تجارة السلاح الأمريكية والمجمع الصناعي العسكري “MIC”: دولةٌ تُدير دولة.. تقرير
166
Share
يمانيون../
تعتمد أمريكا في سياستها على الترويج لنفسها، كمنادية للديمقراطية العالمية، وساعية للسلام والمحبة. فيما تُبرز الحقائق الموثقة، حجم الزيف في الإدعاءات الأمريكية. فلا الشعارات التي تحملها واشنطن، تتناسب مع تطبيقها العملي لسياستها. وهنا فإن للبعد الإقتصادي والمالي، علاقة مباشرة بكيفية حياكة واشنطن لسياساتها المستقبلية. فالأهداف الإقتصادية، هي المُنطلق لتحديد الأهداف السياسية، الى جانب تحديد العدو من الصديق. لذلك نجد أن هناك علاقة طردية بين المعيارين، حيث أن ارتفاح وتيرة تجارة السلاح، يرتبط بإرتفاع وتيرة الحروب في المنطقة والعالم. وهو الأمر الذي يمكن استخدامه في تأكيد علاقة واشنطن بصنع السياسات لمنطقتنا، والقائمة على تأجيج الحروب وإطالة أمدها. وهو ما نشهده اليوم في ظل الأزمات التي تعيشها المنطقة والعالم، لا سيما تفشي الإرهاب، ومحاربته. فكيف يمكن إثبات صدارة أمريكا ودورها في تجارة السلاح العالمية بناءاً للحقائق الموثَّقة؟ وما هو الدور الخفي للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي “MIC”؟
بالأرقام، كيف تتصدر أمريكا تجارة السلاح العالمية
عددٌ من التقارير العالمية، يمكن أن تُثبت وبالحقائق، حجم التجارة الأمريكية في مجال الخدمات العسكرية، ودورها في تصدير السلاح لا سيما لمنطقة الشرق الأوسط. وهنا سنذكر معلوماتٍ، تعود لكلٍ من معهد ستوكهولم الدولي للسلام، والذي تأسس في السويد عام 1966، في مهمةٍ تهدف لأرشفة ومتابعة ما يخص الإنفاق العسكري والصراعات حول العالم. الى جانب تقريرٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
أولاً: أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، ، في آخر إحصاء له يعود لعام 2014، حول مبيعات السلاح والتجارة العسكرية، بأن أكبر مئة مجموعة لتصنيع السلاح في العالم، مبيعاتها ما يقارب 401 مليار دولار عام 2014. فيما هيمنت شركات الدفاع في أمريكا وغرب أوروبا، على مبيعات الأسلحة في العالم. وهنا نُشير لبعض ما جاء في التقرير:
– إن 64 شركة من بين المئة شركة الأولى في تجارة السلاح وتقديم الخدمات المالية، هي أمريكية وأوروبية، فيما يبلغ نصيبها من مبيعات السلاح العالمي، ما نسبته 80% من السوق العالمية.
– إن أكبر عشر شركات لإنتاج الأسلحة جميعها مقرها في أمريكا أو أوروبا الغربية، حصلت على عقود نصف مبيعات الأسلحة العالمية عام 2014.
– حافظت شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية على مركز الصدارة العالمي. يليها شركة “بوينغ” الأميركية المنافسة لها، ثم “بي أي إي سيستمز” البريطانية.
– المركز الأول بقي من نصيب أمریکا التي رفعت من حجم مبيعاتها من الأسلحة في الفترة بين 2010 – 2014، بنسبة 23%.
– سيطرت أمريكا على 31% من مبيعات الأسلحة عالمياً، حيث باعت أسلحتها لنحو 94 دولة، وبلغت حصة دول الشرق الأوسط من هذه المبيعات 32%.
ثانياً: ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير نشرته خلال شهر نيسان من العام الفائت، أنه بسبب انزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة الحروب بالوكالة، وارتفاع وتيرة المواجهات الطائفية، وسعي الأنظمة لمحاربة الإرهاب، فإن عدداً من الدول في المنطقة، بدأت تطلب المزيد من الأسلحة الأمريكية. وهو الأمر الذي يعني توقع انتعاش تجارة السلاح الأمريكية. فيما أكدت الصحيفة نقلاً عن مصادر في الصناعة العسكرية الأمريكية في الكونغرس، بأنهم ينتظرون الحصول على طلبات من الدول العربية الحليفة لأمريكا، بهدف شراء آلاف الصواريخ ذات الصناعة الأمريكية، الى جانب القنابل والأسلحة أخرى. وذلك لتجديد إحتياطي السلاح، الذي بدأ يُستهلك بشكل كبير في العمليات الحاصلة لمكافحة الإرهاب لا سيما الحرب على تنظيم داعش. وهذه الدول بحسب الصحيفة هي: السعودية، مصر، الإمارات، البحرين، قطر والأردن.
فيما أشار التقرير الى أن تقديرات وكالات الإستخبارات الأمريكية، أفادت بأن الحروب في الشرق الأوسط قد تستمر لعدة سنوات أخرى، الأمر الذي سيزيد حاجة هذه الدول، وبالتالي رفع طلبها، من شراء الطائرات الأمريكية المقاتلة. وهنا أشار التقرير الى أن طائرة “أف 35″، وهي الطائرة الأغلى في العالم، لم تكن طُرحت حينها للبيع لحلفاء أمريكا من الدول العربية، بهدف الحفاظ على التفوق العسكري للكيان الإسرائيلي. لكن تغير الأمور في ميزان القوى في المنطقة مستقبلاً، قد يُغيِّر هذه المسألة، الأمر الذي يعني إمكانية طرح بيعها.
المجمع الصناعي العسكري الأمريكي والدور الخفي
يُعتبر المجمع الصناعي العسكري الأمريكي والمعروف بـ (MIC)، أي “Military Industrial Complex”، وبحسب مقالٍ للكاتب “John W. Whitehead”، نشرته منظمة “الحرية المستقبلية”، فإن هذه المجمع هو دولة داخل أمریکا، واكتسب شهرة عالية في عهد الرئيس الأمريكي أيزنهاور، خلال خمسينيات القرن الماضي. خصوصاً عندما خرجت أصوات من الشعب الأمريكي تُحذِّر من إنشائه وتعتبره خطراً على أمريكا. فيما يُشير الكاتب الى أنه يُشكل الخطر الأكبر على العالم، ويعتبره السبب الأساسي في إشعال الحروب والترويج لتجارة السلاح. كما وصف الكاتب هذا المجمع بأنه عدوٌ داخلي لأمريكا، حيث أن الشراكة التي يتبناها المجمع والتي تضم الكونغرس الأمريكي ووزارة الدفاع بالإضافة الى شركات السلاح العالمية، هي شراكةٌ تجعل أمريكا هشة من الداخل، مما يُمثِّل أكبر تهديدٍ لها كدولة.
وهنا يؤكد الكاتب على أن المجمع هو الخلفية التخطيطية لسياسات واشنطن العسكرية. حيث أن أمريكا أنفقت ما يقارب 4 مليون دولار يومياً، لتأجيج القتال المحلي في ليبيا. الى جانب إنفاقها خمسة تريليونات على غزو العراق وأفغانستان. كله تحت إشرافٍ رسمي، وبحسب سياسات هذا المجمع.
إذن، في كل مرةٍ تنكشف حقائق جديدة، تعود لفترةٍ من الزمن، لكنها لا تبتعد في جوهرها عن الواقع الحالي. فبعد أن كانت أفغانستان مسرحاً لعمليات أمريكا في المنطقة، يشهد العراق وسوريا اليوم سيناريو مشابه، حيث أصبحت هذه الدول مسرحاً لتجارة السلاح الأمريكي. فيما تُشارك الدول الأوروبية والخليجية في المشروع، وكل ذلك على حساب شعوب المنطقة والعالم.
لكن الواقع الحالي، لا سيما واقع الحروب، جعل الشعوب تنتبه لحقيقة المشروع الأمريكي. إذ أن غرق واشنطن في براغماتيتها، جعلها طرفاً مُخادعاً مكشوفاً، وبعيداً عن ثقة الدول. كل ذلك، يجري على حساب دماء الأمم، والتي أصبحت وقود تجارة السلاح الأمريكي. فيما يمكن القول بأن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي “MIC”، هو عبارةٌ عن دولةٌ تُدير دولة.