علي احمد جاحز
لا يكتفي العدو بمفاعيل ونتائج العمل العسكري والسياسي والحصار الاقتصادي وقدرته على كسب التأييد الدولي، في حربه المحتدمة علينا، بل انه يلعب على الوعي ويسعى جاهدا ان يستهدف وعي الناس ويضرب نفسياتهم ويشوش قناعاتهم ويجعلهم يرتبكون في تحديد اولوياتهم وما ينبغي ان تركز عليه جهودهم وتوجهاتهم في كل مرحلة من مراحل عدوانه، وهو يفعل ذلك من واقع وعي ودراك وفهم وقراءة دقيقة لنا ولواقعنا ولنفسياتنا.
—
والسؤال .. كيف يتسنى للعدو قراءة واقعنا وسبر نفسياتنا ؟
يمكن ان نقولها ببساطة، كلما انخفض مستوى الوعي لدينا بأهمية فهم ومراقبة وتتبع وقراءة العدو وتفكيره واهدافه وخطورة مخططاته واساليبه وادواته بشكل مستمر، كلما كانت فرصته اكبر في ان يفعل هو الشيء ذاته ، وبالتالي يسهل عليه ان يضرب ضربته داخل صفوفنا بمجرد ان يضرب وعينا ويشتت توجهاتنا وتركيزنا بعيدا عن تحركاته ومخططاته .
احيانا تظهر اصوات مستفزة من داخل صنعاء من تلك الاصوات التي نصنفها داخل الصف الوطني، لتثير قضايا ومواضيع ضارة ومريبة ، وتنجح في جر الشارع صوب ضجة فارغة لا تثمر شيئا مفيدا ، قد يعتقد البعض انها عبثية او لا اهداف وراءها سوى صناعة ضجة ، بينما في الواقع هي حملات منظمة ومدروسة ولها اهدافها، والمستهدف الرئيسي فيها هو الوعي.
مثل الاصوات المريبة حين تثير موضوعا طائفيا او عنصريا او مناطقيا وتحرك بداخله نزعات ممقوتة يفترض ان تدفن والى الابد ، فإنها انما تضرب وعي الناس وقناعاتهم السامية التي قد وصلوا اليها بفعل ثقافة التعايش والتماهي والذوبان واختلاط الدم في جبهات الشرف والبطولة، وبالتالي فهي تعمد الى ان تحرك عواطف دفينة واحقاد ميتة لتصنع مواقف مرتابة مهزوزة تجاه الواقع وقضاياه الاساسية واولوياته المقدسة وعلى راسها اولوية مواجهة العدوان والصمود والتصدي، لتصل من خلال ضرب جبهة الوعي الى نتيجة خطيرة وهي قتل جبهة التفاعل الشعبي الاسطوري مع جبهات التصدي والصمود والتعبئة العامة .
وحين يكرر السيد القائد التحذير للكتاب والاعلاميين من الانجرار الى مهاترات خطيرة بعيدا عن اولوية التصدي ومواجهة العدوان، فانه يقصد اولئك الذين يخدمون العدوان عبر فتح قضايا ومهاترات ومواضيع تبعد الوعي عن مواجهة العدوان وتجر الناس الى مربع الشقاق والتباين وتعيدهم الى سجن العواطف والاحقاد المقيتة سواء الطائفية او العنصرية او المناطقية التي يفترض انها رحلت مع من زرعها في اوساط الشعب اليمني لعقود .
—
غير ان من لب مهمة التصدي ومواجهة العدوان هو التصدي ومواجهة من يخدم العدوان، ومثلما تضرب طائرات العدوان قنابلها على رؤوس اليمنيين وتدمر مصالحهم ، فانه يضرب عبر ادواته من الكتاب والصحفيين وعي الناس وقناعاتهم ويدمر تماسكهم وتفاعلهم مع جبهات القتال والصمود .
—
ومن هذا المنطلق فان من اولى الاولويات داخل الجبهة الاعلامية والثقافية ان تواجه تلك الادوات وتلك المشاريع التي تظهر هنا او هناك باثواب واشكال مزخرفة بالوطنية احيانا وبالحرص على الوطن احيانا اخرى وتدس السموم وسط السطور لتقلب مزاج الناس وتغير اهتماماتهم ، ومن المهم والجوهري ان تدرس تلك الظواهر بعناية وتتخذ لمواجهتها التدابير اللازمة وبشكل منظم ومدروس بحيث تحقق الهدف الوطني ، وتقطع الطريق على من يحركها في ان يحقق اهدافه .
—
ربما تكون جبهة الوعي اصعب من جبهة القتال، وذلك ان الخصم الذي تريد مواجهته في جبهة الوعي يقف جوارك ويدعي انه يواجه العدوان وحريص على الوطن، وحين يبث سمومه وسط الناس لايريدك ان تواجهه وتوقفه وتحذر منه، معتبرا ذلك شقا للصف ومخالفة لابجديات حماية الجبهة الداخلية ، الامر الذي يفاقم المشكلة اكثر ويجعل الناس تدخل في اتون بلبلة لانهاية لها، الامر الذي يتطلب موقفا حاسما ومدروسا يهدف الى حماية الوعي ورفد جبهة الوعي بطرق مختلفة بعيدا عن العشوائية والسطحية والمباشرة التي تصل حد السذاجة .