لم يغب الوضع في سوريا وفي حلب تحديداً عن دائرة الضوء والإهتمام في الكيان الإسرائيلي، حيث تابع مسؤولوه بحذر تغير الأوضاع في حلب حتى آخر تطوراتها خوفاً من تأثيرها على الوضع العام في سوريا والمنطقة وبالتالي على الكيان الإسرائيلي.
“حلب تعود إلى حضن الرئيس السوري بشار الأسد” و”أربع سنوات من سيطرة المجموعات المسلحة عليها انتهت في أقل من شهر” بهذه العبارات عنونت وسائل الإعلام الإسرائيلية حول معارك اللحظات الأخيرة في حلب.
ويبدو أن الحذر والخوف من أي إنتصار سوري على الإرهاب بات له التأثير المباشر والواضح على الكيان الإسرائيلي ووسائله الإعلامية إذ أعاد وزير الأمن الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان” موقفه حول سوريا مرتين خلال هذا الأسبوع حين قال “لمصلحة إسرائيل هزيمة الأسد ورحيله”، وهذا لا يخلو من تلميح وقلق حول ما يجري من إنتصارات في حلب، فيما دعا زعيم المعارضة ورئيس المعسكر الصهيوني “إسحاق هرتزوك کيانه إلى “عدم الصمت حيال ما يجري في حلب”.
ولم يقتصر الأمر على السياسيين بل إنسحبت المواقف المضطربة والخائفة مما يجري في حلب لتشمل المؤسسة الدينية في الکيان الإسرائيلي فبعد مطالبة وزير الداخلية ورئيس حزب شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين “أري درعي” الحكومة الإسرائيلية بدعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة من أجل حلب، صدر موقف آخر من الحاخام الأكبر لليهود الغربيين “دافيد لاو” يحث فيه الکيان الإسرائيلي على التدخل والإحتجاج على ما يجري في حلب وهو موقف سبقه إليه الحاخام الرئيسي لليهود الشرقيين “إسحاق يوسف” وإنضم حاخامان آخران لهما هما “يوفال شيرلو” و”يوسي فورمان” من خلال دعوتهما إلى إقامة صلوات من أجل حلب!
أتت المواقف الرسمية والدينية هذه بعد حملة إعلامية إسرائيلية كبيرة تبنت رواية المسلحين وبعض وسائل الإعلام العربية فيها مع علمهم أنها رواية من طرف واحد وهذا ما عبر عنه مراسل الشؤون العربية “حيزي سمانتوف” أثناء نقله لما يحدث في حلب بختم ما قاله بأن ما ينقل هو فقط من جانب واحد وهو جانب المتمردين الذين لديهم مصلحة في تضخيم الأمور.
ومن الملفت أن حملة التضامن الكبيرة التي قام بها الإسرائيليون مع الجماعات المسلحة استدعت إمتنان وشكر عدد من القيادات في هذه الجماعات لما يقوم به الكيان الإسرائيلي لمساعدتهم في مواجهة الجيش السوري وذلك في عدد من المقابلات الصحفية التي أجروها!
وعلى صعيد الإعلام والصحافة قال “عوديت غرانوت” محلل الشؤون العربية في القناة الأولى الإسرائيلية عن ما جرى ويجري في حلب: “هذا نصر وهو نصر معنوي للأسد، صحيح أنه إنتصار في معركة لا في الحرب ولكنه مهم، ويأس المتمردين قد يدفعهم إلى المزيد من سفك الدماء..”.
فاستعادة حلب ثاني أكبر المدن السورية تعد برأي محللين إسرائيليين النصر الأهم في كل سنوات الحرب السورية الذي يحققه الأسد ويتقاسمه مع حلفائه المؤلفين من حزب الله وإيران وروسيا، إذ قال “حيزي سيمانتوف” مراسل القناة العاشرة الإسرائيلية: “الأسد حسم المعركة اليوم في حلب بمساعدة حلفائه فقد سيطر على ثاني أكبر المدن في سوريا والمتمردين يفرون أمامهم..”.
فيما قال محللون آخرون في بعض الصحف الإسرائيلية إن سقوط حلب بيد الجيش السوري وحلفائه سيلحق ضربة قاسية بالمجموعات المسلحة التي تعاني من حالة تفكك بالأصل، فيما سيتماسك الجيش السوري وحلفاؤه أكثر فأكثر ويتقدمون بخطوات ثابتة نحو إرساء سلطتهم على أجزاء أخرى مهمة وواسعة في سوريا، خطوات وفق هؤلاء المحللين ستضع “إسرائيل” أمام حقيقة ناجزة من دون أن يكون لديها أي قدرة على التأثير لا في الخارطة السورية بشكل عام ولا فيما يجري فيها حالياً أيضاً.
الإنجازات الكبيرة التي تحققت دفعت المحللين الإسرائيليين للتساؤل عن مرحلة ما بعد حلب، فيما حذر آخرون من أن ما تحقق يعزز قدرة وثبات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فهو كما كتبوا بات يسيطر على أغلبية المدن المؤثرة والكبرى في سوريا، من دمشق وحماة وحمص واليوم حلب، وفي اللحظة التي سيقرر فيها إرسال قوة عسكرية كبيرة إلى درعا الأقرب إلى الجولان المحتل ستقترب أيضاً قوات من حزب الله وإيران وهو ما سيضع الکيان الإسرائيلي في الخطر.
وإعتبر خبراء استراتيجيون في عدد من الصحف العبرية أن ما حصل في حلب كان وسيكون سبباً في تبدل التعامل الدولي مع الوضع في سوريا، وحذروا “إسرائيل” من التدخل في سوريا بإعتبار أنها ستدخل مستنقعاً لن تعرف الخروج منه أبداً.
فيما وصف مراقبون إسرائيليون حديث الرئيس الأسد بعد حلب بخطاب منتصر في معركته، فكان مرتاحاً وراضياً ويبعث رسائل لمن يعنيهم الأمر خلال مقابلته مع قناة روسية، وهذا أمر غير مريح بالنسبة لـ”إسرائيل”، إذ قال “إيهود يعري” (محلل الشؤون العربية في القناة الثانية العبرية): “ما يقوله الأسد بعد نشوة إنتصاره في حلب بسيط، أنه إذا ما كان ترامب يريد تطبيق ما قاله خلال الحملة الإنتخابية فعليه التغلب على اللوبي الكبير والقوي في الولايات المتحدة الذي يمنعه من الوصول لإتفاق يبقي الأسد في السلطة، ومثل هذا الإتفاق هو طبعاً من ناحية “إسرائيل” أسوء إحتمال ممكن.”
إذاً القراءة الإسرائيلية تقول بوضوح إنه لا يوجد أي سبب يجعل الكيان الإسرائيلي مسروراً لما يجري في سوريا وفي حلب تحديداً، لأنه بحسب محللين فإن الرئيس الأسد باقٍ في السلطة لفترة طويلة، إذ قال “عوديت غرانوت”: “الأسد مدعوماً بحزب الله وإيران يستطيع أن يتقدم نحو حمص وإدلب لكنه يستطيع أيضاً التوجه نحو دمشق الكبرى أي هضبة الجولان عندها ستجد “إسرائيل” نفسها في وضع بين السيء والأسوأ، فإما داعش الذي سيهرب نحو الجولان وإما السوريون الذين سيأتون بمساعدة حزب الله وإيران إلى الجولان، وعلينا توقع ذلك في المستقبل، وهذا يجعل الأسد يثبت نفسه أكثر في السلطة وهذا أمر غير جيد بالنسبة لنا.”
تتكرر المواقف الإسرائيلية مع كل مرحلة فيها إنتصار لسوريا وحلف المقاومة، إلا أن السؤال الأهم يبقى حول أسباب تطابق هذا القلق والمواقف والمشاعر بين الإسرائيليين وما باتوا يعرفون بـ “المعتدلين” العرب اتجاه المقاومة وسوريا وما يحدث فيها!