كتب/ محمد علي الديلمي
تتجه الأنظار في الثامن عشر من أبريل الجاري صوب العاصمة الكويتية، والتي ستحتضن المفاوضات اليمنية – اليمنية، وسط العديد من التكهنات حول مدى إمكانية نجاح المفاوضات من عدمه.
وتنطلق مخاوف البعض من احتمال فشل المفاوضات إلى العديد من المؤشرات، لعل أولها الفشل الذريع التي مُنيت به المفاوضات السابقة والتي آلة جميعها إلى سراب، بالإضافة إلى عدم استمرار أي هدنة نتيجة الخروقات التي تقترفها السعودية ودول التحالف المشاركة معها في العدوان على اليمن.
كما أن المسودة لم يذكر فيها ما يثبت أن السعودية ذاهبة إلى إيقاف عدوانها فعلاً وبدون أية نوايا سيئة للتحايل، بحسب ما تؤكده التسريبات الأولية للمسودة، وليس هذا فحسب بل يرى أن المسودة لم يرد فيها ذكر للأطراف المعنية بها، سوى طرف واحد هو أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام فقط.
ويؤكد الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبد السلام في تصريحات متعددة بأن مسألة وقف إطلاق النار مرتبط بالاتفاق على مسودة وقف إطلاق النار بشكل واضح، على رغم إعلان تحالف العدوان مساء اليوم التزامه بإطلاق النار المتوقع في غضون الساعات القادمة.
حيث أوضح محمد عبد السلام الخميس الماضي بقوله “تسلمنا من الأمم المتحدة مسودة اتفاق وقف إطلاق النار، وسلمنا ملاحظاتنا على تلك المسودة للأمم المتحدة، وما زال النقاش جارياً عليها، ولم يتم الموافقة النهائية عليها بعد”.
ويرى صلاح العزي من “أنصار الله” بأن مسودة الاتفاق احتوت على أغرب طلب للغزاة والمرتزقة عبر مفاوضات الكويت هو تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
ويقول بنوع من السخرية والتهكم “طيب وعام كامل من أكبر وأطول وأقذر وأجرم وأضخم عدوان شارك فيه اليهود والنصارى والمنافقين والأعراب والعملاء والعبيد والصعاليك والدواعش والتكفيريين ماذا استفدتم منه؟”.
وتساءل العزي “ألم يكن أحد أبرز أهدافكم المزعومة هو تدمير أسلحة الشعب اليمني وادعيتم أنكم قد دمرتموها بالفعل في أول ربع ساعة من العدوان، فلماذا عدتم اليوم للمطالبة بتسليم شيء ادعيتم أنكم قد دمرتموه؟”.. ثم يستردف بقوله “أليس هذا اعتراف بأن تحالفكم كان أوهن من بيت العنكبوت وأنكم كنتم أفشل وأعجز من أن تنتزعوا منا أي هدف غير القتل والتدمير؟”
ومع ذلك أبدت العديد من الأوساط السياسية المحلية والدولية تفاؤلها حيال تنفيذ وقف إطلاق النار، والتي تذهب أكثر التقديرات إلى أنه سيفضي بصورة مباشرة إلى وقف شامل للعمليات العسكرية التي يشنها تحالف العدوان السعودي على اليمن منذ أكثر من عام، قبل الشروع بترتيبات تطبيق خطة إطلاق النار في سائر الجبهات الداخلية والتي من شأنها أن تمهد الطريق لجولة المفاوضات المقررة في الكويت.
ورغم التداعيات السياسية والميدانية التي جرت الساعات الماضية، والتي أشاعت القلق من إمكانية عرقلة الترتيبات الأممية لوقف إطلاق النار وعززت التكهنات بتأجيل محدود لمفاوضات ولد الشيخ، إلاّ أن دوائر سياسية عدة رجحت المضي قدماً في ترتيبات ولد الشيخ لوقف النار استناداً إلى حجم الضغوطات الدولية على السعودية.
ولعل نجاح أي مفاوضات يعتمد في الأساس الأول على مدى مصداقية السعودية في السير نحو مفاوضات حقيقية تنتهي بالخروج بحل سياسي يرضي جميع الأطراف.. ومن المؤكد أن الالتزام بوقف إطلاق النار المقرر له أن يبدأ في العاشر من أبريل الجاري، والذي سيبدأ سريان بعد ساعات، سيكون أول مؤشر إلى جدية الأطراف في الحرص على التوصل إلى حل سلمي من شأنه إيقاف الحرب.
ويفترض أن يبذل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ولد الشيخ جهداً غير عادياً لإقناع جميع الأطراف بجدوى توقفها الفعلي عن إطلاق النار ووقف الطلعات الجوية.
وشهدت الساعات الماضية سخونة في جبهات تعز ومأرب وشبوة والجوف ونهم، وبدا التصعيد واضحاً من جانب مرتزقة العدوان مع تصعيد للطيران السعودي، لكن الجيش واللجان الشعبية استطاعا صد محاولة تقدم المرتزقة في هذه المناطق، فيما بدا أنها محاولة من مرتزقة العدوان لاقتناص الفرصة والتمركز في مواقع معينة قبيل دخول وقت إطلاق النار حيز التنفيذ.
ورغم السخونة التي شهدتها الجبهات الداخلية، إلاّ أن مصادر سياسية وعسكرية متطابقة قللت من شأن هذه التداعيات، مشيرة إلى أن تحالف العدوان دفع بمرتزقته إلى إشعال الجبهات لتأمين عمليات انسحاب القوات السعودية والإماراتية من معسكراتها الرئيسية في مأرب.
ويعزى لجوء تحالف العدوان بسحب الآليات العسكرية إلى مخاوف من احتمال سيطرة رجال القبائل على الترسانة العسكرية الضخمة مع بدء سريان وقف إطلاق النار، كما حصل للقوات الإماراتية في وقت سابق في محافظة لحج عندما فقدت العديد من آلياتها وأسلحتها وفشلت في استعادتها من رجال القبائل.
وتأتي مفاوضات الكويت، بعد مرور عام من العدوان الغاشم على اليمن، التي تشارك فيه دول الخليج ماعدا سلطنة عمان، وبقيادة وتمويل سعودي، وخلال هذا المدى الزمني الباهظ للحرب، أخفقت السعودية في تحقيق الأهداف التي قام العدوان لأجلها، فكانت النتائج بهذا الحجم من الهشاشة والأخطاء، ولم تستطع حل المشكلة اليمنية بل زادتها تعقيداً، لأنها استندت في حربها على معطيات غير واقعية.
ونشرت صحف غربية تقارير عديدة حول عاصفة الحزم، سلطت معظمها الضوء على الفشل السعودي في اليمن وحربها العبثية وسفكها لدماء اليمنيين دون وجه حق، وهذا الأمر استدعى من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لإنقاذ حليفتها من خلال البحث عن مخرج للسعودية يحفظ ماء وجهها ويجعلها تبدو وكأنها منتصرة، حتى وإن بدا هذا النصر نصراً وهمياً.
وأما ما يمنع السعودية اليوم من الاستمرار في حربها وإجرامها – بالإضافة إلى اقتصادها المترنح الآيل للسقوط – فهو هزيمتها المدوية والفضائح التي لحقت بها جراء المجازر التي ترتكبها بحق الأبرياء، والتي حاولت السعودية التنصل منها وإلقاء اللوم على حليفها هادي ومرتزقته في هذه المجازر، فيما أصبحت الحكومة الأمريكية في موقف محرج بسبب تحالفها مع السعودية التي لم تحقق الأهداف ولم تجلب لنفسها وللأمريكيين سوى العار.
الأمر الآخر هو الحصيلة الحقيقية لخسائر السعودية أمام الأسلحة اليمنية البدائية، حيث كشفت مصادر غربية أن عدد قتلى الجيش السعودي بلغ عشرة أضعاف المعلن رسمياً عنه، كما أن الوضع الاقتصادي السعودي لم يعد يحتمل، جراء انخفاض سعر النفط والكلفة الباهظة للحرب في اليمن بالإضافة إلى الحروب بالنيابة في سوريا والعراق.
وعليه فإن محادثات السلام المقبلة والمزمع عقدها في الكويت ستعطي للسعودية مخرجاً من ورطتها في اليمن، وإنه من الصعب على الأمريكيين أن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه السعودية وهم يرونها تنهار في حربها ضد اليمن..
وحتى إن موافقة السعودية بالمشاركة في محادثات السلام وإعلان وقف إطلاق النار، يبدو وكأنه اعتراف سعودي بأن استمرار الاستنزاف العسكري ليس حلاً؛ بل يزيد الطين بله، والأولى على السعودية أن تسارع في تدارك فشلها قبل أن يصبح ذلك مستحيلاً وضرباً من الخيال.. وبالتالي.. فإن عوامل تحقيق تقدم حقيقي في إنجاز أي خطوة على طريق الحل السلمي في مفاوضات الكويت أكبر من أي وقتٍ مضى.