مسرحية المكلا ودخول القوات الأمريكية لتحل محل عناصر داعش والقاعدة بطريقة “استلام وتسليم” المتعامل بها في العرف العسكري أكدت أن تنظيمات القاعدة وداعش تظهر أين ومتى ما أرادت أمريكا وتختفي أين ومتى ما أرادت أمريكا فتقاتل بها أمريكا من تشاء ثم تحتل بذريعة محاربتها أي ارض تشاء.
فعندما كانت أمريكا تعمل على تصوير محافظة حضرموت للعالم بأنها وكرآ لتنظيم القاعدة وداعش -وهي الذريعة التي تبيح لها احتلال أي مكان في العالم- ظهرت بالفعل كذلك وأعلنت فيها الإمارات الداعشية والدويلات القاعدية ونفذت فيها الأحكام العرفية ورفعت الرايات السوداء في كل بقعة داخل المكلا وخارجها.
ولما انتهت المرحلة الأولى واصبحت حضرموت في أعين العالم أكبر وكر للتكفيريين الدواعش قررت أمريكا اجتياحها عسكريا بشكل مباشر وما هي الا توجيهات وأوامر عبر الاتصالات الﻻ سلكية والمراسلات حتى اختفت سكاكين الذبح و أعواد الجلد والرايات السوداء واللباس الأفعاني واقنعة التستر والتخفي من جميع انحاء المدينة وفي غضون لحظات ومن دون أن تطلق رصاصة واحدة أصبحت المكلا مستعمرة أمريكية.
وليست المكلا أول المدائن التي تشهد تلك المسرحية فبالأمس البعيد كانت الطائرات الأمريكية تقصف ليل نهار في عدة محافظات يمنية وخاصة محافظات الجنوب ومأرب و البيضاء وتقتل الأبرياء بتهمة الانتماء لداعش والقاعدة وهي في الأصل لم تكن الا غطاء على تمدد تلك العناصر بشكل أكبر برعاية أمريكية مباشرة.
ولما تحرك الجيش اليمني واللجان الشعبية لملاحقة عناصر القاعدة وداعش في مأرب والبيضاء جن جنون أمريكا وتحولت من عدو محارب لعناصر القاعدة وداعش إلى أم مكلومة فقدت فلذة كبدها واعترفت رسميا بأن مشروعها في اليمن معرض للانهيار وسلطت وسائل إعلامها وعلى رأسها قناتا العربية والجزيرة لتنفي أي تواجد لعناصر داعش والقاعدة في اليمن بشكل كلي ؛ ولتدعي بأن الجيش واللجان الشعبية إنما يهاجمون ويعتدون على القبائل اليمنية تارة وتارة على القبائل السنية حسب زعمها وأخفت جرائم الذبح وقطع الاعناق والتفجيرات والكمائن التي كان التكفيريون ينفذونها بحق منتسبي الاجهزة الأمنية والعسكرية وبحق كل من يناهض المشروع الامريكي.
ولما توسعت عمليات محاربة العناصر التكفيرية لتشمل بعض المحافظات الجنوبية تجاهلت أمريكا ما كانت تلك العناصر تفعله بالجنود والمواطنين من ذبح واغتيالات وكمائن لم تكد تسلم منها محافظة جنوبية واحدة كما تجاهلت ايضا الولايات الداعشية والإمارات القاعدية التي أنشأوها في عدن وأبين ولحج وشبوة مثل إمارة عزان وإمارة جعار وولاية زنجبار وجيش عدن أبين وفي الحوطة والمنصورة وغيرها تحت مرأى ومسمع طائرات الدرونز الأمريكية بدون طيار فاستغلت أمريكا حينها التوتر الحاصل في الجنوب والحراك الشعبي المطالب بالانفصال والحساسية التي خلفتها المظلومية الجنوبية تجاه أبناء المحافظات الشمالية ووظفته لإنقاذ القاعدة وداعش.
وزودتهم بالمال والسلاح ورغم كثرة المشاهد التي فضحت قتال الغزاة والمرتزقة صفا واحدا مع عناصر داعش والقاعدة ، وظهور تلك العناصر في صور ومقاطع كثيرة الا أن أمريكا كانت مصرة على تصويرهم للعالم بأنهم مجرد مقاومة جنوبية وجيش وطني الى ان تمكنت من احتلال بعض المحافظات الجنوبية بشكل جزئي خجول.
وماهي الا أسابيع حتى عادت عناصر القاعدة وداعش للظهور من جديد في عدن ولحج وأبين فاعترفت امريكا وضجت وسائل إعلامها بعودة القاعدة وقد كانوا قبل ايام فقط مجرد مقاومة جنوبية وجيش وطني إلا ان المصلحة الامريكية بعد خروج الجيش واللجان الشعبية اصبحت تقتضتي عودة القاعدة وداعش الى الواجهة لتكون البساط السحري الذي ستعبر أمريكا فوقه لتحتل باقي المحافظات كما فعلت بالمكلا في ظل ترحيب عالمي كبير.
فهل يدرك المواطن تلك المسرحية وهل يعقل انها بهذا الوضوح الساذج لازالت تنطلي على أحد في اليمن وحتى في غير اليمن وخاصة انها نفس المسرحية التي طبقت من قبل في أفغانستان وفي العراق وسوريا وغيرها من البلدان.