في 24 مارس 2014، كانت محكمةُ الأموال العامة بأمانة العاصمة تنظُـرُ في جريمة بيع أرض في محافظة حجة، مساحتها 100 كيلومتر مربع، لشخص يحملُ الجنسية السعودية. وتشمل الأرض الواقعة على الشريط الحدودي، أجزاءً من وادي حرض، وتمتدُّ حتى شواطئ ميدي على البحر الأحمر.
في ذلك الوقت، كان الجنرال علي محسن لا يزالُ قائداً للمنطقة الشمالية الغربية، لكن صفقةَ البيع تم إفشالُها بالصدفة عندما أتى المتهمون البائعون لتعميد وثائق الملكية المزوّرة في مكتب الأراضي والعقارات بمحافظة حجّة.
في المحكمة، اعترف أَرْبَــعةٌ من المتهمين اليمنيين باستلام مبلغ 400 ألف ريال سعودي – تحت الحساب – من المشتري السعودي، ويدّعى: علي حسين سواري مشهور. وهو بحسب لائحة الاتهام، المتهم الثالث، والفار من وجه العدالة.
رفعت المحكمة جلستَها إلى السابع من ابريل 2014، وأفرج عن أَرْبَــعة من المتهمين بضمانة،.. راح ابريل وبعده ابريل، وها نحن في ثالث أبريل. لا ندري كيف انتهت القضية.! ولا ندري كيف تصبح قضية بيع ارض الوطن، أهون كَثيراً من مجرد”………0098 ألوووو”.
القضية أكبرُ من القاضي
بالنسبة لي، كان نشر هذا المقالِ دون معرفة الحكم الذي صدر في القضية هو عمل ناقص وعيب صحفي. وفي اللحظات الأخيرة، أرشدني أحدُ الزملاء إلى الحلَقة المفقودة، باختصار: “كانت جلسة 24 مارس هي الأولى والأخيرة، فقد كانت القضية أكبر من قدرة المحكمة والقاضي”.
لم تُعطَ القضية ما تستحق من اهتمام سياسي، أَوْ قضائي أَوْ إعلامي، وجرى التعامل معها مثل بقية قضايا المنازعات حول الأراضي في المحافظات والمدن اليمنية، مع أنها في الحقيقة، محاولة لاستقطاع جزء من الأراضي اليمنية وضمها إلى دولة أخرى. فالمشتري الحقيقي لم يكن السعودي مشهور، بل حكومة بلاده.
لم تكلف الخارجية اليمنية نفسَها باستدعاء السفير السعودي، ليس لتسليمه مذكرة احتجاج أَوْ لطلب تسليم المتهم الرئيسي للمثول أمام المحكمة.
كان يستدعوا السفير السعودي من شان يضحكوه، يقولون له: سمعت آخر نكتة يا طويل العمر ؟…… ههههههههه، كان الجميع سيضحك، وستصل الرسالة دون أَن يثيروا غضب السفير.
اللص يعود من جديد
بعد سنتين من هروبه، يعود المحتال السعودي “مشهور” لبسط سيطرته على ميدي بطريقة أخرى.. يبدو أنه مصمم على تعميد البصيرة المزورة بالدم. واستعانته بعلي محسن، تشير إلى أن الأخير كان مورطاً بصفقة البيع الفاشلة عام 2014. ولذلك، تم تكليفه بالمشاركة في تنفيذ “الخطة ب” والاستفادة من خبرته في قضايا الأراضي للسيطرة على ميدي.
ما الذي يريده المحتال “مشهور” من صحراء ميدي وشواطئها.؟.. عندما دفع قيمتها 400 ألف ريال سعودي، قلنا انه حاذق، والسعر “عرطة” مقابل 100 كيلو متر مربع. لكن، أن يعود مشهور مرة اخرى، وتُقدم كل هذه التضحيات البشرية والخسائر المادية، فهذا امر محير.!.
من المؤكد أن الأمر لا يتعلق بقطع الامدادات التي تصل لأنصار الله عبر ميناء ميدي كما يعتقد البعض، ولا بموقع ميدي في خارطة المعارك.
فالميناء يمكن محاصرته برشاش متوسط من الحدود السعودية، وموقع ميدي محصور في الركن الشمالي الغربي لليمن.
التفسير الأقرب للحقيقة، وراء اصرار السعودية على احتلال ميدي، هو ما جاء في تقرير للكاتب والمحلل السياسي الأميركي، فيل بتلر، نشرته وكالة سبوتنك الروسية في 4 ابريل الحالي، بعنوان: لعبة الرياض السرية القذرة في اليمن، أكد فيه أن الهدف السعودي من حربها على اليمن، هو السيطرة على مناطق الثروات النفطية والغازية في هذا البلد.
ونقل بتلر عن تقارير لشركة “usgs” وهي شركة متخصصة بالمسح الجيولوجي، وجود احتياطات هائلة من النفط في عدد من المناطق اليمنية، بينها ميدي على البحر الاحمر.
بين عصابتين
المفارَقةُ المثيرةُ للضحك والبكاء في آن، تكمن في أَن المحاولة السابقة للسيطرة على ميدي، كان العدد سبعة، سعودي وستة مرتزقة يمنيين تمت محاكمتهم كمجرمين ـ بغض النظر عن إغلاق ملف القضية ـ.
وفي المحاولة الثانية، تضاعف عدد المرتزقة اليمنيين مئات المرات، وجري تسويقهم داخلياً وخارجيا كـ”جيش وطني” تقوده سلطةً شرعيةً، بينما اختفى تَمَاماً هذه المرة اللص المحتال “مشهور” من قائمة الاتهام، واعتلى منصة القضاء، بينما شارك أفراد من عصابته السابقة في المعارك التي دارت خلال الأيام والأشهر الماضية، وقتل بعضهم.
تحية للوطنيين الشرفاء، من ضباط الأمن، والموظفين في مكتب الأراضي والعقارات بمكتب محافظة حجة الذين أفشلوا المحاولة الأولى.
وقُبُلات وفاء وعرفان لأقدام الأبطال في الجيش واللجان الشعبية الذين تصدوا ببسالة نادرة لتحالف اللص “سواري مشهور” وأفشلوا محاولاته الجديدة لسرقة ميدي من حُضن أمها اليمن