أيُّها البرد..رفقاً..
د.أسماء الشهاري
في هذه الأيام الجميع يشتكي من شدة البرد و قسوته.. و ستجد أنه محور الكلام بين كثير من الناس.. و أن البعض يستخدمون أكثر من دثار لكي يشعروا بالدفء لكن دون فائدة..!
لكنني كلما سمعت الحديث عنه أو شعرت به يذهب بي فكري بعيداً.. إلى هناك..
وأشعر بالخجل حتى من كوني أشعر به.. و كثيراً ما أشعر أن المعطف أو الدثار يذوب بين يدي خجلاً عندما أفكر في أولائك..
فمهما كان الصقيع أنا هنا في بيتي.. أحتسي شراباً دافئاً و أغلق النوافذ و أتدثر بما يقيني من وطأة هذا البرد و لي جدران تحميني منه.. لكن ماذا عنهم؟
يفترشون الأرض و يلتحفون السماء.. يسافرون على أقدامهم الحافية المسافات و الأميال.. يباتون في العراء و الرياح تضربهم من كل صوب و البرد يهاجمهم من كل اتجاه.. زادهم قليل و سفرهم طويل..!
أيُّها البرد.. رفقاً..هل عرفت على من تقسو؟
لو أنك تعرفهم لاحترقت و لتبخرت خجلاً و لتناثرت حولهم تُحيل الجو عطراً و الصقيع دفئاً و حباً..
لكن.. تعال أيُّها البرد.. تعال لتحِلَّ بكل قسوتك في عظامي.. لكن أرجوك اتركهم بسلام..
و أنتي أيتها الشمس أطاوعتكِ نفسك أن تغيبي عن جبهاهم الشماء البهية.. ألّا تشرقي على التلال و على أولائك الواقفين بشموخٍ كالجبال.!
أوهكذا يكون العهد منك فلا يجدون في الصيف إلا حرك و في الشتاء إلا جفاك.!
أعدك أيها البرد أنني لن أشكوك لأحد.. لأني لا أستطيع ذلك.. فهناك من يتصدون بصدورهم للرياح و يحرسوني منك كما يتصدون للقذائف و الرصاص .. و يحيطون بي و ببلدي من كل مكان.. يقفون بشموخٍ كجبال بلادي الشاهقة و يعانقون السماء بأرواحهم الطاهرة.. جعلوا من أجسادهم لنا دروعاً.. و من جماجمهم لنا جسوراً نعبر عليها بأمان نحو العزة ِ و الأمان..
أيُّها البرد.. ترفق بهم.. ألا يكفيهم تكالب الأعداء و خذلان الأصدقاء.. و أصوات المدافع.. و الطائرات التي غطتِ السماء..!
و على الرغم من كل شيء.. أيُّها البرد لتعلم.. لن يحتملك أحداً هنا.. لن يحتملك إلا أولائك البائتون في العراء..
صحيفة الثورة