التصعيد الأخير لتحالف العدوان قابله تصعيد للقوى الوطنية والجيش واللجان الشعبية ، عبارة تلخّص واقع الحقبة القائمة بعدما كثّف طيران العدوان غاراته على مختلف المحافظات، إلا أن الردّ لم يقتصر على الميدان العسكري، بل للسياسة حصّتها الإستراتيجية في المعادلات الجديدة.
بعد فشل المفاوضات، وتشكيل المجلس السياسي من قبل “أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام”، رفّع العدوان السعودي من وتيرة إستهدافه لمختلف المحافظات ، لتردّ عليه قوات الجيش واللجان الشعبية في الميدان، ولكن هذه المرّة في جبهة ما وراء الحدود بعد أن بات الوضع في محيط صنعاء تحت السيطرّة شبه التامّة، الأمر الذي غيّب المعركة التي طبّل لها الإعلام السعودي وزمّر كثيرا.
ويبدو أن رفع السقف السعودي لم يجد نفعاً، كحال الأشهر السبعة عشر الماضية، فقد وصلت قوات الجيش واللجان الشعبية إلى مدينة نجران التي أغرقتها الصواريخ اليمنية في الظلام بعد إستهداف محطّة الكهرباء التي تغذّي المدينة.
المواقع العسكرية السعودية المطلة على مدينة نجران سقطت بالأمس الواحدة تلو الاخرى، لتسقط معها مشاريع موازية كان هدفها قلب العاصمة صنعاء بغية إيجاد واقع ميداني جديد يفرض على الجيش واللجان الشعبية الرضوخ للشروط السعودية التي حاولت الرياض فرضها عبر وفدها على طاولة قصر البيان الأميري التي سقطت بالتقادم.
تهاوي الخطوط الدفاعيّة السعودية، زاد من رجحان كفّة الجانب الوطني الذي وضع السعودية في عنق الزجاجه، وأدخلها في نفق الصراع مع القبائل التي تعيش في منطقة جازان، جنوب غرب المملكة. الداخلية السعودية التي أصدرت قراراً سابقاً بتنفيذ عملية إخلاء لمناطق واسعة وجه بالرفض من قبائل آل زيدان وقبائل آل مالك التي تقطن أقصى شرق جبال جيزان، باتت اليوم أمام خيار مماثل لمدينة نجران التي يقطنها أكثر من 320 ألف نسمة.
البرلمان وما بعده
لم تقتصر عملية الردّ بالمثل على الشقّ العسكري، بل رفع السقف السياسي أمام طيران العدوان حيث إنعقدت جلستين للبرلمان ، برئاسة رئيس المجلسحيى علي الراعي، وبمشاركة نواباً من مختلف الكتل البرلمانية. مجلس النواب اليمني وبعد اكتمال نصاب الجلسة وبألاكثرية المطلقة، صوّت لصالح اتفاق تشكيل المجلس السياسي الأعلى،وأدى رئيس وأعضاء المجلس السياسي الاعلى اليمين الدستورية أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى لتسقط كافّة المراهنات على الشرعية المزعومة من هادي انها شرعية الشعب والوطن وأن لاشرعية له نهائياً.
التصعيد التدريجي أبقى في جعبة أبناء شعبنا وقواه الوطنية الكثير من الأوراق التي يمكن إستخدامها في المرحلة اللاحقة، والتي يمكن أن تنقل ساحة المواجهة السياسيّة، كما الميدانية، إلى ما وراء الحدود سواء الأمم المتحدة أو الجامعة العربية.
التصعيد جاء ردّاً على التصعيد السعودي، أثار حفيظة الفار هادي الذي وجّه رسالة إلى رئيس وهيئة مجلس النواب، إعتبر فيها أن اجتماع البرلمان يعد “انتهاكا للدستور وجريمة توجب العقاب”، مشيرا إلى أن “من يشارك فيها يعرض نفسه للمسؤولية”.
هادي الذي أيتى بالعدوان على شعبه، والذي راح ضحيّته عشرات الألاف من الشهداء والجرحى، زعم أن النصوص الواردة في المبادرة الخليجية الغت أو عطلت كليا نصوص الدستور اليمني النافذ ذات الصلة بآليات الحكم وانتخاب واقالة رئيس الجمهورية وذلك خشية إقالته في الجلسة البرلمانية.
في الخلاصة، يبدو أن المشهد يسير لصالح القوى الوطنية التي باتت تمتلك القرار عسكرياً وسياسياً. عسكرياً، مدينة نجران تحت مرمى نيران قوات الجيش واللجان الشعبية، وربّما نكون أمام مشهد مماثل في عسير وجازان، لاسيّما أن القبائل الحدودية تربطها علاقات متوتّرة مع الجانب السعودي الذي يسعى لتجويعها اليوم بغية ترك تلك المناطق. سياسيّاً، بإمكان مجلس النواب إعلان فراغ منصب رئاسة الجمهورية وسلب “الشرعية” الممنوحة للفار هادي من قبل السعودية، فضلاً عن إلغاء المبادرة الخليجية.
قد لا تقتصر الأمور على ذلك، فورقة الحكومة الوطنية التي تكلّف من قبل المجلس السياسي وتحصل على ثقة البرلمان، مرحلة جديدة في التصعيد اليمني ضمن استراتيجية “الصبر الإستراتيجي”.