عـــبدالله علي صبري
عندما يخرج الشعب ثائرا ومتطلعا إلى تغيير جذري شامل، فهذا يعني أنه لم يعد يحتمل الحاضر البائس ولا الماضي البائد، وأن المستقبل في ظل الثورة لا بد أن يكون مختلفا بشكل جوهري عن الماضي والحاضر، وحتى إذا لم يعبر الثوار عن مطالبهم بالشكل الجلي، فإن مهمة النخبة أن تترجم العنفوان الثوري إلى مشروع ورؤية نظرية ترتقي إلى حجم التضحيات الجسيمة التي قدمها للشعب في سبيل الحرية والتغيير.
ومعروف أن الأفكار تسبق وتمهد للثورات، وبنجاح الثورة تنخرط السلطة الثورية في آليات وخطوات عملية تصب – أو يفترض أن تصب- في خانة التغيير المنشود.
غير أنه ما لم يكن واضحا ماهية التغيير المطلوب، فإن الثورة تجد نفسها أمام تخبط كبير، تنتقل معه من خطوة إلى خطوة، تنجح هنا وتفشل هناك، لكن دون أن يتحقق التراكم المطلوب، الذي يبنى عليه للانطلاق إلى خطوات واثقة وعميقة تشكل في مجملها علامة فارقة في حياة وتاريخ الشعوب.
إن الرؤية الاستراتيجية تبقى صمام أمان التغيير، وبواسطتها يمكن الحؤول دون انتكاس الثورة طال الزمن أم قصر. والثورة التي تعني القفز السريع إلى الأمام، بحاجة إلى وعي بالنقطة التالية في عملية القفز، وإلا اصبحت حراكاً نحو المجهول ( على النحو الذي عايشناه مع ثورات الربيع العربي)!
ينطبق هذا الكلام على ثورة 21 سبتمبر، وعلى الثورات اليمنية السابقة. وحتى لا تتكرر أخطاء الماضي، يصبح لزاما التفكير بسقف عال بشأن أهداف ورؤية ثورة 21 سبتمبر، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الداخلية التي هيأت للثورة، والتداعيات التي أفضت إلى العدوان السعودي الأمريكي على اليمن بعيد الثورة.
وبالتأمل السريع في مسار الثورة اليمنية ( سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر ) يلحظ المرء أن الأهداف الكبيرة للحركة الوطنية لم تتحقق على النحو المطلوب في أرض الواقع، خاصة ما يتعلق ببناء الدولة المؤسساتية، دولة النظام والقانون.
لكن ثمة مكاسب عظيمة تحققت على مدى نصف قرن لا يمكن تجاهلها، أو القفز عليها، ما يعني أن على ثورة 21 سبتمبر استكمال مشروع الحركة الوطنية، بحيث يصبح تحقيق ما تبقى من أهداف تلك الثورات في صلب مهام وأهداف هذه الثورة أيضاً.
لمزيد من التوضيح يمكن القول، أن ظروف ومناخ ثورة سبتمبر الثانية، جعلت الثوار يرفعون مطالب عاجلة متعلقة بإسقاط حكومة الوفاق، وإلغاء الزيادة السعرية للمشتقات النفطية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وإذ تحقق المطلبين الأول والثاني، فإن العدوان على اليمن حال دون تثبت الشراكة الوطنية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
غير أن هذه المطالب لا يمكن أن تكون بديلا عن الأهداف الرئيسة للثورة، والتي يتعين إعادة صياغتها وفق رؤية استراتيجية للتغيير، وعلى النحو الذي يسمح بالحكم فيه على نسبة نجاح الثورة، حاضراً ومستقبلا.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال عمل فكري استثنائي تتداعى إليه عقول وخلايا التفكير المؤمنة بالثورة وبالتغيير، والتي يقع على عاتقها مسئولية التخطيط للمستقبل، واقتراح الآليات العملية التي تساعد على تنفيذ الخطط والرؤى الاستراتيجية المقرة.