الاتفاق السياسي نزل كالصاعقة على الأمريكي!
بقلم/ صارم الدين مفضل
عام ونصف من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، لم يتحقق على أرض الواقع أي هدف من أهدافه، فعبدربه هادي لايزال في الرياض ولم يعد للعاصمة صنعاء كرئيس شرعي، لا بل ولم يستطع تحمل البقاء في عدن بعد انسحاب الجيش واللجان الشعبية منها، برغم تواجد قوات أمريكية وسعودية واماراتية وميليشيا مسلحة تعلن ولاءها له!
كما لم يتم تدمير القدرات الصاروخية للجيش اليمني، واتضح أن الناطق الرسمي باسم تحالف العدوان ظل يكذب على الرأي العام منذ الأسبوع الأول له، عندما جزم بتدمير نسبة كبيرة من الصواريخ الباليستية التابعة للجيش اليمني، مع أنها ظلت تتساقط على القواعد العسكرية في العمق السعودي حتى اليوم موقعة خسائر كبيرة في الجنود والآليات والمدرعات الأمريكية.
في المقابل تعززت الجبهة الداخلية في اليمن ولقيت قيادة الشعب اليمني ممثلة بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وقادة الأحزاب السياسية المناوئة للعدوان وفي مقدمتها حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، لقيت التفافاً شعبياً كبيراً، واستطاع اليمنيون الثبات والصمود في وجه تحالف العدوان وحققوا انتصارات ميدانية نوعية في جميع جبهات القتال، حتى أنهم أجبروا مرتزقة بلاك ووتر والجنود الاماراتيين على الانسحاب من باب المندب ومن مأرب والبيضاء وغيرها تحت تأثير الخسائر الفادحة التي تلقوها في الأفراد والعتاد.
مؤخراً استطاع اليمنيون فرض معادلة سياسية جديدة، نزلت من حيث توقيتها وبنودها كالصاعقة على تحالف العدوان، فبعد أن راوغ وفد الرياض في مفاوضات الكويت بتوجيه مباشر من البيت الأبيض رافضاً التوصل إلى حل شامل ينهي الحصار والعدوان، لجأت الأطراف الوطنية المشاركة في التفاوض للرد بطريقة مدروسة وذكية لم يكن أحد يتوقعها في هذا الوقت المفاجئ وبهذا الشكل المدروس بعناية فائقة صدمت حتى الإدارة الأمريكية في واشنطن وليس فقط قيادة عمليات العدوان في الرياض والتي يشارك فيها ضباط ومستشارون امريكيون!
الاتفاق السياسي بين أنصارالله وحلفائهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه لم يأتِ في سياق الرد على إفشال مفاوضات الكويت فحسب، بل وكضرورة شعبية ووطنية ملحة ظلت عالقة طوال أكثر من عامين، ورأت المكونات الوطنية أن تفويتها اليوم يمكن أن يمثل خسارة كبيرة على اليمن واليمنيين في ظل الأعمال العدوانية المتصاعدة من جانب قوات التحالف.
وعلى عكس الإعلان الدستوري الذي خلى من خطوات تنفيذية على الأرض، عدى ما يحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار، جاء الاتفاق الوطني ليتبعه خطوات تنفيذية حازمة وقوية، مثلت كل خطوة منها صدمة قوية بحد ذاتها لتحالف العدوان، سببت له إرباكاً وتخبطاً حاداً في اتخاذ القرار المناسب حياله، مما حدى به لاتخاذ قرار بعرقلة ومنع الوفد الوطني المفاوض في الكويت من العودة إلى صنعاء، وقصف عدد من المناطق السكنية ومراكز التعليم ومستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود، بشكل مباشر ومتعمد، راح ضحيته العشرات من الاطفال والنساء ما بين شهيد وجريح.
عقب التوقيع على الاتفاق السياسي انعقد مجلس النواب اليمني لأول مرة بعد حوالي عامين من التوقف، وبحضور أغلبية أعضاء المجلس تم تأييد الاتفاق الوطني ومنح البرلمان ثقته للمجلس السياسي الأعلى في إدارة البلاد كاعلى سلطة تنفيذية، وفي اليوم التالي حضر رئيس وأعضاء المجلس السياسي الأعلى لتأدية اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان، ليمارس صلاحياته الدستورية منذ تلك اللحظة ويصدر تباعاً عدداً من القرارات والتوجيهات التي أعلن عنها بوسائل الإعلام الرسمية في حينه.
اليوم يكتمل المشهد وضوحاً ويزداد الموقف قوة وزخماً من خلال المسيرة المليونية الكبرى التي خرجت صباح اليوم السبت 20 أغسطس 2016م بميدان السبعين في العاصمة صنعاء، في أكبر حشد شعبي وجماهيري في تاريخ اليمن المعاصر، سرعان ما تحول إلى احتفال وعرس شعبي كبير ابتهاجاً وفرحاً ومباركة وتأييدا للمجلس السياسي الأعلى.
رئيس المجلس السياسي الأعلى -رئيس الجمهورية- الأستاذ صالح الصماد استطاع مخاطبة الجماهير المليونية التي تفاعلت معه بالتصفيق والهتاف وكان لكلمته تأثيراً بالغاً في إيصال رسائل قوية لأبناء الشعب اليمني من جهة، ولتحالف العدوان والأمم المتحدة بمبعوثها ولد الشيخ من جهة أخرى، فمن الانفتاح على العالم عدى اسرائيل والاعلان عن تشكيل حكومة وطنية خلال الايام القليلة القادمة الى توجيه الوفد الوطني بعدم الجلوس مع مبعوث الامم المتحدة قبل العودة الى اليمن للتشاور مع المجلس الاعلى فيما يبدو انه تعطيل لذرائع العدوان… الخ.
من جانب آخر جاءت المواقف الأمريكية مرتبكة خصوصاً التي تلت الإعلان عن الاتفاق السياسي وما لحقه من إجراءات، حيث كان متحدث البيت الأبيض قد صرّح قبيل انتهاء مفاوضات الكويت بساعات أن الحل السياسي في اليمن لايزال بعيد المنال، وبعد الاعلان عن توقيع الاتفاق الوطني صرّح بأن الاتفاق سيعرقل التوصل لحل سياسي..! وتم بعد ذلك مباشرة الإعلان عن تمديد مفاوضات الكويت لمدة أسبوعين، ولكنها لم تسهم في حلحلة الأمور بقدر ما أكدت أن استمرار العدوان لفترة أطول يمثل رغبة أمريكية، حتى لو كان بالامكان التوصل لاتفاق أو حل بين المتفاوضين في الكويت، وهذا هو حقيقة ما ظل البيت الأبيض يعمل على عرقلته حتى لا يفقد العدوان مبررات استمراره!
مع ذلك إذا كان الأمريكي قد تعود في تاريخه الاستعماري السابق على تلقي تبعات الفشل والهزيمة عسكرياً، إلا أنه لم يتعود بعد على تحمل الصفعات المتتالية سياسياً، فما حصل خلال أقل من عشرة أيام في اليمن كان كافياً ليربك الإدارة الأمريكية ويدفعها للبدء باستخدام طرق “ناعمة” للانسحاب من تحالف العدوان على اليمن، ففي الوقت الذي لم تخفِ رغبتها بوقف الحرب في الحدود بين اليمن والسعودية، بسبب ما تتكبده الأخيرة من خسائر فادحة، تعلن سحب مستشاريها العسكريين من الرياض ويعترف المتحدث باسم البنتاغون بأن المملكة السعودية ارتكبت مجازر بحق المدنيين، وحمّلها المسئولية عنها من حيث أراد التهرب منها..!