أفق نيوز
الخبر بلا حدود

صنعاء تُربك واشنطن… ماذا يعني انسحاب ’هاري ترومن’ من المعركة؟

قراءة في تداعيات خروج ’هاري ترومن’ من اليمن

142

في تحول لافت يعكس مدى تطور القدرات العسكرية اليمنية بقيادة أنصار الله، أعلنت صنعاء أن حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومن” خرجت من الخدمة العملياتية بعد تعرضها لهجمات مباشرة خلال الشهر الأول من التصعيد العسكري الأخير، هذا التطور ليس مجرد حدث عسكري عابر، بل يحمل أبعادًا استراتيجية خطيرة على صورة الولايات المتحدة وهيبتها العسكرية في المنطقة.

اليمن يفرض معادلات جديدة في البحر الأحمر

أعلن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، في تصريح لافت أمام مجلس الدفاع الوطني، أن حاملة الطائرات “هاري ترومن” قد خرجت من الخدمة العملياتية نتيجة ضربات مباشرة من قوات أنصار الله، أفقدتها السيطرة والقدرة القيادية، وقد أُجبرت الولايات المتحدة على سحبها من شمال البحر الأحمر، واستبدالها بحاملة أخرى هي “كارل فينسون” لمواصلة العمليات.

هذا التصريح، رغم نبرته السياسية، يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى عن مدى تطور القدرات اليمنية، وقدرتها على التأثير المباشر في منظومات عسكرية أمريكية متقدمة، بل إخراجها من ميدان العمليات.

ضربات أنصار الله.. دقيقة وموجعة

خلال شهر واحد فقط من بدء التصعيد، تشير المعطيات – وفق ما صرّح به المشاط – إلى أن أنصار الله شنوا ضربات نوعية على حاملة الطائرات الأمريكية، ورغم عدم الكشف عن عدد محدد من الضربات، فإن الحديث عن فقدان الحاملة لقياداتها وخروجها من الخدمة، يترجم هذه الضربات إلى نجاح استخباراتي وهجومي فائق الدقة.

هذا التطور ليس جديدًا على السياق اليمني، فقد أظهرت جماعة أنصار الله مرارًا قدرتها على اختراق شبكات الاتصالات والمراقبة، وتوجيه ضربات مؤلمة سواء بالصواريخ الباليستية أو المسيّرات الدقيقة، غير أن استهداف حاملة طائرات بهذا الحجم، ينقل الصراع إلى مستوى غير مسبوق.

انسحاب هاري ترومن.. فضيحة استراتيجية؟

لا يمكن الحديث عن هذا الانسحاب إلا باعتباره انتكاسة مزدوجة للولايات المتحدة، من حيث الصورة والمعنى:

خسارة الردع، أن يتم إجبار حاملة طائرات على الانسحاب نتيجة تهديدات مباشرة، يعني أن التفوق الجوي والبحري الأمريكي لم يعد مضمونًا كما كان يُروّج له لعقود.

تشويه الهيبة، الانسحاب تحت الضغط يكسر صورة “الهيمنة التي لا تُقهر”، ويرسل رسائل سلبية إلى حلفاء واشنطن، وخصوصًا في الخليج، الذين يعتمدون على القوة الأمريكية كضمانة للاستقرار والحماية.

 خسائر مادية ومعنوية، حاملة بحجم “هاري ترومن” لا تخرج من الخدمة إلا بعد أضرار مكلفة، سواء في العتاد، أو المعنويات، أو في خطة العمليات التي تُربك حين تفقد محورًا رئيسيًا كالذي تمثله هذه الحاملة.

الرسالة الجيوسياسية أنه بينما تراقب روسيا والصين تصرفات الولايات المتحدة عن كثب، يأتي هذا الانسحاب ليغذي خطاب القوى الشرقية عن “أفول الهيمنة الغربية”، ويفتح الباب أمام تحولات جديدة في موازين القوى الدولية.

التداعيات الإقليمية والدولية لانسحاب “هاري ترومن

لا تقتصر تداعيات خروج الحاملة الأمريكية “هاري ترومن” من العمليات العسكرية ضد اليمن على الجانب الميداني، بل تمتد إلى تغيير ديناميكيات القوة في المنطقة والعالم، ففي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها في الشرق الأوسط، يأتي هذا الانسحاب ليعكس تراجعًا في القدرة على فرض السيطرة، ويفتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية لإعادة ترتيب أولوياتها.

على المستوى الإقليمي، يشكل الحدث صفعة للدول الخليجية التي تعتمد على الحماية الأمريكية، حيث يثبت أن الضمانات الأمنية لواشنطن لم تعد مطلقة، كما أنه يعزز موقف محور المقاومة، الذي يروج لخطاب “فشل الهيمنة الأمريكية” ويستقطب المزيد من التأييد الشعبي، أما على الصعيد الدولي، فإن روسيا والصين ستستغلان هذه الحادثة لدعم سرديتهما عن “تراجع القطب الأحادي”، وتعزيز تحالفاتهما مع الدول الرافضة للهيمنة الغربية.

الأهم من ذلك، أن الحادثة تضع واشنطن أمام معضلة استراتيجية: إما تصعيد المواجهة العسكرية بمخاطرها الكبيرة، أو البحث عن تسويات سياسية تكرس وجود قوى مناوئة، وفي كلتا الحالتين، فإن اليمن، بقدراته المحدودة، قد نجح في إعادة رسم معادلة القوة، أن الإرادة والاستراتيجية قد تهزم التفوق التقني حين تصبح الأرض والزمان حلفاء لصاحب الحق.

هاري ترومن” والدرس اليمني في حرب الإرادات

لم تكن حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومن” مجرد هدف عسكري ضُرب ثم أُخرج من الخدمة، بل كانت اختباراً حقيقياً لفلسفة جديدة في الصراع: فلسفة تحويل التفوق المادي إلى نقطة ضعف، ففي الوقت الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة على التكنولوجيا الفائقة والقواعد البعيدة، حوّل اليمن الحرب إلى معركة إرادات، حيث لا تنفع الأرقام الكبيرة أمام التصميم الصلب.

لقد أثبتت صنعاء أن الحروب الحديثة لم تعد حكراً على من يملك أحدث الأسلحة، بل على من يمتلك القدرة على إعادة تعريف ساحة المعركة، فبينما تعمل الحاملات الأمريكية وفقاً لنمط تشغيلي تقليدي يعتمد على التفوق الجوي والبحري، نجح أنصار الله في تحويل البحر الأحمر إلى متاهة من التهديدات غير المتوقعة: مسيّرات وصواريخ قد لا تكون متطورة تقنياً، لكنها ذكية التوقيت والتنفيذ.

والأهم من ذلك، أن هذا الصراع كشف محدودية القوة الناعمة الأمريكية في مواجهة إستراتيجية تعتمد على الصبر والمرونة، فبينما تبحث واشنطن عن انتصارات سريعة وحاسمة، يخوض اليمن حرباً طويلة النفس، يحوّل فيها كل ضربة إلى رسالة، وكل انسحاب أمريكي إلى انتصار معنوي، لم تُهزم “هاري ترومن” بالصواريخ فقط، بل بفشل واشنطن في فهم أنها لا تحارب جيشاً، بل تحارب شعباً رفض أن يكون رقماً في معادلات القوى الكبرى.

هذا الدرس لن يبقى حبيس اليمن، بل سيتجاوزه إلى كل حركات المقاومة في المنطقة، لأنه ببساطة يقول: التفوق العسكري وحده لم يعد كافياً لتحقيق النصر.

أبعاد أعمق، من اليمن إلى غزة

المشاط لم يتوقف عند الجانب العسكري، بل ربط هذا النصر التكتيكي بسياق أوسع، حين أكد على استمرار دعم اليمن لغزة، واستنكر ما وصفه بالصمت العربي المخزي تجاه العدوان الإسرائيلي، الذي بلغ مرحلة التعاون مع “العدو الصهيوني”. بهذا، يتحول الحدث العسكري إلى بيان سياسي شامل، يعكس موقع صنعاء في محور المقاومة الإقليمي.

في الختام، أن ينجح اليمن – تلك الدولة المحاصرة والمنهكة من حرب مستمرة منذ سنوات – في التأثير المباشر على عمق القوة البحرية الأمريكية، فهذا ليس مجرد نصر تكتيكي عابر، بل لحظة فاصلة في المسار الاستراتيجي للمنطقة. فالضربة التي تلقّتها حاملة الطائرات “هاري ترومن” لا تُقاس فقط بما أحدثته من تعطيل في العمليات، بل بما كشفت عنه من هشاشة البُنية النفسية والسياسية للهيمنة الأمريكية.

إنها لحظة تُجبر صناع القرار على مراجعة الأدوات التي طالما اعتُبرت كافية لفرض النفوذ، حاملات الطائرات، قواعد عسكرية، منظومات رادار، وقوة نيران لا تُضاهى، لكن في مواجهة قوة محلّية، تتسلّح بالإرادة والمرونة والقدرة على الصمود، تبدو هذه الأدوات أقل فعالية، بل معرّضة للضرب والانكشاف.

لم يعد الصراع في اليمن مجرد معركة داخلية على الشرعية، أو خلاف سياسي محصور داخل الجغرافيا اليمنية، بل بات ساحة اختبار مفتوحة بين الإرادات الإقليمية والدولية هنا، تُكسر القواعد التقليدية للحرب، وتُعاد كتابة المعادلات من جديد، بما يجعل من اليمن طرفًا فاعلًا – لا متلقيًا – في معادلة الأمن الإقليمي.

لقد أصبحت اليمن اليوم أكثر من مجرد ساحة حرب، بل منصة استراتيجية تُعيد رسم ملامح الردع في الشرق الأوسط، وفي خضم هذا التحوّل، يُمكن قراءة خروج “هاري ترومن” من الخدمة ليس كحالة معزولة، بل كعنوان أولي لتحوّل أكبر وأعمق، فإذا كانت هذه أولى الإشارات، فإن البقية قد تكون أعظم.

منقول عن الوقت التحليلي

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com