د. أحمد صالح النهمي
سنشكركم إذا تنازلتم للوطن ، وقدمتم مصلحته على مصالح أحزابكم، فالوطن باق، وأنتم وأحزابكم راحلون، ولن نغفر لكم ، ولن يغفر لكم التاريخ ولن تغفر لكم الأجيال اللاحقة إذا فرطتم في كرامة الشعب وتهاونتم في دماء شهدائه التي ارتوت بها الأرض اليمنية لكي تتحرر من الوصاية الخارجية، وتستقل بقرارها السيادي ، فإياكم إياكم أن تفرطوا في حلم الشهداء وطموحات أبناء الشعب في التحرر والاستقلال.
لا شك أن المواطنين اليمنيين، وهم يراقبون باهتمام بالغ ما ستخرج به المشاورات المؤمل انعقادها خلال الأيام القادمة بين أطراف المشكلة اليمنية في الكويت أو غيرها، يتطلعون بعد عام من المعاناة الكبيرة الناتجة عن العدوان والحصار إلى إيقاف الحرب وإحلال السلام وسيادة الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولكنهم يلخصون في السطور السابقة رسالتهم للفريق الوطني الذي سيشارك في المشاورات، والخطوط الحمراء التي لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: لماذا عمد هادي ومن يقف خلفه من قوى التحالف العدواني إلى تعيين علي محسن الأحمر وأحمد عبيد بن دغر بدلا عن خالد بحاح في هذا الظرف الذي ينتظر فيه اليمنيون والعالم إيقاف العدوان والتوصل إلى تسوية سياسية ؟
لا يختلف اثنان على أنها قرارات سعودية تتناغم مع مصالح مراكز نفوذها التي سقطت في 21 سبتمبر ممثلة بمحسن وآل الأحمر ورافعتهما السياسية (حزب الإصلاح) وبعض القوى الأخرى، وهذه القرارات مثلما تعكس خلاق المصالح الغير مسروعة بين السعودية والإمارات فإنها تعكس أيضا حالة الشعور المسيطرة على الأطراف الثلاثة (السعودية، هادي،الإصلاح) بالخسارة المستقبلية إذا ما نجحت المشاورات وتوقفت الحرب، وتوصلت الأطراف اليمنية إلى تسوية سياسية.أما هادي فيرى أن التسوية السياسية ستفضي إلى الإطاحة به وإخراجه من المشهد السياسي وتنازله عن صلاحياته لنائبه (بحاح) كجزء أصيل من التسوية، وبالتالي فإن تغيير بحاح وتعيين محسن تحديدا هو الخيار الأنسب لإفشال التسوية وضمان بقائه في السلطة السعودية بعد عام كامل من العدوان، ترى أنها لم تحقق أهدافها الأساسية من شن الحرب، فالحوثي وصالح التي سعت للقضاء عليهما لم يزل خطرهما، بل ازدادا قوة وجماهيرية، بدلالة فعاليتي السبعين والروضة، والمحافظات التي تقع تحت سيطرتهما أكثر استقرارا وأمانا من المحافظات التي ترى أنها حررتها ، والجبهات التي فتحتها هنا وهناك في الداخل لم تراوح مكانها وتعيش حالة دائمة من الهزيمة والتعثر ، والخوبة والربوعة وكثير من المواقع والقرى الحدودية ما زالت تحت سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية …والتوصل إلى تسوية سياسية في ظل بقاء مكوني (أنصار الله والمؤتمر) بهذه القوة، يعني فقدان التأثير المستقبلي في القرار السياسي اليمني …ولا يختلف الحال بالنسبة لمراكز نفوذها التي سقطت في 21 سبتمبر ممثلة بمحسن وآل الأحمر ورافعتهما السياسية (حزب الإصلاح) الذين كانوا ينتظرون أن تعيدهم عاصفة الحزم إلى صنعاء فاتحين ترفرف فوقهم أعلام النصر، فإذا ما نجحت التسوية وعادوا إلى صنعاء، سيستقبلهم أغلب اليمنيين على أنهم مجرد عملاء وخونة ومرتزقة، وسيظلون يتحملون تبعات الحرب وآثارها ، وبالتالي لن يكون لهم تأثير في الحياة السياسية المستقبلية في اليمن.
أليست هذه القوى نفسها (هادي والإصلاح، ومن خلفهما السعودية ) هي التي ألمح إليها المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر صراحة في إحاطته الأخيرة التي قدمها أمام مجلس الأمن بأنها من وقفت ضد التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف اليمنية بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الاتفاق…فسيمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين …ومن يدري فقد ينقلب السحر على الساحر.