لكن اليمن لا بواكي له!!
بقلم/ إياد حرفوش
عندما عاد النبي (ص) إلى المدينة من أحد، مكلوما بشهادة عمه أسد الله “حمزة”، سمع النبي نساء المدينة يبكون ويندبون الشهداء من رجالهن، فقال “لكن حمزة لا بواكي له”! شهد ٢٦ مارس/آذار الماضي مناسبة أليمة هي مرور عام كامل واليمن تحت قتام العدوان السعودي، مرت المناسبة دون اهتمام يذكر من الإعلام العربي وهذا مفهوم، لأنه إعلام مؤلف الجيوب ومسعود القلوب، لكنها كذلك لم تحظ بالاهتمام الكافي من النخب والجماهير العربية! فإن دل هذا على شيء فإنما يدل على كون تلك الجماهير تتناول ببساطة ما يوضع أمامها، وتتعاطف وتتضامن مع ما تقدمه لها الآلة الإعلامية التقليدية والإلكترونية من وجبات سريعة، ولا تكلف خاطرها عناء المتابعة المستمرة لما يدور حتى في محيطها العربي! وحتى تدرك فداحة المفارقة إليك بعض يسير من الحقائق حول العدوان، وحتى لا نتجادل طويلا حول حقيقة الأرقام والوقائع فقد اعتمدنا بالأساس على أرقام المنظمات الدولية وتقاريرها، فالحق ما شهد عليك به الحلفاء وشهد لك به الأعداء، ولأن السعودية في حالة تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة تكون أرقام تلك المنظمات دالة في حالتنا هذه.
– في ١١ ديسمبر/كانون أول ٢٠١٥م أدانت منظمة العفو الدولية في تقريرها استهداف وتدمير أكثر من ٥٠٠ مدرسة عمدا! وقالت أنه يشكل خطرا على الأجيال القادمة في اليمن!
– في ٥ يناير/كانون ثان ٢٠١٦م استهدفت السعودية مركز النور لرعية المكفوفين، ليدمر المركز ويصاب بعض مرتاديه من المكفوفين بجراح!
– في ٢٦ يناير/كانون ثان قالت المتحدثة باسم أطباء بلا حدود في اليمن “راكيل آيورا” أن السعودية تستهدف المشافي التي يعمل بها أطباء بلا حدود بمعدل شهري تقريبا منذ بداية العدوان، وفي بعض الحالات كانت تلك المشافي هي المكان الوحيد الذي يقدم الرعاية الأولية لمحافظة كاملة
– في ١٨ مارس ٢٠٠٦م صدر تقرير منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ليقر بأن عدد ضحايا العدوان حتى تاريخه بلغ ٦٠٠٠ قتيل أكثر من نصفهم من المدنيين، وقال أن السعودية مسئولة عن ضعفي ما سببته الأطراف الأخرى في الصراع اليمني، ما يعني ٤٠٠٠ ضحية! كما قال أن العدوان استهدف المدارس والمشافي والأسواق بتكرار غير مقبول أن يكون عن طريق الخطأ!
جميلٌ ومقدرٌ هو التعاطف الإنساني لا شك في هذا! لكن المقارنة بين انتشار هاشتاج “حلب تحترق” وبين التجاهل الكامل لليمن التي احترقت بالفعل، بين التنادي لإنقاذ حلب وبين التجاهل الكامل لليمن وحتى لباقي الجغرافيا السورية التي غرس فيها الإرهاب غرسا، يضعنا بين أمرين لا ثالث لهما؛
(١) التعاطف الانتقائي، بمعنى أن التعاطف يكون مؤسسا على انتماءات أيديولوجية أو فكرية أو عرقية أو طائفية، وهو تعاطف معيب ولا إنساني!
(٢) التعاطف الكسول! أو غير المكترث! بمعنى أنك تتفاعل لحظيا مع صورة هنا وفيديو هناك، تجدها أمامك وتفرض نفسها عليك فرضا، هذا النوع من التعاطف هو حال معظم جماهيرنا، ولا يمكنني أن أقول بأنه غير إنساني، لأنه صادق ونبيل الدوافع، لكنه كذلك معيب! فهو يعكس من الغفلة أكثر مما يعكس من وعي!
كان اليمن فقيرا قبل الحرب، يحاول أن يدخل القرن العشرين بعد أن انقضى! فعاد بالحرب للقرون الوسطى! كان اليمني يسكن بيتا مهدما أشبه بالخربة، فهدمت ضربات العدوان تلك الخربة فوق رأسه ليعيش في العراء! كان يرتاد مشافي بدائية فعدمها، وكان أولاده يذهبون لمدارس محطمة المقاعد مهشمة الأبواب فعدموها! كان الطفل اليمني نحيفا أصفر اللون من سوء التغذية فصار اليوم هازلا منتفخ البطن من الجوع! أو مهشما تحت الأنقاض! فلو كنت باكيا فلا تنس اليمن في بكائك يرحمنا ويرحمك الله!