مع دخول الشهر الخامس عشر للحرب، ثمة مشهدان متغايران في صنعاء والرياض حفل بهما الأسبوع الماضي، في الأولى كان رئيس اللجنة الثورية العليا يفتتح مشاريع إنمائية وخدمية وتخرج دفعات عسكرية، فيما كانت الرياض تطفوا على صدع الخلافات مع أطراف التحالف، وتتجرع نتائج تقييم مؤلم للحرب على اليمن.
افتتاح مشاريع خدمية وإنمائية ووضع حجر الأساس لأخرى من قبل صنعاء، قد يكونا حدثان عاديين في زمن السلم وهما كذلك بالفعل، لكنه في ظل حصار اقتصادي مشدد وعدوان قاسٍ لأكثر من عام، هو عمل جبار بما تعنيه الكلمة للعارفين بما تواجهه صنعاء من حرب اقتصادية أريد من خلالها الدفع بانهيار الاقتصاد اليمني وإحداث فوضى اقتصادية عارمة منذ الأيام الأولى.
ويحسب لأنصار الله هنا أنهم نجحوا في الحفاظ على استمرار الدولة رغم الحصار والعدوان، ولا يزال البنك المركزي في صنعاء يغطي رواتب الموظفين حتى في المحافظات الواقعة تحت سيطرة العدوان ومرتزقته والتي تعاني من انفلات أمني واقتصادي لا تعاني منه المناطق التي تحت سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية.
وخلال الأسبوع الماضي أيضاً حضر رئيس الثورية العليا محمد علي الحوثي حفل تخريج الدفعة الـ49 من الكلية الحربية في صنعاء، وهي الدفعة الأولى التي يجري تخريجها في زمن الحرب السعودية الأمريكية على اليمن، وتحولت معارك الدفاع عن اليمن بوجه حلف السعودية إلى مادة عملية درس عليها الطلاب.
وشهد حفل التخريج مراسم تسليم الراية للدفعة الآتية، وهنا أيضاً دلالة بالغة في زمن الحرب بأن الجيش اليمني حي ولم يفت في عضده قساوة الحرب والحصار، ولا طول أمدها، ولا يزال الإنسان العمود الفقري لأي جيش في العالم، متوافر وحاضر للمواجهة والدفاع عن ثرى اليمن.
وإلى جانب خطابه الذي هاجم فيه من خانوا القسم الجمهوري ووقفوا لأجل المال ضد بلدهم يبيعون سيادته وأرضه بدراهم معدودة، كان الحوثي موفقاً في إعلانه عن منح طلابها رتبة استثنائية.
وبموازاة مشهدية التجدد والاستعداد القتالي الجديد للحرب بشتى أنواعها الذي أظهرته صنعاء الأسبوع الماضي مع توقع بدء جولة جديدة من القتال يجرب فيها الأمريكيون حظهم – الأمريكيون يديرون المواجهة الميدانية مباشرة في شبوة والوازعية وكرش، وتخوض عناصر القاعدة وداعش المواجهات في هذه الجبهات بإمرة أمريكية مباشرة – طفت الخلافات بين أقطاب العدوان السعودي الأمريكي إلى السطح، وبين أجنحة العائلة السعودية المالكة بسبب طول أمد الحرب وتباين مصالح أقطاب التحالف.
بحسب تصريحات لابن نايف ولي العهد السعودي الحانق من تغلغل نفوذ بن سلمان في كل مفاصل المملكة بشكل بات يهدد وجوده شخصياً في ولاية العهد, وفي التصريحات التي جرى سحبها بأمر ملكي من صحيفة الوطن السعودية “فإن عملية عاصفة الحزم طال أمدها وخرجت عن توقعاتنا نتيجة لعدم قيام دول التحالف بالمهام الموكلة إليها”، وهنا إشارة واضحة إلى دور الولايات المتحدة التي باتت تتحكم بمسار العملية كاملاً مع نزول قواتها إلى جنوب اليمن وقيادة المعارك مباشرة، فيما يستمر الاستنزاف للخزينة السعودية وسط تردي أسعار النفط السعودي، وكذا الإمارات التي أخذت لنفسها منحى يحقق مصالحها الخاصة مع أمريكا.
وفي تقييم لعمليتي الحزم والأمل أكد تقرير سعودي داخلي مسرب فشل العمليتين بتحقيق أهدافهما, وتحولها إلى حرب استنزاف مرهقة للخزينة السعودية.
وفي التقرير إن الحرب على اليمن اتسمت بالاستعجالية الشديدة، وفشل استخباراتي ذريع، وتوهم نصر في أسابيع على أبعد تقدير كما جاء في التقرير، الذي أضاف بأن “الحوثي” ظل ممسكاً بزمام الأمور وتمكنت قواته من التقدم والوصول إلى الحدود وإلحاق خسائر جسيمة بالجيش السعودي.
وهاجم التقرير الإمارات التي لديها القوة البرية الأكبر بين دول التحالف بسبب ما سماه أطماعها وأهدافها الخاصة.
واعترف التقرير الذي كتبه ضابط كبير في وزارة الدفاع السعودية بأن جلوس السعودية للتفاوض مع من تصفهم بالمجموعة الخارجة عن القانون أتى من الواقع المرير الذي تمر به العملية العسكرية السعودية برمتها، وفي هذا السياق يمكن وضع انتقال الناطق الرسمي باسم أنصار الله محمد عبد السلام من الكويت إلى ظهران الجنوب – الخميس – لتدعيم الهدوء على الحدود على وقع اندلاع معارك في شرفة نجران، وبإلحاح سعودي ربما.
الرياض غارقة بالشقاق بين أجنحة الحكم ومع حلفائها وضاجرة من تحكم الولايات المتحدة بها بعد أن دفعت بها إلى المستنقع اليمني كما فعلت مع صدام قبيل غزو الكويت في العام 90م، وبات ترى في الأهداف الأمريكية في اليمن مهدداً لوجودها، أما صنعاء فتظهر شوقها للمواجهة مع الأمريكيين، وهي منشغلة هذه الأيام بتدعيم جبهاتها العسكرية والداخلية، وبين هذين المشهدين يمكن قراءة من كسب الحرب بعد خمسة عشر شهراً.