العدوان على اليمن: رحلةُ واشنطن ولندن في قتل اليمنيين لا توقفها أصواتُ المنظمات
يمانيون ../
تُبدِي الدولُ الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، اهتماماً كبيراً بعمل المنظمات الدولية، وعادة ما تصدُرُ عن تلك الدول مواقفُ غاضبة إزاء عرقلة عمل بعض المنظمات في بعض دول العالم الثالث، غير أن الغرب وواشنطن أولاً يظهرون سلوكاً مختلفاً تجاه مواقف ومطالبات المنظمات الحقوقية الدولية بشأن الأزمة الإنْسَانية في الـيَـمَـن ووقوع المدنيين تحت القصف، فعلى الرغم من ارتفاع حدة الأصوات الحقوقية إزاء ما يتعرض له الـيَـمَـنيون، غير أنها لا تلقى الاستجابة المطلوبة من الدول الغربية التي تنحاز للمال السعودي وإلى مصالحها الرئيسية من وراء العُدْوَان على الـيَـمَـن، وإذا حصلت استجابة ما فإنه يتم توظيفها لابتزاز الحليف السعودي أَوْ للتنصل من المسؤولية القانونية عن الجرائم التي تُرتكب بحق أَطْفَال ونساء الـيَـمَـن.
وتعد مشكلة تزويد السعودية بالأسلحة أهمَّ استدلالات المنظمات الحقوقية على تورط الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الجرائم الجماعية بحق المدنيين الـيَـمَـنيين، وتتعامل تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة مع تلك الاتهامات والأصوات المتعالية بشيء من التحايل، خُصُوْصاً فيما يتعلق بالأمريكيين، الذين يدفعون ببعض المسؤولين لانتقاد بلادهم ومطالبتها بوقف دعم السعوديين بالأسلحة بما يظهر تبايناً أَوْ وجود خلاف في الإدارة الأمريكية على تسليح السعودية، غير أنه وفي نهاية المطاف لم تتوقف صفقات الأسلحة.
وضمن عمليات التحايل التي تمارسها الولايات المتحدة الرامية للتنصل من المسؤولية تجاه المدنيين في الـيَـمَـن وفي ذات الوقت توريط السعودية وتركها في مواجهة الأصوات الحقوقية، حيث أعلنت الولايات المتحدة سحب معظم مستشاريها من غرف عمليات العُدْوَان، غير أنها لم تسحب الكل، ولا يوجد ما يثبت أصلاً أنها بالفعل قد قامت بسحب عدد المستشارين، وأَكْثَـر ما يمكن استخلاصه من ذلك الإعْلَان أَوْ إقرار واشنطن بضلوعها في الجرائم ضد الـيَـمَـنيين، فسحب المستشارين لا يعني إنهاء مسؤوليتهم عن الجرائم التي حدثت أثناء تواجدهم والتي ستحدث أثناء تواجد من تبقى منهم في غرف عمليات العُدْوَان السعودي الأمريكي.
- أصواتٌ حقوقية بالجملة: تورط أمريكي بريطاني في قتل الـيَـمَـنيين
منذ تصعيد استهداف المدنيين من قبل العُدْوَان مع انتهاء مفاوضات الكويت، صدرت بيانات ومواقف من معظم المنظمات الحقوقية والإنْسَانية التي تندد بالجرائم وتؤكد حصولها على أدلة تثبت إدانة العُدْوَان بتعمد قتل المدنيين، بل إن المنظمات الإنْسَانية حصلت على قسط من إجْرَام العُدْوَان، كما حدث لمنظمة أطباء بلا حدود التي جاء استهداف مستشفى تديره في محافظة حجة بعد ساعات من التحريض ضدها عبر ناطق العُدْوَان ليتم إجبارها على سحب طواقمها من المستشفيات وسط صمت دولي يناقض المواقف الدولية تجاه منع بعض المنظمات من العمل في بعض الدول التي اعترضت على أجندة بعض تلك المنظمات.
- منظمة مراقبة الأسلحة: نفاق أمريكي بريطاني في الـيَـمَـن
ومن أحدث مواقف المنظمات التي تطالب الدول الغربية بوقف تسليح السعودية تأتي منظمة “مراقبة الأسلحة” أَوْ ما يعرف بـ “كنترول آرمز” التي اتهمت واشنطن ولندن بالنفاق، معتبرة أن استمرار تسليح السعودية بوجود أدلة أن تلك الأسلحة تستهدف المدنيين في الـيَـمَـن يعد مخالفة صريحة لمعاهدة تجارة الأسلحة.
ففي مؤتمر حول “معاهدة تجارة الأسلحة” في جنيف طالبت المنظمة في بيان كلا من الولايات المتحدة وفرنسا والدول الأُخْـرَى بالالتزام بمعاهدة تجارة الأسلحة التي تمنع تزويد أية دولة بها إذا كانت ستستخدم ضد المدنيين وهو ما ترى المنظمة أن يحدث للمدنيين في الـيَـمَـن.
ونقلت قناة الحرة الأمريكية عن مديرة المنظمة أنا ماكدونالد قولها إن الدول الكبرى “تمارس أسوأ أشكال النفاق” باستمرارها في بيع الأسلحة للسعودية، مضيفة أن “معاهدة تجارة الأسلحة سارية منذ عامين ونصف لكن بعض الدول الأطراف فيها يقومون بانتهاكها من دون محاسبة”.
أوكسفام: الأسلحة البريطانية والدعم العسكري يؤججان حرباً وحشية في الـيَـمَـن
ضمن المؤتمر الثاني للدول الموقعة على معاهدة الأسلحة الذي تستضيفه جنيف تقود منظمة اوكسفام الدولية، ومنظمات أُخْـرَى بينها منظمة مراقبة الأسلحة، نشاطاً كبيراً لتعرية الدورين الأمريكي والبريطاني في قتل الـيَـمَـنيين ومخالفتهما لكل المعاهدات والقوانين.
واعتبرت منظمة أوكسفام أن مصداقية بريطانية على المحك؛ بسبب استمرارها في تزويد السعودية بالأسلحة وتقديم الدعم العسكري في عملياتها ضد الـيَـمَـن.
ورأت المنظمة أن بريطانيا التي كانت من أكبر المتحمسين لمعاهدة تجارة الأسلحة الدولية أصبحت اليوم من أكبر المنتهكين للمعاهدة وخُصُوْصاً فيما يخص تسليح السعودية التي تستخدم الأسلحة البريطانية في قتل الأبرياء في الـيَـمَـن.
ووصف المنظمة الحكومة البريطانية بأنها “في حالة إنكار وتشوش” حول مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية. وبحسب خبر نشرته جريدة الأخبار اتهمت نائبة الرئيس التنفيذي لـ”أوكسفام”، بيني لوراسن، خلال المؤتمر بأن الأسلحة البريطانية والدعم العسكري “يؤجّجان حرباً وحشية” في الـيَـمَـن ويضران بنفس الناس الذين يفترض أن معاهدة تجارة الأسلحة تحميهم. وأضافت أن الحكومة “ضللت برلمانها” حول مراقبته مبيعات الأسلحة، وأن مصداقيتها الدولية “في خطر”، إذ أنه تلتزم بالعمل على الورق “لكنها تفعل النقيض في الواقع”.
أما منظمات هيومن رايتس والعفو الدولية وأطباء بلا حدود فلا يمكن إحصاء عدد التقارير الميدانية والمواقف والبراهين والأدلة التي صدرت عن تلك المنظمات منذ بداية العُدْوَان إلى اليوم وكانت في جميعها تؤكد إدانة العُدْوَان بقتل الـيَـمَـنيين بشكل متعمد وتورط الولايات المتحدة وبريطانيا في تلك الجرائم سواء بتزويد السعودية بالأسلحة والمحرمة منها أَوْ بما تقدمه تلك الدول من دعم عسكري مباشر لتحالف العُدْوَان.
- لعبة واشنطن: مواقفُ كبيرة ضد السعودية ووقوف مستمر مع العُدْوَان
ظهرت خلال الأسبوع الجاري عدة مواقف أمريكية يتضح من خلالها أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق عدة أَهْدَاف ليس من بينها إنهاء الجرائم ضد المدنيين في الـيَـمَـن أَوْ وقف تزويد السعودية بالأسلحة.
أولُ تلك المواقف إعْلَان الولايات المتحدة سحْبَ مستشارين عسكريين شاركوا في تنسيق الغارات على الـيَـمَـن سواء من المتواجدين في الرياض أَوْ مواقعَ أُخْـرَى.
وبحسب وكالة رويترز قال اللفتنانت ايان ماكونهي المتحدث باسم سلاح البحرية الأمريكية في البحرين لرويترز إن أقل من خمسة عسكريين أمريكيين يعملون حالياً كامل الوقت في “خلية التخطيط المشترك” التي أنشئت العام الماضي لتنسيق الدعم الأمريكي بما في ذلك إعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود لمعلومات المخابرات.
أما الموقف الثاني فجاء ساعات من إعْلَان سحب القوات من الرياض وهذه المرة عبر وزارة الدفاع (البنتاغون) التي قالت إن دعمها للسعودية في الـيَـمَـن ليس شيكاً على بياض.
وبرغم أنه لم يدخل سحب القوات الأمريكية حيز التأثير على العمليات العسكرية السعودية ضد الـيَـمَـن إلا أن البنتاغون وبعد ساعات استثمر قرار سحب المشاركين من قوات واشنطن في عاصفة الحزم وقال إن الدعم الأمريكي للسعودية أصبح متواضعاً.
وزارة الدفاع الأمريكية أصدرت بيانا نشرته شبكة CNN الأمريكية يقول إن الدعم الأمريكي للمملكة العربية السعودية في حرب الـيَـمَـن أصبح متواضعاً بعد تصاعد القتال مجدداً في الفترة الأخيرة.
وقال المتحدث باسم البنتاغون آدم ستامب، في بيان، إن “فريق خلية التخطيط المشترك الذي كان في السعودية انتقل إلى البحرين من أجل استفادة أفضل”، وأضاف: قائلاً: “مساعدتنا للسعوديين فيما يتعلق بوحدة أراضيهم لا يعني أننا سنحجم عن إبداء قلقنا بشأن الحرب في الـيَـمَـن وكيفية شنها”، وتابع: “خلال مناقشاتنا مع التحالف الذي تقوده السعودية أكدنا على ضرورة تقليل عدد الضحايا المدنيين”.
ثالثُ الموقف الأمريكية جاء عندما استغلت وزارة الخارجية الأمريكية اتهامات السيناتور كريس مورفي لواشنطن بالمسؤولية عن مقتل كُلّ مدني في الـيَـمَـن لتزويدها السعودية بالأسلحة، ورد نائب وزير الخارجية جون كيربي مدافعا عن بلاده وحمل السعودية ضمنيا المسؤولية.
السيناتورُ الأمريكي كريس مورفي قال في مقابلة تلفزيونية على شبكة الـ CNN الأمريكية إن هناك بصمة لبلاده في كُلّ حياة يفقدها المدنيين في الـيَـمَـن جراء الحرب.
وبرر مورفي اتهامه لبلاده بالقول إنه “ورغم أن السعودية هي من تلقي القنابل من طائراتها فهم لا يستطيعون القيام بذلك دون الولايات المتحدة الأمريكية، فهي ذخيرتنا وبيعت للسعوديين وتقوم طائراتنا بتزويد المقاتلات السعودية وبالوقود جوا، إلى جانب أن استخباراتنا تقوم بمساعدة المملكة وتقديم خارطة للأَهْدَاف.”
من جانبه تظاهر نائب وزير الخارجية جون كيبربي بالدفاع عن السعودية إلا أنه دفاعه حملها ضمنياً المسؤولية وبرأ بلاده من ذلك عندما قال “لقد أطلعنا السعودية على الأمور التي تثير قلقنا وفي العديد من المرات حول ضحايا مدنيين في الـيَـمَـن ونلاحظ أنهم (السعوديون) قاموا بإجراء تحقيق في سقوط ضحايا من المدنيين وهم مستمرون بذلك، ونحن نأخذ ذلك على درجة عالية من الجدية”.
- الأسلحة الأمريكية تتجاوز الأصوات وتصل للنظام السعودي
في ظل الأصوات المتعالية على مدى 17 شهراً من العُدْوَان والتي تطالب بوقف تسليح السعودية أَوْ تدين الولايات المتحدة وتحملها مسؤولية قتل المدنيين في الـيَـمَـن والمشاركة في تجويعهم وحصارهم، وهذا الأصوات لم تقتصر على المنظمات الحقوقية، بل تجاوزتها إلى المسؤولين الأمريكيين بما فيهم رئيس الكونجرس، ولذلك يبرز سؤال يقول: لماذا لا ينتصر صوت الحرب على صوت السلام في الولايات المتحدة؟ أَوْ لماذا لا تؤثر كُلّ تلك الأصوات على السياسة الأمريكية؟ وأيضاً لماذا رغم كُلّ تلك الأصوات ما تزال الأسلحة الأمريكية تتدفق إلى السعودية؟
تكمن الإجابة على كُلّ تلك الأسئلة بحقيقة العُدْوَان على الـيَـمَـن باعتباره عُدْوَاناً أمريكياً أولاً وتوريطاً للنظام السعودي في الـيَـمَـن ثانياً، وبأن استمرار الحرب يعد سوقاً مربحاً للولايات المتحدة من خلال بيع الأسلحة وتجنب أزمات مالية وشيكة ثالثاً، ورابعاً بأن العُدْوَان على الـيَـمَـن هو الممر الآمن للتوسع الأمريكي في الـيَـمَـن، وتحديداً في عدن وحضرموت.
وتلعب الولايات المتحدة لعبتها القذرة فهي قبل عدة شهور سربت خبراً بأنها أوقفت تزويدَ السعودية بالأسلحة العنقودية بسبب جرائمها ضد المدنيين، وفي ذات الوقت كشف الإعلام الحربي أن السعودية حصلت على قنابل عنقودية من الولايات المتحدة مستخدمة حيلة جديدة تتمثل بمحو اسم المصانع الأمريكية من تلك القنابل؛ كونها تمثّل الدليل الذي تستخدمه المنظمات في إدانة الولايات المتحدة.
على النحو ذاته أعلنت الولايات المتحدة سحب مستشاريها من الرياض وقال مسؤولون أمريكيون لوكالة رويترز إن الأمر يتعلق بتزايد عدد القتلى المدنيين جراء الضربات الجوية للعُدْوَان على الـيَـمَـن، وهنا أَوْ في مسألة وقف تسليح السعودية تحاول الولايات المتحدة اعتبار تلك الخطوات تبرئة لها من الجرم وتحميل العُدْوَان السعودي، ولكن التسليح الأمريكي لم يتوقف في الأصل، ولا يوجد ما يثبت انسحاب المستشارين الأمريكيين ولو ثبت فإن القرار شمل معظم المستشارين وليس كلهم ولم يكن القرار بوقف الالتزام الأمريكي للعُدْوَان بتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري للعُدْوَان.
ويمكن القول بأنه ودون الأصوات الحقوقية فإن التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين التي تدين بلدانهم بالاشتراك بقتل المدنيين في الـيَـمَـن أَوْ باتهام السعودية بارتكاب الجرائم كلها تأتي ضمن مسرحية تريد وضع تلك البلدان في مواضع المشترك في العُدْوَان تارة وتارة أُخْـرَى في وضع المعارض للعُدْوَان ولكن في نهاية المطاف لم تتحول تلك التصريحات إلى قرارات توقف تسليح العُدْوَان السعودي أَوْ توقف الدورين الأمريكي والبريطاني في العُدْوَان على الـيَـمَـن.
صدى المسيرة: إبراهيم السراجي