منذ اختلاط العادات بالدين ذاق الإنسان الكثير من ويلات العسف والتضليل وتشويه الدين والعلم معاً وحين أقول الإنسان بالطبع إنما أقصد المرأة والرجل .
صحيح أن نصيب المرأة من هذا العسف والتضليل هو الأوفر والأكثر مأساوية نظراً لتراكم الكثير من العادات السلبية التي اعتبرت بفعل تفشي الأمية بكل تفاصيلها وتصانيفها والجهل بكل مكوناته والأمراض والفقر بما يؤديا إليه من آثار في ضعف قدرة الفرد والمجتمع على تخطي حالتي الأمية والجهل وكذا الأمراض التي تنتج عن كل ذلك وبسببه وبما يخلقه في واقع الحياة العملية والفكرية .
أقول منذ اختلطت العادات والموروثات والتقاليد بالدين ضاع المنهج العلمي والسببية التي جعلها علماء أصول الفقه أساس ومحور الأحكام الدينية والفقهية باعتبار أن الدين المنزّل أو المتأمّل إنما جاء لخير الإنسانية ( أينما تكون المصلحة فثمّ شرعُ الله ) و ( الحكمُ يدور مع علته وجوداً وعدماً ) أي أنه يوجد الحكم حيث توجد علته وينتفي حين تنتفي تلك العلة والدين مجموعة أحكام ومواعظ جاءت لمخاطبة المكلفين بواسطة الرسل والأنبياء وتناولها العلماء والفقهاء بالدرس والتمحيص وأثروها بالاجتهاد وإعمال العقل إلى جانب النقل والدراية مع الرواية بحيث يكون مدار أي نشاط يتم عرضه على القرآن ؛ لقد انبثقت عن درسهم وتمحيصهم عدة رؤى واجتهادات وفرق ومدارس وبخاصة في الفقه الإسلامي حيث كان الرأي الأرجح عند أبرز الآراء الفقهية هو بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً من حيث المبدأ وإن اختلفت الآراء حول وجود بعض شروط في المجتهد والاجتهاد!! .
ويمكن القول إن وجود هذا المبدأ من الناحية الإيجابية قد زاد من غنى مسيرة الفقه الإسلامي وساعد على ظهور الكثير من المعارف والأفكار التي كان لها في صدر الإسلام دورها في صياغة عصر النهضة في أوروبا وفي غيرها وهذا لا ينبغي فهمه من باب الاستمرار في استجرار الماضي لأن عملية الاستجرار ليس من المفيد أن تبقى الأمة مأسورة بالماضي بسلبياته وإيجابياته لأن تلك الحالة ما هي إلا تعبير عن رغبة في الوقوف عند ذلك الماضي الذي مضى بايجابياته وسلبياته كما أن الوقوف عنده على هذا النحو الذي نشاهد عند بعض المغفلين لا يعبر عن استيعاب له لأن موقفهم هذا يناقض في الأصل الجوهر الذي اتسم به وهو جوهر الحيوية والانفتاح المستمر على كل جديد من الأفكار والرؤى والمدارس الفكرية والثقافية وهذا كذلك ليس من باب التفاخر بالأمجاد الماضية لأنه ( ليس للإنسان أي إنسان إلا ما سعى ( وأن سعيه سوف يُرى )؛ ولا يرى أو يورث السعي إلا بالسعي أي أن عمل الإنسان وحده هو مصدر فخره وأساس وجوده وسعادته في هذه الدنيا أو في الحياة الاخرى عند المؤمنين بها بأي شكل وأي قدر من الإيمان ومن المثير للانتباه أن ظهور جماعات التكفير والإرهاب قد ارتبط باستهداف كل مجتهد وكل اجتهاد مفيد وفتح الباب لكل فتوى مشبوهة تستهدف قتل الحياة !!؛ وبترسيخ مبدأ ابقاء باب الاجتهاد مفتوحاً فإن حركة التقدم ومواكبة التطور الفكري والمادي تبقى مستمرة مستمدة منه الشرعية والمشروعية معاً ما يساعد على أن تأخذ الأمة الإسلامية موقعها بين الأمم التي ارتقت وصار لها القول الفصل في الأخذ بالإنسان نحو آفاق أرحب من التعاون والتعايش واحترام حق الإنسان في الاعتقاد وفي الاختلاف في الرأي وفي كل حق من الحقوق التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع الرفض التام لازدواج المعايير الذي تمارسه بعض الحكومات والدول وفي المقدمة الولايات المتحدة التي قدمت وتقدم اليوم في الوقوف ضد الثقافة المستنيرة ودعم الثقافة الإرهابية إنها النموذج الصارخ في ازدواج المعايير في تطبيق والمناداة بتطبيق حقوق الإنسان فإسرائيل ديمقراطية وإن قتلت الأطفال والنساء واحتلت أراضي الفلسطينيين وشردتهم وانتهكت كامل حقوقهم وكذلك السعودية يغض الطرف عنها وعن عدوانها على اليمن وكل ممارساتها وتمويلها للإرهاب في أجزاء متفرقة من العالم طالما كانت منفذة لسياسات الولايات المتحدة !! .
نعم تجلى ذلك من خلال دورها في دعم الكيان الصهيوني وفي أفغانستان والعراق وسوريا وأخيراً في دورها في الحرب القذرة ضد اليمن التي شنت بعنوان التحالف السعودي العربي مع أن الواضح من مجرياتها أن أمريكا والكيان الصهيوني صاحب القرار في العدوان وفي حجمه والأسلحة التي استخدمت فيه والأهداف التي استهدفت وهما مصدر القرار في استمراره واستثماره !!