ﻷول مرة .. رئيس يمني يتفقد الوطن آخر الليل
بقلم / عابد المهذري
عندما يأتيك خبر في وقت متأخر من المساء يتحدث عن زيارة قام بها رئيس اللجنة الثورية العليا منتصف الليل الى عمران لتفقد المواطنين وتسريع عمليات الاغاثة للمناطق والسكان المتضررين من السيول .
عليك كصحفي ألا تتأخر حتى الصباح للكتابة حول هكذا أعمال وجهود من شخص يتبوأ منصب ومهام الرجل الأول في سلطة البلاد اسمه محمد علي عبدالكريم ويسمونه أبواحمد الحوثي.. لأن الخبر والتصرف قد يكون مفاجئا لك بإعتبار أي أحد في هذا البلد أو غيره لم يتعود على سماع شيئ من هذا القبيل قام به رئيس دولة او حكومة او حتى وزير او مسئول صغير في ذات اللحظة لوقوع الكارثة وفي وقت ليلي وبسرعة لا يتوقعها احد وتلقائية لم يفكر فيها غيره ..
ناهيك عن تجاوز الرجل في زيارته هذه الليلة الى عمران المحاذير الأمنية التي تفرضها ظروف الواقع اليمني في ظل العدوان وما تتطلبه من احتياطات أمنية لرجال الدولة كإجراء طبيعي متبع وملزم ..
لكن أبواحمد الحوثي خرج عن المألوف وكسر الحواجز الروتينية ولبى فطرته الإنسانية وشجيته اليمنية كمواطن من أبناء الشعب لبى نداء ضميره بشهامة وشجاعة واتجه الى هناك دون ان يطلب منه فعل ذلك او تستدعي الحاجة وجوده في ذلك المكان الذي لن يلام لو لم يزوره اصلا ..
فما بالك وقد فعلها وفاجأ الجميع بسلوك غير معهود وموقف محترم ونبيل وعلى قدر كبير من استشعار المسؤلية لم يسبقه اليه من سبقوه في دفة الحكم ممن كان أفضلهم يبادر بزيارة تفقدية او توجيهات مكتبية في اليوم التالي اذا ما كان الأمر متعلقا بحوادث طبيعية كتدفق السيول التي كان قيادات وقادة يمنيين آخرين يستثمرونها في استجداء المساعدات المالية والعينية من الخارج بإسم إغاثة ضحايا ومتضرري السيول وينسون واجباتهم المفترضة كحكام وحكومة ودولة معنية بإنقاذ وإغاثة السكان المتضررين قبل استجداء العون من خارج الحدود واستغلال مصيبة الناس بالمتاجرة بها دون حياء واستحياء كما حدث مرارا وتكرارا في عهود قريبة .
هذا من جانب .. ومن جانب مقابل .. فإن تصرف رئيس اللجنة العليا محمد الحوثي الذي قام به في آخر ليل يومنا هذا ينم عن غريزة ذاتية مغروسة في ذاته .. لا يتكلفها او يبتغي من ورائها مآرب أخرى دأب من عرفناهم على استخدامها لدغدغة عواطف الشعوب وحصد الاعجاب وحب السكان وبروبجندا الاعلام .. فمن يقرر الذهاب الى قلب الحدث تحت جنح الظلام فهو قطعا لا يبحث عن اضواء وكاميرات الصحافة والشهرة وثناء العوام .. بقدر ما هو حريص على ابراء ذمته أمام الله وأداء دوره على النحو الأمثل .. اخلاصا مع الذات وصدقا مع الوطن وتجسيدا حقيقا لثفافة أمة وحركة تضع على رأس أهدافها نصرة المستضعفين .
هل كان أحدا منكم يفكر او يتوقع ما حصل !!
طبعا لا .. لكن الرجل قام بها للمرة الثانية وفي ساعة متأخرة من الليل .. بعد اسبوعين من زيارة ليليلة الى ميدان السبعين عشية فعالية العام الأول للعدوان .. وقبلها بنحو شهر قام بزيارة مفاجئة لجرحى الجيش واللجان في مستشفيات العاصمة وفي المرات الثلاث كان موفقا لأبعد حد كأول رئيس يمني يؤدي مهامه وواجباته في أوقات الليل وبعفوية وانسيابية لافتة وبلا تخطيط مسبق او ترتيبات مدروسة .
هذا هو الحاكم اليمني الذي نفتقده اليمنيون البسطاء والكادحين والمستضعفين .. الشاب الذي يعي جيدا ما يترتب على ثقة قائد الثورة والمسيرة به فيبلورها حضورا عمليا بين أوساط الناس .. ملتحما بالشعب .. قضاياه وتطلعاته .. افراحه واحزانه .. ببساطة وتواضع ودونما اي قيود او هيلمان .. تجده في بيت عزاء بحواري صنعاء القديمة .. يزور عالما جليلا للاطمئنان عليه .. يشارك شاب من أسرة عادية عرسه .. يركب دراجة نارية الى مكتبه في القصر .. يهاتفك ليشكرك على شيئ ما .. يفاجئك ربما في نقطة تفتيش أمنية ربما كفرد من اللجان الشعبية .
انه أبواحمد الحوثي .. من شنت عليه أضخم حملة تشهير وتشويه وتحقير وتحريض وإساءة .. استهدفت بدرجة رئيسية إظهاره أمام الرأي العام كفاشل وضعيف وأحمق وبليد ولص وعنصري وصولا الى وصمه بالمقوت عندما انعدمت في قواميسهم الشتائم والاتهامات والفبركات وكأن مهنة المقوت عار معيب .. ولان الرجل على قدر كبير من الثقة بنفسه لم يهتز او يترنح امام تلك الحملات الظالمة .. وعلى حين غرة من هؤلاء واولئك ..
برز عكس ما قالوا واشاعوا وروجوا عنة من اقاويل واباطيل .. بعمله يلجم الاصوات النشاز .. وبكفائته ووعيه يخرس المتطاولين .. وبوطنيته وانتمائه لتربة أرضه يقهر المتربصين ويحبط مآمرات العملاء والاعداء .. ولو لم يكن في رصيده من البصمات الايجابية ما تحقق لمؤسسات الدولة واجهزتها الرسمية من تماسك وتجاوز للانهيار خلال عام العدوان والحرب فأنه يكفيه شرفا وفخرا وشهادة سيتوقف عندها التاريخ ليحكي عن عظمة شعب يمني .