اوباما يصل الرياض على وقع التوتر الحاد في العلاقة بين البلدين
يمانيون- بالتزامن مع وصوله الى الرياض و في ظل توتر غير مسبوق في العلاقات الامريكية السعودية، أكد الرئيس الامريكي أنه سيرفض أي قانون يقره الكونغرس الامريكي ويسمح بموجبه بمعاقبة السعودية لدورها في أحداث 11 أيلول.
وعلى خلفية تنامي الادراك الشعبي والسياسي في امريكا بدور السعودية في دعم الارهاب، يسعى الرئيس الامريكي الذي سيلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، عشية قمة أمريكية مع دول مجلس التعاون تستضيفها العاصمة السعودية الى امتصاص التوتر الذي خلفته أصوات السياسيين الامريكيين المنددة بدور السعودية في نشر التطرف والارهاب حول العالم وصولاً الى ضلوع الرياض بهجمات 11 من أيلول والقانون المثار في أروقة الكونغرس، والذي أضفى على العلاقة الامريكية السعودية مزيداً من التوتر الموجود أصلاً منذ الاتفاق النووي الايراني والدور الامريكي في سوريا والذي لم يكن كما تشتهيه “الحليفة” النفطية.
هل يصلح أوباما ما أفسده الدعم السعودي الممنهج للارهاب؟
الرئيس الامريكي أكد أن رفضه مشروع القانون الجديد الذي يسمح بمحاسبة السعودية لدورها في دعم الارهاب، نابع من عدم رغبته بفتح الباب لمقاضاة الولايات المتحدة من قبل بلدان أخرى، مفضلًا الطرق الدبلوماسية للتعامل مع المملكة، وأضاف الرئيس الامريكي، الذي توجه مساء الثلاثاء الى الرياض برفقة المتحدث باسمه جوش ارنست ومستشارته للامن القومي سوزان رايس،”إذا ما أفسحنا المجال لأفراد أمريكيين بالبدء بمقاضاة الحكومات بشكل مستمر، فإننا سنفتح الباب لمقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى”.
وأشار أوباما في في لقاء تلفزيوني الى أن المشكلة في التشريع الذي يسعى الكونغرس للتصويت عليه هو “ليست قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، بل هي مسألة تتعلق بشكل عام بالمنهج الذي تسلكه الولايات المتحدة في التواصل مع بلدان أخرى”.
من جانبه أكد نائب مستشار الامن القومي الاميركي بن رودس ان الحكومة السعودية لم تعير اهتماماً كافياً الى الاموال التي كانت تضخ الى الجماعات الارهابية و التي ادت بالتالي الى صعود تنظيم القاعدة.
وأشار المسؤول الامريكي خلال مقابلة اذاعية وفي معرض تعليقه حول ما يثار مؤخراً عن ضلوع مسؤولين سعوديين بهجمات الحادي عشر من ايلول “أن عدد من الافراد الاثرياء جداً في السعودية الذين كانوا يتبرعون،احياناً بشكل مباشر، للجماعات المتطرفة بما في ذلك تنظيم القاعدة”، كما اضاف ان التبرعات كانت تصل احياناً الى “المؤسسات الخيرية التي تبين فيما بعد انها تشكل وسيلة لغسل الاموال لصالح هذه الجماعات الارهابية”.
وأضاف رودس بان “الكثير من الاموال، اموال البذور اذا صح التعبير (المقصورد هنا زرع بذور القاعدة) لما أصبح فيما بعد تنظيم القاعدة، جاءت من السعودية”. و رداً على سؤآل عما اذا كان ممكن حصول ذلك من دون ادراك الحكومة السعودية، معرباً عن اعتقاده بان هذه الحكومة “لم تكن تسعى جاهدة الى منع حدوث ذلك”
وأشار رودس الى ان “بعض الاشخاص من داخل الحكومة او افراداً من عائلاتهم”، تمكنوا من العمل من تلقاء نفسهم، و هو ما سمح بتدفق الاموال. بالتالي تحدث عن عدم اعطاء الجهاز الحكومي السعودي” اهتماماً كافياً لمصير هذه الاموال على مدار اعوام عدة”.
وفي معرض اجاباته على سؤال حول كيفية تسمية امريكا السعوديين بانهم حلفاء بينما لديهم هذه الجذور العميقة بالعناصر المتطرفة، قال رودس ان هذه العلاقات تقام مع الحكومات “لاننا نتشارك معهم بعض المصالح”، و اضاف انه و على مدار فترة طويلة، كانت المصلحة الاساسية تتمثل بالنفط و الامن، و هو ما كان يعني بان الولايات المتحدة كانت “بطيئة باعطاء الاهتمام الى عنصر الارتباط بالجماعات المتطرفة (ارتباط السعوديين)”،و صرح كذلك بان “تركيبة العلاقة جعلتنا نفكر فقط بالامن و النفط” دون ان يتم الدخول في مجالات اكثر عمقاً.
ويسعى الكونغرس الأمريكي لتشريع قانون يسمح خلاله للمواطنين أمريكيين بمقاضاة السعودية بسبب تورط عدد من حملة جنسيتها في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث يحمل 15 من الانتحاريين الـ19 المتورطين في الهجمات المذكورة الجنسية السعودية على الرغم من رفض البيت الأبيض مسودة القانون.
ويستطيع الرئيس الامريكي بارك اوباما أن يوقف القانون في حال اقر في الكونغرس طريق استخدام حقه في النقض (الفيتو)، وهذا ما يتوقع حدوثه بعد أن هدد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير،أعضاء في الكونغرس بأن بلاده ستكون مجبرة على بيع ما قيمتها نحو 750 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية التي تحملها وغيرها من الأصول المالية في الولايات المتحدة في حال مصادقته على مشروع القانون.
وعبر أوباما عن ثقته بأن السعوديين لن ينفذوا تهديدهم ببيع كل أصولهم المالية الموجودة في الولايات المتحدة إذا صادق الكونغرس على المشروع الذي يدين بلادهم، مؤكدا أنه لن يتوانى عن استخدام الفيتو ضده.
تملق أوباما يخفي غليان سياسي امريكي من دور السعودية في دعم الارهاب
وعلى الرغم من سياسة التملق الذي ينتهجها أوباما، كان المزاج السياسي على الجبهتين الديمقراطية والجمهورية مختلف عن توجهات سيد البيت الأبيض، حيث اعتبر المرشح المحتمل للرئاسة دونالد ترامب عن المقعد الجمهوري في تغريدة له أن بامكان المملكة بيع اصولها المالية في حال ملاحقتها بسبب هجمات 11 سبتمبر. واستنتج ان اميركا لا تحصل الا على “فتات الاموال” مقابل حمايتها للسعودية، مؤكداً أن العائلة الحاكمة في السعودية لن تصمد لاسبوع من الزمن من دون الحماية الامريكية.
كما كان للمرشحة الدیمقراطیة هیلاری کلینتون، رأيٌ مختلف عن تصريحات أوباما أيضاً، واعربت كلينتون عن تأییدها لمشروع القانون المطروح في الكونغرس لمعاقبة السعودية، وأضافت کلینتون إنه لابد من محاسبة ومعاقبة أی شخص یشارك أو یدعم الإرهاب، مؤکدة تأییدها لمشروع قانون الحادی عشر من سبتمبر.
كذلك أعرب المرشح الرئاسی الأمریکی بارني ساندرز عن قلقه حیال مواقف السعودیة منذ زمن، وأضاف: إن الأسرة السعودیة المالکة تدعم الفکر الوهابي المتطرف المتصل بافكار القاعدة وداعش، ووصف ساندرز دور السعودیة بالمقلق، وقال: إنه لطالما کان یقول “إن هناک الکثیر من القلق حول الدور الذی لعبته السعودیة على مدار سنوات طویلة”.
وأضاف مرشّح الرئاسة الأمریکیة قائلاً “لدی الكثیر من القلق حول الدور السعودی عامة، ودور الأسرة المالکة فی السعودیة على صعید دعم الحرکة الوهابیة، الأمر لا یتعلق فقط بأن معظم منفذي هجمات سبتمبر کانوا من السعودیة، بل کذلك بالدعم المقدم لداعش ولتنظیمات متطرفة أخرى.
الخلاف الامريكي السعودي حول قانون محاسبة الرياض لدعمها الارهاب، يأتي استكمالاً لحملة انتقادات واسعة يقوم بها كلا الحزبين الأمريكيين الكبيرين فى الكونغرس لتحالف واشنطن الرياض، حيث اعتبر عضو سابق فی الکونغرس وحاکم فلوریدا بوب غراهام أن السعودیون یعرفون ما قاموا به فی الحادي عشر من سبتمبر ویعرفون أننا نعلم ما قاموا به، على مستوى المسؤولین البارزین فی الحکومة الأمریکیة على الأقل، وهم یتصرفون لأننا لم نقم بأي رد على تواطؤهم فی مقتل ثلاثة آلاف أمریکي بشعور من الحصانة معتقدین أن بإمکانهم القیام بما یریدون دون عقوبات، وهذه الحصانة تمتد الآن فی محاولتهم للضغط على المستویات العلیا للبیت الأبیض والکونغرس لمنع قانون یحدد ما إذا کانت السعودیة متآمراً مشارکاً.
وأكد غراهام أن هناك آلاف الوثائق التی تتحدث عن دور السعودیة فی هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتی تم حجبها أیضاً، واعتبر أن على الرئیس الالتزام بنشر جمیع هذه المعلومات وأن تکون هناك شفافیة کاملة مع الأمریکیین تجاه ما قام به السعودیون لکي تعامل جمیع الأطراف على مستوى الحقیقة على الأقل.
المزاج السياسي الامريكي المغاير لتوجهات البيت الأبيض لم يقتصر على قانون الكونغرس السابق فحسب، اذ قدم عضوان بمجلس الشيوخ، في الأسبوع الماضي، مشروع قرار بتقييد مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية، التى تواجه اتهامات متعددة فى قضايا متعلقة بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب فى اليمن.
التغيير القادم من الغرب، أثار توجسات الرياض، وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن قطاع كبير من السعوديين يشعرون أنهم محاصرين في ظل التوترات الكبيرة التي شهدتها علاقتهم مع الولايات المتحدة منذ اندلاع الاحتجاجات في العالم العربي عام 2011، مشيرة الى ان الرياض اعتمدت لسنوات طويلة على الحليف الأمريكي، في حمايتها، في ظل العلاقة التي كانت تقوم في الأساس على دعم أمريكي للمملكة وابرام صفقات السلاح معها، مقابل تدفق النفط، والذي يعد عاملا محوريا في الصناعة الأمريكية، وعزت الصحيفة تغير العلاقة بين البلدين الى ظهور النفط الصخري الأمريكي، بالإضافة للخلافات السياسية الأخرى في المنطقة والتي دفعت باتجاه منحى جديد في العلاقات بين البلدين.
وبناء على هذا وذاك تبقى نتائج الزيارة الخاصة لأوباما الى الرياض مدعاة لشكوك كبيرة داخل صناع القرار السعودي حول نوايا الإدارة الأمريكية تجاههم في المرحلة الراهنة، فهل يثلج اوباما صدر آل سعود؟