أصبحت، بحسب المراقبين “مشروعًا سياسيًا يسعى من خلاله مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إلى البقاء في السلطة والحفاظ على ائتلافه الحكومي وإرضاء نهم شركائه العقائديين اليهود في سفك مزيد من الدم الفلسطيني عبر مواصلة ارتكاب الإبادة”.
ويعتبرُ هذا المسار تهديداً فلعياً لحياة الأسرى الصهاينة، ويفاقم الخسائر في صفوف جيش العدو، مما ينذر بتآكل ما وصفه بـ “الشرعية الشعبية” للحرب داخل المجتمع كيان العدو الإسرائيلي، كما أن التأثير الفعلي لهذه العرائض قد لا يظهر قريبًا، نظرًا لأن نتنياهو يعتبر هذه التحركات صادرة عن خصومه السياسيين ولا يتعامل معها بجدية حتى الآن.
وحتى الآن، ظهرت عرائض مماثلة موقعة من” ضباط” و”جنود احتياط” في سلاحي “البحرية” و”المدرعات” في الكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى أطباء عسكريين، مما يدل على اتساع دائرة المعارضين داخل جيش العدو الإسرائيلي و”المؤسسة العسكرية” و”الأمنية” عموماً، لسياسات “الحكومة” الإسرائيلية الحالية، وتزايد الاستعداد للتعبير عن هذا الرفض علنًا.
ويرى مراقبون أن استمرار تجاهل هذه المطالبات قد يفضي إلى انقسام داخلي عميق داخل المؤسسة العسكرية، ويحرج حلفاء “إسرائيل”، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي تواجه ضغوطًا متزايدة للتحرك نحو وقف إطلاق النار.
بموازاة تصاعد الاحتجاجات داخل جيش العدو الإسرائيلي، تتواصل الضغوط الشعبية من عائلات الأسرى اليهود المحتجزين في غزة، الذين كثفوا من تحركاتهم في الشارع خلال الأسابيع الأخيرة للمطالبة بوقف فوري للقتال وإبرام صفقة تبادل تعيد أبناءهم.
وتشهد ساحة “ميدان المخطوفين” في “تل أبيب” مظاهرات شبه يومية، يشارك فيها عشرات من أهالي الأسرى إلى جانب نشطاء وحقوقيين، يرفعون شعارات مثل: “أعيدوهم الآن” و”الحرب لا تنقذ الأسرى بل تعرض حياتهم للخطر”.
ويعبر أهالي الأسرى عن استيائهم من تسييس قضية أبنائهم، متهمين “حكومة” مجرم الحرب نتنياهو باستغلالهم كأداة للمناورة السياسية، بدلًا من اتخاذ خطوات عملية تفضي إلى إطلاق سراحهم.
وقد دعا بعضهم إلى إبرام صفقة تبادل شاملة مع حركة حماس، حتى وإن استلزم ذلك وقف الحرب بشكل كامل، معتبرين أن “كل يوم يمر بدون صفقة هو تهديد مباشر لحياة الأسرى”، بينما اتهم آخرون نتنياهو بـ “تضليل الرأي العام” وتجاهل معاناة العائلات”.
وتعكس هذه التطورات تصاعد الأزمة الاستراتيجية التي يواجهها الكيان الإسرائيلي، وتؤثر بشكل مباشر على معنويات جيشه وقدرته على تحقيق أهداف الحرب، والأهم هنا هو أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي والعسكري داخل كيان العدو الإسرائيلي، ويؤثر على علاقاته مع حلفائه الدوليين.