بعد الميدان ولاحقاً المفاوضات في الكويت، يبدو أن الرياح الأمريكية والأممية لم تعد تجري بما تشتهيه السفن السعودية حيث تلقّت الأخيرة ضربتين موجعتين خلال يوم واحد، ضربات قد تتكرّر في الأيام القادمة لاسيّما في ظل تعنّت الرياض على الإستمرار في عدوانها على اليمن الذي بدأ في 26 مارس 2015.
الضربة الأولى جاءت من الأمم المتحدة ومكتب الأمين العام “بان كي مون” الذي وضع التحالف العربي على اللائحة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاعات والحروب، لتحلقها أمريكا بضربة آخرى إثر تأكيد منسق مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية “جاستين سايبيريل” أن (أنصار الله) ليسوا جماعة إرهابية، بل جهة في المشاورات السياسية الجارية في الكويت لوضع حد للحرب الدائرة في اليمن”.
رغم أن السعودية أبدت إمتعاضها وإستنكارها لهذين الموقفين، إلا أن الممتعض الأكبر هو الشعب اليمني الذي إنتظر أكثر من سنة ونيّف على هذا العدوان الدموي للحصول على هذه المواقف من قبل الأمم المتحدة وأمريكا، ولا ريب في أن صمود الشعب اليمني خلال أكثر من عام يقف بشكل مباشر خلف هذا التحوّل، فلولا سقوط اليمن لكان هؤلاء الأطفال الذي يدافع عنهم “بان كي مون” إرهابيين من الطراز الأول في قرارات الأمم المتحدة.
أخطأت السعودية في تقديرها حينما إعتبرت إمكانية إطالة الحرب إلى أجل غير مسمّى، خاصّة أن بحوث المنظمات الحقوقية “هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية”، و”الأمم المتحدة”، ومقابلات الشهود والضحايا وصور ومقاطع فيديو عديدة، أكدت أن التحالف العربي انتهك عدة بنود في مجال حقوق الإنسان واستهداف المدنيين والأطفال.
لن تتوقف تبعات هذه الخطوة عند هذا الحد، فإدراج السعودية في القائمة التي “تتورط في تجنيد واستغلال الأطفال والعنف الجنسي ضدهم، وقتلهم وتشويههم والهجمات على مدارس أو مستشفيات، ومهاجمة أو التهديد بمهاجمة الأفراد ذوي الحماية وخطف الأطفال”، تعني فتح باب المسائلة الأممية في وقت لاحق، وبالتالي وضع مستندات أممية في أيادي الشعب اليمني لمسائلة ومحاسبة النظام السعودي على كافّة الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين منذ 26 مارس 2015 وحتى الموعد الفعلي لإنهاء العدوان، لا الصوري.
في الواقع يكشف هذا التحوّل النوعي والمتأخر، على حد سواء، رؤية واضحة لإنهاء العدوان وإيجاد حل سياسي، إلا إذا تبيّن لاحقاً أن الموقف الأمريكي يسعى لإبتزاز السعودية في بعض الملفات، رغم أنه أمر مستبعد، فالمنظامات الإنسانية ضاقت ذرعاً بالجرائم السعودية.
اليوم بات السؤال أكثر من ملح عن الضربة الثالثة والثابتة، فهل ستلجئ أطراف أممية إلى مجلس الأمن لإستصدار قرار يفرض على السعودية وقف عدوانها بشكل كامل على اليمن؟ هل ستكون الإدانات المتتالية للمنظمات حقوق الإنسان ورقة ضغط على الرياض وحلفائها في اليمن خاصّة أن القوات السعودية متهمة بإرتكاب جرائم حرب بحق اليمنيين؟ وإذا أدخل أطفال اليمن السعودية في اللائحة السوداء، فهل ستدخل نساء اليمن النظام السعودي في مزبلة التاريخ؟ تساؤلات عدّة سنكون أمام أجوبتها، أو بعض منها في المستقبل القريب، إلا أنه من غير المستبعد أن تسعى السعودية لإمتصاص الغضب الأممي عبر هدنة شهر رمضان المبارك، التي لن تلبث أن تعود بعد عيد الفطر المبارك.
باتت السعودية بعد هاتين الضربتين الموجعتين في “خانة اليك”، لأن أي ضربة جديدة ستعمل على إنهاء العدوان، ما يفرض على الرياض تحمّل كافة تبعات الضربة القاضية. ومن هنا، ستحاول الرياض التي تدعم وفد الفار هادي الحدّ من تعنّتها، والسير بمشروع الحل السياسي الذي ينهي العدوان والأزمة في اليمن للخروج بأقل الخسائر الممكنة. حتى أن وفد هادي تلقّى، هو الآخر، ضربة أمريكية موجعة قبل فترة حين وضعت واشنطن مستشار هادي، محافظ محافظة البيضاء وزعيما قبليا، واللذين يقاتلان ضد “أنصار الله”، على قائمة الأشخاص الداعمين للإرهاب.
المشهد اليمني يسير نحو الحلحلة التي يرفضها وفد الرياض، رغم أن ملامح التسوية تبدو شبه واضحة، ففي حين تنسحب اللجان الشعبية من الشارع الذي دخلته بسبب مشروع التقسيم ومن ثم العدوان، وتسلّم أسلحتها الثقيلة للجنة عسكرية يشارك فيها ضباط يتبعون للأمم المتحدة، يعتبر الرئيس “هادي” متنهي الصلاحيات عبر تشكيل حكومة تمهّد لإنتخابات جديدة، وهذه الخطة التي لا يزال وفد هادي يرفضها. إن عدم إكتراث الرياض لهاتين الضربتين، يفرض على المجتمع الدولي توجيه ضربة ثالثة وثابتة تؤدي إلى وضع نهاية للحرب.