عن الشاعر الكونيِّ البردوني
بقلم/ ولـيد الحـسام
حطّ البردوني رحاله بعد أن قال كل ما يحدث في حياته وكل ما يحدث ونلمسه اليوم ونحن في السنة السابعة عشرة لذكرى رحيله ..
لقد عرّى هذا الشاعر بملكاته الإبداعية كلَّ غامض ومبهم ، وكشف بإمكانياته التصويرية والتخيّلية ما احتجب وراء الستار واقترب ببصيرته من تفاصيل المظاهر التي لا يراها المبصرون وقدمتها رؤاه في أفكار موجزة وبأسلوب فريد يتماهي بين الهجاء اللاذع والسخرية الاستنكارية والفكاهية البسيطة والنَّفس القريب إلى البسطاء والعامة والشعب.
كتب عن قضايا الإنسان فكان جديراً في الكتابة بلسان الإنسانية، المجتمع وقضاياه كان الإيقونة الرئيسية لتجربته ومنها نتج كل هذا العالم الشعري والإبداعي.
اتساع ثقافته مكَّنته من أن يعبر كل الفضاءات ويتجاوز التصورات ويطرق أبواباً لم يطرقها سواه، ونضج خياله منحه القدرة على أن يدخل عوالم لم يسبقه إليها أحد.
تمتزج تلك العوالم مابين الخفيِّ السرّي والغرائبي المُكتََنز بالدهشة، وأنا أقرأ أفكاره أشعر أنني أمام كونٍ تجاوز هذا العالم القزم بكل قضاياه ، بل قد يكون العالم مختزلاً في أبسط فكرة بردونية ..
حينها لا أستغرب من عجز الأدوات النقدية التي تنشغل عن مهمتها بالاكتشافات الجديدة للبردوني، وأما ما يدهشني أكثر فهو أنني عندما أقرأ كتابته حين تثقل كاهلي الهموم والقضايا بما فيها الخاصة أشعر أنه صديقي الوحيد الذي يعرف كل همومي وأسراري فأجده يحاورني بإحدى قصائده الحوارية التي تكسر الرتابة وتخفف من حدة الخطاب لتبدو لي بشعريتها المتميزة كائناً إنسانياً بكل معاني الإنسانية.
ما تميّز به شاعرنا أنه قدم مشروع الحداثة بقالبها الأصيل وبجدارة لا متناهية، لقد تجاوز حدود اللغة العادية، وحوّل اللاممكن إلى ممكن، وجعل من الرمز إشارات افتراضية إلى أشياء لها ارتباطات مستوحاة من ملامحها ومعانيها المتسقة في الدلالات، واستدعى التاريخ بأسلوبه الفريد في مزج ذلك الاستدعاء بالحالة الشعرية التي يعيشها.
ربما حُجبت عيناه ليرى الحقيقة ببصيرته وذكائه ونباهته إذْ رأى كلَّ شيءٍ بعين الإيحاءات ومناجاة الجمادات والزوايا الصامتة كما أشار إلى ذلك في إحدى لقاءاته التلفزيونية قبل أن يقرأ قصيدة بعنوان في (الغرفة الصرعى).
للبردوني أسماؤه الخاصة به فهو:
( فيلسوف الجراح.. راهب الفن.. مُغنِّي الهوى.. عازف الصمت ..صديق الرياح .. فارس الأطياف.. الفاتح الأعزل.. الهدهد السادس.. صياد البروق.. عابر غير مسبوق.. أمين سر الزوابع.. حادي المطر.. جوّاب العصور.. حضَّان المآتم) .