نص كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1438هــ
يمانيون – صنعاء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شي قدير)، (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفؤ له كما شهد لنفسه وشهدت له ملائكته و أولي العلم من خلقه، (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولي العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا، فبلغ رسالات الله البلاغ المبين وأقام الحجة لله على العالمين وجل بالنور كل الظلمات ودمغ بالحق كل الأباطيل والضلالات، (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، الله صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار من المهاجرين والأنصار وعن سائر عبادك الصالحين.
شعبنا اليمني المسلم العزيز، أيها الأخوة والأخوات في ساحة الاحتفال المبارك من كل أطياف الشعب وفي طليعتهم العلماء الأجلاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومبارك لكم ولكل أمتنا الإسلامية هذه المناسبة العزيزة والذكرى المقدسة المجيدة، ذكرى مولد خاتم النبيين وسيد المرسلين وصفوة الله من العالمين محمد ابن عبدالله ابن عبد المطلب ابن هاشم صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ذكرى القدوم المبارك الميمون الذي جلعه الله منقذا للبشرية ورحمة للعالمين، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون).
وإن لشعبنا اليمني المسلم العزيز شرف التميز في تفاعله مع هذه الذكرى لأنه يمن الإيمان، يمن الأنصار وهو من جيل إلى جيل توارث هذا الإيمان، مبادئ حق يتمسك بها وأخلاقا كريمة يتحلى بها وروحا طيبة يحملها ومحبة وإجلالا وتوقيرا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تفلح جهود ومساعي القوى الظلامية الضالة المخذولة في تغيير هذه السجية الطيبة وهذا الانتماء الأصيل لهذا الشعب المسلم، كما أن معاناة شعبنا من العدوان الأمريكي السعودي الهمجي الظالم لم تثْنِه عن الاحتفال بهذه الذكرى في العام الماضي وفي هذا العام، لأنها مناسبة تربطنا بها وشيجة الإيمان وتزيد الأحداث والتحديات من أهميتها، فهي مناسبة معطاءة غنية بأهم الدروس والعبر التي تحتاج إليها الأمة اليوم وتستفيد منه البشرية بكلها في تصحيح وضعها وإصلاح واقعها ومواجهة الأخطار بعد أن تفاقمت مشاكل البشرية بفعل قوى الطاغوت والاستكبار الظلامية الظالمة التي تسعي في الأرض فسادا وتملأها ظلما وجورا.
لقد كان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عام الفيل تلك الحادثة العجيبة، وكان للحادثة بنفسها علاقة بإرهاصات القدوم المبارك لخاتم الأنبياء، قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) صدق الله العلي العظيم، قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان العالَم بكله بشتى أنحاء الأرض يعيش جاهلية جهلاء تعاظم فيها الضلال واشتد العمى وطغت الحيرة والتيه واستحكمت فيها هيمنة القوى المستكبرة بقوتها وجبروتها، تضل وتظلم وتضاءلت في الأرض دائرة النور وأطبق عليها الظلام ظلام الجهل بالحق والحقيقة وظلام الخرافة وظلام الباطل وظلام الفساد وامتلأت ظلما وجورا وعدوانا، وفقدت البشرية الوعي بهدف وجودها بهدف وجودها المقدس ومسؤوليتها في الحياة وأصبح الإنسان تائها لا يعي دوره ولا يحمل من اهتمام إلا أن يأكل ليعيش وأن يعيش ليأكل كالأنعام السائمة، وتمكن المجرمون المستكبرون المتسلطون الجائرون أن يجعلوا من الخرافة عقيدة ومن الانحراف والفساد سلوكا وعادة ومن الجهالات والأباطيل عادات وتقاليد، وحرموا حلال الله وأحلوا حرامه، وأشركوا به وبلغوا بإضلالهم لعباد الله وتوحشهم إلى تفريغ الإنسان من عاطفته الإنسانية (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم)، أوصلوهم إلى أن يباشر الأب ذبح طفله وقتل مولودته إما خوفا من الفقر أو احتسابا لها منقصة، وتحولت كل تلك الخرافات والمفاسد والجهالات إلى معتقدات يقدسونها ويدينون بها ويتشبثون بها أشد تشبث، وعادات يتعصبون لها تطبعت عليها أجيال، يموت عليها جيل ويحيا عليها جيل آخر، وطغت على حياة الناس واستحكمت وتمكنت حتى أصبحت مسلمات وثوابت مع كل ما ترتب عليها ونشأ من خلالها من نتائج سيئة في واقع الحياة من عناء وشقاء وقهر وظلم، وشتات وفرقة، وتناحر ونزاع وبؤس وضعة، ومع حاجة المجتمع البشري إلى التغيير إلا أنها مهمة لن تكون سهلة تجاه واقع وصل إلى هذا الحد، وفيه قوى الطاغوت تحمي وترعى ذلك الانحراف، وتزيد منه، ومعالم رسالة الله تعالى في الأنبياء والرسل السابقين انمحت معالمها في منتسبيها فأضاعت اليهود معالم رسالة الله تعالى إلى موسى وأنبياء بني إسرائيل، وأضاعت النصارى ميراث عيسى من الهدى والأخلاق، ولم يتبقَ للجميع إلا طقوس وشكليات مفرغة من كل معنى، وفاقدة لأي تأثير، وأصبحوا جزءا من الواقع لا صالحين ولا مصلحين، بل منحرفين ومحرفين، ضالين ومضلين، فاسدين ومفسدين، وحولوا كتب الله إلى قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا منها، وحولوها إلى عبارات مكتوبة معطلة عن التنفيذ، وموقفة عن الاهتداء بها والعمل بما فيها، وحرفوها سعيا منهم إلى تحويلها إلى وسائل للتضليل بها والافتراء على الله الكذب باسمها، فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.
وفي ذروة استحكام قبضة الطاغوت وسيطرة المستكبرين تحرك أصحاب الفيل، بهدف القضاء على ما يعتبرونه تهديدا مستقبليا، فالآثار ولأخبار والمؤشرات قد عرفوا منها أن مبعث النور والخلاص آت بقدوم خاتم الأنبياء من مكة البيت الحرام في ذلك العام، فتحركوا بجيشهم، يريدون السيطرة المباشرة ووأد المشروع الإلهي في مهده، والقضاء على الرسالة الإلهية، تماما كما فعل فرعون في سعيه للحيلولة دون المشيئة الإلهية في أمر موسى عليه السلام ففشل وخاب، ويسعون أيضا إلى هدم الكعبة بيت الله الحرام المقدس ومعلم الشعائر الدينية والرمز المتبقي في اجتماع كلمة العرب آنذاك على تقديسه، مع اختلافهم في كل أمورهم الأخرى، وفي مقدمة جيشهم اصطحبوا فيلا ليرعبوا به العرب ويخيفونهم بهذا الكائن غير المألوف لديهم والحيوان الكبير، الذي رأى فيه الكثير أنه أمر لا يقاوم.
ومع قداسة البيت الحرام لدى العرب التي توارثوها من عهد نبي الله إبراهيم الخليل وابنه نبي الله إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وارتباطهم بشعائر الحج إلا أنهم نتيجة للفرقة والاختلاف والشتات الذي كانوا فيه والمفاهيم الظلامية التي سيطرت على تفكيرهم ورؤيتهم على الأمور والخلل الذي كانوا يعانون منه في كل واقعهم وفقدانهم الأمل في الله تعالى لم يتحركوا بجدية في مواجهة أصحاب الفيل، وغلبت عليهم الهزيمة واليأس وهربوا من المواجهة وقالوا في الأخير: (للبيت رب يحميه)، فحمى الله بيته الحرام وأنفذ مشيئته بقدوم المولود المبارك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أما أصحاب الفيل فأهلكهم، وأما كيدهم ومكرهم فبطل وضل وانتهى ولم يتحقق لهم ما أرادوا، فمشيئة الله تعالى ورحمته بعباده أتت بالخلاص وبالفرج بعد أن بلغ الضلال ذروته، واستحكمت سيطرة الطاغوت والاستكبار في كل أقطار الدنيا، وملأت بظلامها قلوب البشرية فأعمت بصائرهم، وبظلمها واقعهم فأشقت حياتهم، فكان أن غيرت الرسالة الإلهية في حركة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها بعد مبعثه الشريف هاديا ومعلما ومربيا، مجاهدا وصابرا ومضحيا، غيرت الواقع بكله، على الجزيرة العربية بكلها، لتمتد آثار ذلك التغيير وبمستويات متفاوتة إلى أرجاء الدنيا بكلها، والأمة التي كانت متفرقة وجاهلة وظلامية وأخافها في يوم من الأيام فيلٌ واحد في مقدمة جيش تغير واقعُها بعد إسلامها بعد أن تنورت بالنور، واستبصرت بالهدى، وزكت بالقرآن وبتربية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فواجهت جيوش الانبراطوريات والدول الكبرى المستكبرة، ولم ترهب جيوشها التي كانت تأتي بأعداد كثيرة من الفيلة، كانوا يتوقعون أن يخاف المسلمون مجددا إذا شاهدوا الفيلة كما خافوا قبل إسلامهم من فيل واحد، فأتوا بالكثير من الفيلة فلم تخف، لم يخف المسلمون فيما بعد، وقويت عليها بقوة الحق، وانتصرت بنصر الله، حينما تحولت إلى أمة حملت أعظم مشروع وأقدس قضية، وحينما تحولت إلى أمل لكل المستضعفين في الدنيا غير مؤطرة بعنوان جغرافي ولا بلون ولا بعرق ولا بقومية بل بخطاب القرآن لكل الناس الذي يقول فيه (يا أيها الناس) لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وعلى آله بحركة بالقرآن وبما منحه الله تعالى من مؤهلات عالية وكمال عظيم، وبتأييد الله تعالى أن يصنع تغييرا مفصليا في التاريخ وأن يؤسس لعهد جديد ختم به رسالات الله تعالى إلى الأنبياء، ومن معجزات الرسالة الإلهية أن رافعتها وحملتها وأتباعها وأنصارها والمنتصرين بها هم المستضعفون وليس المستكبرون، لم يكن انتصار الرسالة الإلهية مرهونا بقوى الاستكبار، بل كانوا هم على الدوام أعداءها والمختلفين معها لأنها تُناقض أطماعهم وطغيانهم واستعبادهم للبشرية، بل كان المستضعفون هم الذين يؤمنون بها ويعتزون بها ويقوون بها ويتغير واقعهم بها بعد أن يغيروا ما بأنفسهم.
والرسالة الإلهية هي المشروع الوحيد، ليس هناك أي مشروع آخر، هي المشروع الوحيد القادر على إحداث التغيير الحقيقي للواقع البشري، لتقديم الحلول الواقعية للبشر لأنها مشروع شامل يتجه للإنسان نفسه، فيغير ما بنفسه من ظلمة ودنس، فإذا صلح الإنسان صلحت الحياة بكلها وصلح واقعه لأنها مشروع يصنع الوعي ويزكي النفس ويأخذ بيد الإنسان في الحياة في الطريق السوي ويهدي للتي هي أقوم قال الله تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)، وقال تعالى: (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم)، ولأنه مشروع الله لكل عباده ليس من قوم حسبوا حساب أنفسهم وحساب مصالحهم على حساب قوم آخرين ولا لعرق على عرق ولا للون على لون ولا لقومية على قومية، بل هو الكلمة السواء التي يمكن أن يلتقي عليها جميع البشر، وهو المشروع العالمي الحقيقي الصالح القائم على العدل، والعدل دعامة أساسية في بنيانه، قال الله تعالى) :قل أمر ربي بالقسط)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله)، ثم هو حجة الله تعالى على عباده لأنه هو الذي خلقهم، هو ربهم هو ملكهم وألهمهم الحق وإليه مصيرهم وحسابهم وجزاؤهم، وقد قدم نداءه إليهم منذ بداية وجودهم على هذه الأرض، فقال تعالى مخبرا بندائه واحتجاجه (يا بني آدم) خطاب الله إلى البشر في كل الأجيال التي قد خلت (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، ولذلك فلا خلاص اليوم للبشرية بأي بديل عن رسالة الله تعالى ولا حل يغير الواقع بكلة إلا الانفتاح على الرسالة الإلهية، على رسالة الله ونوره، ولا صلاح لآخر الأمة إلا بما صلح به أولها.
ثبت أن قوة الاستكبار اليوم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل تفاقم مشاكل البشرية وتفسد في الأرض وتعتدي على الشعوب وتنهب الخيرات وتصنع الحروب والأزمات ولا تقدم للبشرية إلا المزيد من المآسي والنكبات، وزاد من سوء الأمر في عالمنا الإسلامي خصوصا في المنطقة العربية التبعية العمياء من بعض الدول التي تقدم نفسها على أنها تمثل الإسلام كما هو حال النظام السعودي المنافق، الذي جعل من نفسه أداة الشر لتنفيذ مؤامرات الأعداء وهدم كيان الأمة من الداخل، وهو بلا شك امتداد ظلامي ظالم لقوى الاستكبار، ويمثل حالة الانحراف والتحريف داخل الأمة التي ائتلفت مع شبيهاتها من حالة الانحراف والتحريف في شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما السلام.
إن القرآن الكريم يجعل من التبعية لأعداء الأمة من المستكبرين خروجا عن الحق وزيغا عن الهدى وخيانة للأمة وهو يقول: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، وإن أكبر معاناة تعانيها الأمة اليوم هي هذه التبعية التي مثلت حالة اختراق كبير ومؤذ ومخرب في داخل الأمة ويجب أن تحذر منها الأمة وأن تتحصن منها بالوعي وأن تواجه مؤامراتها ومكائدها بكامل المسؤولية، ومآل أولئك الخونة المنحرفون، مآلهم إلى الخسران مصداقا للوعد الإلهي في سورة المائدة، والأمة في مواجهة التحديات الداخلية مع قوى النفاق، والخارجية من قوى الطاغوت والاستكبار معنية بالاعتصام بالله سبحانه وتعالى، والارتباط الوثيق برسالته، فبها تتقوى وبتعاليمها تفلح وبالتمسك بها تنتصر، لأنها رسالة في مضمونها من التعاليم والتوجيهات والحكمة عناصر القوة، عناصر القوة ذاتية فيها وبالتمسك بها تحظى الأمة بنصر الله وعونه قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
وقد كان لشعبنا اليمني الشرف الكبير بدءً بالأنصار في إيمانه وجهاده وتفاعله مع رسالة الله تعالى حتى نال وسام الشرف الكبير فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بشأنه (الإيمان يمان والحكمة يمانية)، وبهذا الإيمان كان ثابتا ومتماسكا في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي بالرغم من حجم المعاناة نتيجة القتل والحصار والتدمير، وبوعيه لم يتأثر بأبواق التظليل، وما عدا الخونة والمنافقين والمرتزقة فإن جماهير شعبنا بعظيم الصبر والصمود والعطاء قدمت إلى العالم أجمل صورة عن عظمة قيم الإسلام وأثر الإيمان، فأسر الشهداء والجرحى وأبطال الميدان من الجيش واللجان الشعبية، وجماهير الشعب من كل أطيافه أثبتوا للجميع أن القوة هي قوة المبادئ وقوة القيم والأخلاق وقوة الاعتماد على الله والتوكل عليه.
ولذلك فإن شعبنا اليوم وبميثاق الإسلام الذي قدمه في صدر الإسلام لرسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله إيمانا ونُصرة وإيثارا، يؤكد اليوم بالقوة وبالفعل الاستمرار على النهج والمواصلة للسير في الطريق والسعي المستمر للاستبصار والارتقاء الإيماني إن شاء الله تعالى، ونؤكد في هذه المناسبة على التالي:
أولا: إن خيار شعبنا المسلم العزيز في مواجهة هذا العدوان الإجرامي الوحشي الذي يقتل البشر ويحتل الأرض وينتهك الحرمات وينشر الفرقة ويحاصر الشعب في قوته ومعيشته ويستهدفه في مقدراته ومصالحه هو الصمود والثبات والمواجهة، فلا وهن ولا ذل ولا استسلام، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، فنحن شعب عزيز بعزة الإيمان، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وطالما استمر هذا العدوان فلن نألوا جهدا في التصدي له بكل عزم وجد، وبالتوكل على الله تعالى وبثقتنا به وبوعده لنا بالنصر، ولذلك فالجميع في بلدنا معنيون بحكم المسؤولية بالحفاظ على وحدة الصف الداخلي وحشد كل الطاقات والإمكانات للتصدي لهذا العدوان، لا يخرج عن هذه الأولوية ويتجاهل هذا الجانب إلا مارق، متبلد الإحساس عديم الوعي، مُفَرَّغ ومفلس من الشعور الإنساني.
ثانيا: إن شعبنا من واقع انتمائه الإسلامي وهويته الإيمانية وإنسانيته متمسك بقضايا الأمة لن يبعدها عنها انشغاله بمواجهة العدوان، وبمشاكله الكثيرة، وفي مقدمتها القضية المركزية المتمثلة بمظلومية الشعب الفلسطيني واحتلال الأقصى والمقدسات وأرض فلسطين، وما يمثله العدو الإسرائيلي من خطر على الأمة بكلها، ولذلك فإننا نؤكد على الدوام وقوفنا الصادق إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته وإلى جانب المقاومة اللبنانية.
ثالثا: ندعو شعوب المنطقة بكلها إلى الحذر واليقظة وتحمل المسؤولية في مواجهة الخطر التكفيري الذي هو بلا شك صناعة أمريكية إسرائيلية يُوظف ويُستثمر لضرب الأمة من الداخل وتفكيكها وبعثرتها وفي طليعتها الأنظمة التي ترعاه وتقدم له كل الدعم المادي والسياسي والإعلامي، كما نبارك لأشقائنا في العراق وسوريا الانتصارات الكبيرة في مواجهة هذا الخطر، ونسأل الله النصر لشعبنا اليمني أيضا الذي يواجه قوى الشر مجتمعة، الأنظمة الداعشية والمجاميع الداعشية بكلها بشكل مباشر.
رابعا: ندعو كل الدول الحرة إلى الوقفة الإنسانية إلى جانب شعبنا في محنته ومظلوميته، وإلى التفاعل المسؤول مع حكومته التي منحها مجلس نوابه الثقة، وهي بحسب الأنظمة والدساتير والقوانين الحكومة الشرعية التي تعبر عن الشعب وتمثله، وهي وليدة لإرادة حرة، لإرادة شعبية حرة بدون أي تدخل خارجي، وأدعو الحكومة إلى أن تبذل كل جهودها لخدمة شعبها، والعناية باحتياجاتها بكل ما تستطيع، والعناية بالجيش واللجان الشعبية، وبكل ما من شأنه تعزيز الصمود في مواجهة العدوان، وأدعو الشعب العزيز إلى الوقوف إلى جانب الحكومة والتعاون معها والتفهم لظروفها التي تعاني منها نتيجةً للحصار والعدوان، وبالصبر والمثابرة والصدق والأمانة والتوكل على الله يمكننا أن نتغلب على التحديات، ونؤكد أيضا على أن تسعى الأجهزة الرقابية لتفعيل دورها للحد من أي فساد، ونؤكد أننا لن نكون مظلة حامية لأي فاسد يخون أمانته، سيما والمعاناة كبيرة، والمرحلة حساسة، ولن نكون مظلة حامية لأي مجرم يرتكب أي جريمة بحق شعبه سواء كان منتسبا للجان الشعبية أو الأجهزة الأمنية، أو منتميا إلى أي مكون، وعلى الجميع الالتزام بالصدق والأمانة في تحمل المسؤولية.
خامسا: ننبه إلى ضرورة الحذر من الشائعات المغرضة والدعايات الكاذبة الهادفة إلى إلهاء الشعب عن مسؤوليته الأساسية في التصدي للعدوان، وعلى الإعلاميين مسؤولية كبيرة في أن يكونوا هم بقدر المسؤولية وعيا وتعاطيا وممارسة، وأن يجعلوا أولويتهم المطلقة هي التصدي للعدوان.
سادسا: نحث الجميع وفي مقدمتهم ميسوري الحال على العناية بالفقراء والمعوزين والمحتاجين والاهتمام بالتكافل الاجتماعي، وشعبنا اليوم معني وهو شعب كريم سخي معطاء بالتضامن مع فقرائه وأيتامه أكثر من أي وقت مضى حتى يفرج الله بمشيئته وينصر شعبنا بنصره.
وفي الختام أوجه نصحي إلى السعودي جار السوء، استمرارك في العدوان لن يزيدك إلا خسرانا، وعبء ذلك كبير عليك في الدنيا والآخرة، من مصلحتك ومصلحة المنطقة بكلها أن توقف عدوانك، هذا العدوان العبثي المستهتر، إن الله لا يحب المعتدين، وهو نصير عباده المستضعفين.
أسأل الله تعالى أن يرحم شهداءنا الأبرار وأن يشفي جرحانا ويفرج عن الأسرى وأن ينصر شعبنا المظلوم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛؛