دور شبكات التواصل الإجتماعي في صناعة الأحداث بالشرق الأوسط
يمانيون../
بعد التطور التقني الهائل الذي حصل في مجال الإتصالات وتبادل المعلومات، حظيت شبكات التواصل الإجتماعي بأهمية خاصة في تشكيل العلاقات الإجتماعية وصياغة الأحداث في شتى المجالات على مستوى المنطقة والعالم.
واتاحت هذه التقنية المجال أمام مختلف الفئات والشرائح الإجتماعية للتواصل عبر شبكة الإنترنت وتخطي الحواجز الجغرافية والثقافية واللغوية وبناء جسور مجازية قادرة على إلغاء المسافات وإختزال الزمن إلى حد كبير وبأقل التكاليف.
وخلال السنوات الأخيرة شهد العالم تقدماً لافتاً وغير مسبوق في مجال الإستفادة من مواقع التواصل الإجتماعي والتي مهدت السبيل لإنشاء غرف مجازية يمكن من خلالها تبادل الأفكار والرسائل النصيّة والصور والأفلام مع الآخرين والتحدث إليهم والإستماع إلى أصواتهم دون أيّ عائق وفي زمن قياسي وغير محسوس بفضل التطور الواسع الذي بلغه عالم الإتصالات على شبكة الإنترنت.
وفي هذا الصدد يُنبئ عالم الإتصالات البروفيسور “مانويل كاستليس” عن إمكانية ظهور ما أسماه “المجتمع الشبكي” في إشارة إلى نظام تبادل المعلومات الإلكترونية الذي يمثل العصب الرئيس في تأمين الإتصالات عبر الشبكة العنكبوتية “الإنترنت” بين مختلف الفئات والشرائح الإجتماعية.
وعندما إندلعت الثورات الشعبية في عدد من الدول العربية عام 2011 والتي عرفت بـ “الربيع العربي” لعبت شبكات التواصل الإجتماعي دوراً مهماً في إنضاج هذه الثورات التي إنعكس تأثيرها على مجمل التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط فيما بعد، إلى درجة جعلت الكثير من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية تشير إلى هذه الشبكات بإعتبارها مصادر خبرية خصوصاً فيما يتعلق بالإنتقادات وحالات عدم الرضا والإرتياح التي تتناقلها هذه الشبكات بشكل يومي وعلى مدار الساعة في تغطية الأحداث الكارثية والمأساوية التي تشهدها العديد من دول المنطقة والتي يصعب الحصول على معلومات تفصيلية بشأنها في كثير من الأحيان.
ولعل أفضل مثال على هذه الحالة ما قام به الصحفي الأمريكي “أندي کاروین” خلال نقله لأحداث الربيع العربي عبر موقع تویتر (Twitter) الذي كان يعد في حينها أحد أشهر شبكات ووسائل التواصل الإجتماعي.
وبالتأكيد فإن هذا النوع من أنواع نقل الأخبار ليس مثالياً ولا يخلو من نقص أو خلل أو مخاطر لكنه يمثل في الوقت نفسه وسيلة مهمة وحديثة وسريعة لمتابعة الأخبار خصوصاً الطارئة والفورية.
أمّا موقع “فيسبوك” وهو الأكثر شعبية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيستخدمه نحو 80 مليون شخص لغرض التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنت، بينهم حوالي 27 مليون شخص في مصر وحدها، وهو العدد الأكثر إستخداماً لهذا الموقع في عموم المنطقة، تأتي بعدها السعودية(12 مليون مستخدم) والعراق (11 مليون).
ووفق تقارير جامعة “نورث وسترن” يعتبر لبنان وقطر والسعودية والإمارات من أكثر دول المنطقة إستخداماً لتطبيق واتسآب (WhatsApp) للتواصل الإجتماعي.
وفي الواقع يمكن القول بأن مجاميع الـ “واتسآب” قد تحولت في هذه البلدان إلى خلايا نشطة لتداول الأخبار ومناقشة قضايا مختلفة تتعلق بالدين أو الشؤون الإقتصادية والمجالات الأخرى. وهكذا الحال مع موقع الـ “إنستغرام” الذي يستفيد منه أكثر من 400 مليون مستخدم في مختلف أنحاء العالم بينهم 25 مليون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي الإشارة اليها في هذا المجال والتي يجب أخذها بنظر الإعتبار هي السرعة المتزايدة في الإستفادة من نشر أشرطة الفيديو من قبل المستخدمين لشبكات التواصل الإجتماعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاً التي تعمل ضمن نطاق موقع الـ “الفيس بوك” الشهير.
وتبلغ نسبة المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي لاسيّما الـ “الفيس بوك” في عموم الشرق الأوسط حوالي ضعف المتوسط العالمي. وتثير هذه المسألة في الوقت الحاضر قلقاً كبيراً لدى معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة. وبلغ هذا القلق حدّاً اضطرت معه العديد من الدول بينها تركيا إلى غلق الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي، فيما فرضت دول أخرى بينها السعودية عقوبات صارمة في هذا المجال تصل إلى حد السجن، والتي طالت الكثير من المدونين والمغردين في هذا البلد حتى الآن.
ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي على النحو التالي:
الأول: الطبقات الشعبية المهمشة التي تستخدم هذه الشبكات كأداة للتعبير عن الرأيّ دون مساءلة قانونية. الثاني: النخب سواء من المنتمين للأحزاب السياسية أو لمنظمات المجتمع المدني، أو حتى من الشخصيات المستقلة، وهي الفئات التي تمتلك مستوى تعليمياً ومكانة إجتماعية متميزة تجعل من تعاملها مع أدوات التواصل الإجتماعي أكثر تطوراً وإنسجاماً مع مجتمعاتهم التي ينتمون إليها. الثالث: فئة الشباب المهمشين من خريجي الجامعات والتي عرفت نمطين من التهميش، سواء تهميش السلطة، أو المجتمع المدني، حيث حرمت من المكانة الإجتماعية المرموقة، سواء داخل المجتمع أو داخل المجتمع المدني. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الأهمية التي تعلقها الحكومات على هذه الفئة، فإن هذا القطاع لا يشارك عادةً في صنع القرار.
وفي إطار تشكيل الوعي توجد العديد من الدراسات التي تناولت الدور التربوي لمواقع التواصل الإجتماعي، حيث تُعد أداة مهمة من أدوات التغيير الإجتماعي والسياسي والدعوة إلى حضور الندوات أو المشاركة في التظاهر والاحتجاجات وغير ذلك.
وبشكل عام أدى الإستخدام الواسع لشبكات التواصل الإجتماعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تقليص قدرة حكومات معظم دول المنطقة على السيطرة على هذه الشبكات من جهة، وساهم بتعزيز التدفق الحر للأخبار والمعلومات في شتى المجالات من جهة أخرى.
كما ساهم الإستخدام المتسارع للهواتف الذكية في مضاعفة تأثير شبكات التواصل الإجتماعي على مجمل التطورات في المنطقة. ويتوقع الخبراء أن يزداد هذا التأثير بشقّيه الإيجابي والسلبي خلال السنوات القليلة القادمة.