لما دخلت القوات الأمريكية بزعم تحرير العراق من ديكتاتورية نظام صدام حسين، فما هو البديل الذي جليته معها؟ ألم يكن البديل هو القاعدة التي ستحقق الأهداف الأمريكية في إبقاء الجرح الوطني نازفا معيقا لأي تحرر أو استقلال أو استقرار، ألم يكن البديل هو خروج جيل آخر من الحركات التكفيرية دعوه (داعش)، وكان نتيجة التلاقح الأمريكي الوهابي؟ فلماذا على غفلة من أقوى مخابرات عالمية لأقوى دولة كبرى اجتاحت داعش شمال غرب العراق، وتسلحت بأفضل أنواع السلاح الأمريكي، ولماذا في عشرات المرات كانت الطائرات الأمريكية تسقط السلاح لهم خطأ؟ ولماذا ظل العالم يرقب نمو هذا المارد شيئا فشيئا على أراض سورية وعراقية، في الوقت الذي كان الأمريكيون يلوكون تصريحاتهم اليومية عن ضرورة القضاء على داعش ولكن خلال عشرات السنين؟.
والشيء بالشيء يذكر، لماذا كان على الأمريكان وحلفائهم السعوديين والأمريكيين أن يصطحبوا داعش والقاعدة معهم في جميع جبهات القتال فيه ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية، حتى إذا مكّنوهم في الأرض وتركوهم يسرحون ويمرحون لأكثر من عام، جاءوا بحجة محاربتهم.
هل يمكننا أن نثق بأن الأمريكي والسعودي والإماراتي سيحارب قطعان جيشه، وهل يصدق أن القائد سيتخلص من أفراده الذين لا زالوا يقاتلون إلى جانبه، ولا زال محتاجا إليهم؟، وحتى لو غالطنا أنفسنا، وكابرنا عقولنا، وأغمضنا أعيننا عما نراه في الشام واليمن، وصدقنا الأمريكان أنهم يحاربون الإرهاب، فإن هذه الحرب لن تكون موفَّقة ولا مظفّرة، ، فهل حارب الأمريكان هذا الإرهاب في أفغانستان وفي العراق؟ أم طال واستطال وكبر شره، وتضاعف خطره؟! وما هي أنواع الذلة والعار التي لحقت الأحرار هناك، وكم مقدار القتل العمومي الذي دارت رحاه على ضفاف الرافدين؟
لقد بات واضحا أن القوى الاستعمارية تصطنع مثل هذه الحركات التي تتظاهر بعدائها، أو في أقل الأحوال تخترقها، وتوجهها إلى حيث تتقاطع وإياها الأهداف، وبات واضحا أن هدف الأمريكان هو إشغال هذا العالم الإسلامي بهذا النوع من الحروب التي تسميها بحروب الجيل الرابع، حيث يتم خلق المشاكل المجتمعية، والحروب الضارية، والفتن المذهبية، والمناطقية، والطائفية، والعشائرية، في بلد من البلدان، ليستهلك هذا البلدُ جهودَه ضد بعضه، ويدمِّر مقوماته ضد نفسه، وهذا ما تعمل عليه أمريكا اليوم في اليمن.
هاهي الإمارات في الجنوب بدعم أمريكي تدّعي تحقيق المنجزات العظمى، والانتصارات الاستراتيجية، وفي ذات الوقت تستعدي بعض هذه الحركات السلفية والتكفيرية باعتقال كوادرها، وتأمر عملاءها في عدن بطرد ذوي الأصول الشمالية، ليقابل بردة فعلٍ وكلتها إلى بعض أوليائها في الشمال، وكل ذلك بسبب المكر الأمريكي السيء، الذي يعرف أن هذه الخطوات ستقابل باستياء مقابل، واستجابة متحدية، فتتعمق الخلافات، وتتمزق الأواصر، وتزدهر سوق المفخخات، ويعلو صوت الأحزمة الناسفة، وتغور الجروح النازفة، ويلِغ البعض في دماء بعضه، وتتراجم الظنون، وتتزاحم الأوهام، حتى إذا أُثْخِن الشعب بالموت والقتل والجراح، تكررت داعش العراق في الجنوب اليمن.
إن المكر الأمريكي هنا سيطال الجميع، بما فيهم الإمارات والسعودية، ولكن بعد سيول من الدماء التي يراد بها تمزيق أواصر اليمنيين، و (تدويخهم) بصراعات لا يعرفون لها أولا من آخر، ولا وجها من قفا، فتظهر علينا النسخة اليمنية من داعش في المناطق الجنوبية وتجتاح مناطق كثيرة في الجنوب، وحينها تكون الإمارات العربية العظمى قد غرقت في شبرين من غرورها، إذ باتت تلعب دورا بأكثر مما تحتمله، وترتكب خطيئة تاريخية قتلا وتدميرا وإفسادا بأكبر من حجمها، وإذا كان لعابها اليوم يموج كالبحر على عدن، فإن القادم لا يعطيها كثيرا من التفاؤل؛ إذ مصير كل محتل هو اللعنة وعاقبة البوار، وحينها ستتمنى اليوم الذي لا تسمع فيه عن عدن، ولا عن مينائها الرجيم.