ثورة الـ21 من سبتمبر وتحولات المشهد السياسي اليمني
يمانيون – ابراهيم محمد الهمداني :
الثورة على هيمنة السفارات
شهدت الساحة السياسية اليمنية عددا من التحولات المحورية بعد ثورة 2011م، التي أجهضت في غمرة الاحتفال بها، وكان لذلك أثرا سلبيا بالغا على معنويات الجماهير، وانتكاسة في الوعي الثوري في أوساط الشباب خاصة، والشعب كحالة عامة.
لذلك وغيره جاءت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، لتعيد الاعتبار للذات اليمنية اولا، التي شارفت على الاستلاب والضياع، وللقيم والمبادئ الدينية والإنسانية والثورية ثانيا، التي تنكر على الانسان أي كان دينه او مذهبه او فكره او ثقافته، ان يعيش رهين قوى التسلط والهيمنة، وان يحيا تابعا مسلوب الإرادة والحرية والفكر.
تعد ثورة ال21 من سبتمبر نقطة التحولات الكبرى في صناعة مفردات وعناصر المشهد السياسي في اليمن خصوصا، وانعكاساته حاضرا ومستقبلا على المستوى السياسي الإقليمي والعالمي عامة، ولعل أبرز النتائج التي تمخضت عن تلك التحولات الخطيرة – على المستوى الداخلي – سقوط آخر الأقنعة عن تلك الجماعات الإسلامية الراديكالية المتطرفة، ممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، التي سارعت الى إعلان عدائها وحربها ضد ثورة الشعب السبتمبرية، لتظهر بذلك حالة من الشيزوفيرينيا الحادة المستعصية، على المستويين الأيديولوجي والأخلاقي، ولا مبرر لذلك العداء إلا أن أسيادهم في المملكة وحلفاءهم، لا يرغبون بهذه الثورة الشعبية ولا يريدونها لا من قريب ولا من بعيد، لأن في نجاحها فقدان مصالحهم، وتقلص وانعدام نفوذهم وهيمنتهم على الوطن أرضا˝ وإنسانا˝.
وأما الأثر الخارجي لتلك الثورة، فقد تمثل في سقوط أقنعة كبرى -لم تكن خافية علينا حقيقتها-السفر عن قبح طالما حاولت ستره، وعداء كم اجتهدت في إخفائه، وقد قامت بأداء الدور المركزي في هذا المشهد كلا˝ من السعودية وتحالفها الخليجي من ناحية وأمريكا وتحالفاتها الدولية من ناحية ثانية، فبعد سقوط أياديهم من الداخل اليمني-حزب الإصلاح ومن سار في ركبه-سقطت الأقنعة التي كانوا يحاولون تجميل قبحهم بها، وظهرت نواياهم الخبيثة وحقدهم المزمن على هذا الشعب إلى العلن، محاولين فرض وجودهم وتدخلهم السافر في الشئون الداخلية بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى.
لم تستطع السعودية البقاء في صدارة المشهد السياسي اليمني وصناعة التحولات لخدمة مصالحها وحلفائها، كما كانت تفعل من قبل، وبالتوازي أيضا˝ أخفقت خطط الإمبريالية الأمريكية في الاستمرار في صناعة القرار السياسي اليمني، لأن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الشعبية رفضت نفوذ السفارات ولم تعترف بصلاحيات السفير، وأكدت أن مهمة السفارات التمثيل الدبلوماسي وليس الاستعمار السياسي والهيمنة على الشعوب الأخرى، وبدأت ترسم صورة السياسة المستقبلية لليمن، وطبيعة علاقاته مع الشعوب والأنظمة، وفقا˝ لمبدأ النديّة والاحترام المتبادل، وهذا بدوره جعل القوة الاستعمارية -السعودية وأمريكا وحلفائهما-يدخلون في حالة من الغضب الهستيري والجنون الوحشي والتهور والطيش والحماقة التي أنتجت العدوان على اليمن،لتشاهدشعوب العالم من خلاله، فصولا˝ أخرى من القبح الوحشية، ويتابع سقوط كل القيم والمبادئ والحريات والأخلاق السامية، التي طالما تعنت بها السياسة الأميركية،حاملة لواء الحريات وواهبة الديمقراطية للعالم.
لم يكن العدوان السعوأمريكي على اليمن مجرد عدوان عادي، تقوم به قوة إمبريالية ضد شعب آخر بهدف تطويعه وإعادته إلى حضيرة الطاعة، بل كان عدوانا عالميا، هدفه المحو والإبادة والاجتثاث نهائيا، لأنهم يعلمون يقيناً أن الشعب اليمني عصي على الإخضاع والتدجين والتبعية، خاصة بعد بلوغه مرحلة متقدمة من الوعي بحقيقة وضعه، ومن هو عدوه، وخطورة التآمرات والمخططات التي تحاك ضده، ولهذا كانت حرب إبادة وحشية بامتياز، وعملية اجتثاث ومحو وطن بأكمله من الخارطة أرضاً وإنساناً.
ورغم استمرار العدوان الوحشي والحصار الخانق، يستمر اليمنيون قيادة وشعبا في ضرب أروع نماذج الصمود والثبات والتحدي الأسطوري، ويستمر رجال الرجال المرابطين في الجبهات في كسر زحوفات العدوان وعملائه ومرتزقته المأجورين من الداخل والخارج، وتلقين مملكة الشر والإجرام أقسى الصفعات، وتمريغ كبرياءهاوعنجهيتها في أقذر المستنقعات، وإسقاط هيبتها الجوفاء، وتعرية زيفها وبيان حقيقتها الإرهابية الداعشية، أمام مرأى ومسمع جميع شعوب العالم،لتهوي بذلك في مستنقع السقوط الأخلاقي والقيمي من ناحية، وفي دوامة الابتزاز الامبريالي العالمي اللامحدود، من قبل مجلس الأمن، الذي ما يفتأ من حين لآخر يلوح لها بقفص الاتهام وقضبان السجن، بسبب جرائمها بحق الإنسانية في اليمن، وسرعان ما تقوم بافتداء جرمها المشهود بالأموال الطائلة، وشراء مواقف مناقضة لسابقتها من الأمم المتحدة ذاتها، ناهيك عن شراء مواقف بعض الأنظمة الغربية وتأييدها وصمتها في أسوأ الأحوال، ويتم ابتزازها في صور متعددة، فقد تكون في هيئة صفقات عسكرية وشراء أسلحة ومنظومات دفاعية، وغالبا ما تكون معظم هذه الصفقات وهمية، وقد تكون على هيئة هبات مالية ومساعدات، تذهب الى خزائن الدول والقوى الامبريالية العظمى، علاوة على الأموال الطائلة التي تذهب الى أفريقيا وآسيا وغيرهما، لشراء الجنود والقتلة المأجورين من شذاذ الآفاق، وجميع أصقاع العالم، واستجلابهم للقتال في اليمن او للدفاع عن حدود المملكة.
ذلك وغيره كلَّف خزينة المملكة أموالا طائلة ونفقات باهضة، أثرت بشكل كبير وملحوظ على مستواها الاقتصادي وأنهكته، الأمر الذي جعلها ترفع جزءا من الدعم عن المشتقات النفطية، وتقترض من البنوك العالمية، وغير ذلك من الإجراءات والشواهد التي تؤكد بداية انهيارها الاقتصادي، الى جانب انهيارها العسكري، وصولا الى دعوتها المواطنين للتبرع للجيش السعودي، وهذا فقط ما ظهر الى العلن وما خفي كان أعظم.
لم تكن السفارتان السعودية والأمريكية الوحيدتان في انتهاك سيادة البلاد واستقلال قرارها السياسي، فقد سجلت الأحداث المتعاقبة تدخل عدد من السفارات العربية والأجنبية في الشأن اليمني الداخلي والخارجي، وإن يكن بقدر محدود ومتفاوت من سفارة لأخرى، ولكن يمكن القول إن السفارتين السعودية والأمريكية كان لهما نصيب الأسد في صناعة القرار السياسي اليمني، وكل صغيرة وكبيرة في حياة المجتمع اليمني، حتى يمكن الجزم أن معظم الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تكن غير واجهات شكلية، ودمى متحركة بأمر السفارات، لا تملك من أمرها شيئا، ناهيك عن شئون الشعب، لذلك كانت الثورة ضد السفارات والتمرد على وصايتها ضرورة مجتمعية وإنسانية قصوى، لابد منها، قام بها الشعب وها هو يتحمل تبعاتها، ويدفع ضريبة حريته، ويتصدى للعدوان العالمي، والحصار الأممي، صانعا معادلته السياسية الخاصة، وها هو يجني ثمار استقلال قراره لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، سواء بالاتفاق السياسي بين المكونات السياسية الحاضرة على أرض الوطن، او بتشكيل المجلس السياسي الأعلى، الذي يتمتع بصلاحيات الرئيس، ويتحمل مسئولية إدارة شئون البلاد في هذه الظروف الحرجة.
ورغم كل المعوقات والعراقيل والمؤامرات الدولية الساعية الى إفشال القرار اليمني الخالص، إلا انه سينجح وسينجح المجلس السياسي الأعلى – حسب تصوري – وستنجح الحكومة الى حد كبير، نظرا لما ينتج عن استقلال القرار السياسي من إحساس بالمسئولية وتقدير لعواقب الأمور.