تفاصيل وأسرار مثيرة عن «سفاح اسطنبول» الذي دوَّخ الأجهزة الأمنية 17 يوماً!
يمانيون -القدس العربي
في منطقة «أسينيورت» في أقصى الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول يقع المجمع السكني الراقي الذي ألقت قوات الأمن التركية في داخله القبض على منفذ الهجوم الدامي على ملهى رينا الليلي في المدينة ليلة رأس السنة وقتل 39 شخصاً وأصاب العشرات معظمهم من الأجانب، وتمكن من الاختفاء عن الأنظار لمدة 17 يومياً دوخ فيها جميع الأجهزة الأمنية التركية.
ونقلت صحيفة «القدس العربي» التي قالت بأنها زارت موقع العملية والمجمع السكني الذي جرى اعتقال المهاجم داخله، نقلت إفادات وتفاصيل جديدة من السكان تضاف إلى الكثير من المعلومات التي كشف عنها والي إسطنبول ووسائل الإعلام التركية التي وصفت العملية بالإنجاز الكبير للأمن التركي.
وأكدت تركيا أمس الثلاثاء، أن العملية التي جرت مساء الاثنين أسفرت عن اعتقال «عبد القادر ماشاربيوف» والذي حمل الاسم الحركي «أبو محمد الخرساني»، وأنه اعترف بتنفيذه الهجوم على ملهى رينا، مشددة على أنها تأكدت بشكل قطعي من علاقته بتنظيم داعش الذي تبنى الهجوم، وعثر معه على قرابة 200 ألف دولار وأسلحة.
لماذا اختار «إسينيورت»؟
منطقة «أسينيورت» التي اعتقل فيها المهاجم تعتبر من المناطق الجديدة في اسطنبول وتتميز بالتداخل الكبير بين الأحياء الراقية والأحياء العشوائية المعدومة على أطراف إسطنبول، فبينما تنتشر فيها العشرات من المجمعات السكنية الراقية والفاخرة، تتداخل فيها بشكل الكبير العديد من المناطق الفقيرة والتي تسكنها الطبقة الفقيرة من الأتراك والأكراد واللاجئين الأجانب.
لكن المهاجم أقام في أحد المجمعات السكنية الراقية التي تقع على مقربة من الشارع العام الذي يمر منه خط المواصلات الرئيسي في اسطنبول «المتروبوس»، وهو مجمع لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات ويسكنه خليط من الأتراك والأجانب والعرب ويتمتع بخدمات فندقية.
وقال أحد العرب الذين يقطنون مجمع مجاور لـ«القدس العربي» أن المهاجم ربما استغل أحد خصائص المنطقة التي تتمثل في أن عددا كبيرا من الآسيويين والأفغان يقطنونها ما سهل عليه ربما الاختفاء والتحرك بحرية دون إثارة الشبهات حوله، لا سيما وأن المواطنين الأتراك الذين باتوا يحفظون وجهه بشكل جيد قدموا مئات البلاغات عن رؤية أشخاص اعتقدوا أنهم ربما يكون أحدهم منفذ الهجوم.
شهادات حية
أحد سكان المجمع الأتراك يقول لـ«القدس العربي»: «لم نلحظ أي شيء طوال الفترة الماضية، فالمجمع الذي نسكن فيه هادئ ومنظم وتحكمه إجراءات أمنية مشددة، حيث لا يدخله سوى سكانه عبر بطاقات ممغنطة خاصة بينما لا يتم السماح للزوار والمسافرين بالدخول إلا بعد الحصول على إذن من صاحب الشقة التي جاء لزيارتها»، مضيفاً: «كاميرات المراقبة تنتشر في كل مكان على البوابات الرئيسية وعلى مداخل الأبنية الداخلية»، وختم متسائلاً: «كيف يجرؤ شخص تلاحقه كل الأجهزة الأمنية على دخول مجمع سكني يتمتع بكل هذه الإجراءات ومربوط بكاميرات المراقبة؟، الأمر يزداد غموضاً حول هذا القاتل المحترف».
ويروي أحد سكان المجمع العرب لـ«القدس العربي» تفاصيل عملية الاعتقال بالقول: «عدت إلى المنزل قرابة الساعة التاسعة مساءً، كانت الأمور شبه عادية، لكني لاحظت انتشار عناصر أمنية بلباس مدني خارج المجمع السكني ولم ألتفت كثيراً للأمر لا سيما وأن الإجراءات الأمنية تم رفعها في اسطنبول خلال الفترة الأخيرة بشكل عام».
ويضيف الشاب الذي يقطن المبنى الملاصق تماماً للذي تم اعتقال المهاجم من داخله: «عقب الساعة 11 بدقائق سمعنا أصواتا عالية وشاهدت من النافذة تحركا كبيرا لقوات الأمن التي غادر جزء كبير منها قبل الساعة 12 حيث تم اعتقال المهاجم وواصل عشرات العناصر تفتيش الشقة حتى ساعات الصباح الأولى».
يجيد 4 لغات وتدرب في أفغانستان
واصب شاهين، والي مدينة إسطنبول، كشف في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، أن المعتقل عبد القادر ماشاربيوف واسمه الحركي أبو محمد الخراساني، المتهم بتنفيذ الهجوم، اعترف بمسؤوليته عن تنفيذ الهجوم وتطابقت بصماته مع البصمات المسجلة لدى الأجهزة الأمنية.
وأعرب عن اعتقاده أنه دخل تركيا في كانون الثاني/يناير 2016 بشكل غير شرعي، وأوضح أن المهاجم من مواليد أوزبكستان عام 1983، وأنه تلقى تعليمه في أفعانستان حيث يعتقد أنه تلقى أيضاً تدريباً عسكرياً هناك؛ ويتقن 4 لغات قالت وسائل إعلام تركية إنها الصينية والروسية والتركية والعربية، بالإضافة إلى لغته الأوزبكية.
وأوضح الوالي أن المتهم تنقل بين عدة منازل في مناطق باشاك شهير وزيتين بورنو واسينيورت منذ وصوله إلى إسطنبول قبل قرابة العام، وهي مناطق يقطنها بكثرة العرب واللاجئون السوريون والأجانب بشكل عام.
عراقي ومصرية من بين المعتقلين
وفي نفس الشقة الذي اعتقل فيها المهاجم، اعتقلت قوات الأمن التركية 4 أشخاص آخرين هم رجل وثلاث سيدات، وبعد أن قالت وسائل إعلام تركية إن الرجل من قرغزيستان أكد والي اسطنبول إنه عراقي الجنسية وظهر في الصور وقد وضع أحد عناصر القوات الخاصة التركية قدمه فوق رأسه.
كما جرى اعتقال ثلاث فتيات من جنسيات إفريقية من دول الصومال والسنغال ومصر، وبينما أوضحت وسائل الإعلام التركية أن الفتاة المصرية تدعى تين تارار البالغة من العمر 26 عاماً دون الكشف عن مزيد من التفاصيل عن الفتاة التي نشرت صورتها.
وعثرت قوات الأمن التي فتشت المنزل لست ساعات متواصلة عقب عملية الاعتقال على كميات كبيرة من الطعام والمعلبات، بالإضافة إلى كتيبات وكميات كبيرة من الملابس وحقائب السفر.
أين اختفى ابنه ذو الـ4 سنوات؟
قبل أيام خلصت التحقيقات إلى أن منذ الهجوم عاد في نفس اليوم عقب العملية إلى المنزل الذي كانت تسكن فيه زوجته واثنان من أبنائه، حيث اصطحب ابنه الأكبر ذا الأربع سنوات معه وترك طفلته ذات العام والنصف مع زوجته، قبل أن يتوارى عن الأنظار، حيث اعتقلت السلطات التركية زوجته ووضعت طفلته في أحد مراكز الرعاية.
لكن المفاجئ أن الطفل لم يكن يتواجد في المنزل مع والده لحظة عملية الاقتحام رغم تأكد السلطات التركية من أنه كان يعيش مع والده في نفس الشقة خلال الأيام الأخيرة، ولم تتوصل الجهات المختصة حتى الآن إلى المكان الذي أخفى فيه المهاجم طفله الصغير.
المهاجم قام بمسح جوي قبيل الهجوم
التحقيقات المتواصلة كشفت أن المهاجم قام قبيل الهجوم بثلاثة أيام بعملية مسح جوي لموقع العملية باستخدام طائرة بدون طيار «درون» قام بإطلاقها هو أو مساعدوه في سماء النادي الليلي الذي جرى فيه الهجوم حيث إنه يتكون من طابق واحد مكشوف، واعتقدت الشرطة التي رصدت الطائرة أنها تعود للملهى.
كنز معلومات
ويرى مراقبون أن السلطات التركية وعلى الرغم من فشلها الكبير في اعتقال منفذ الهجوم طوال الـ17 يوماً الماضية حققت انجازاً كبيراً في اعتقال المهاجم حياً، حيث تعتقد الجهات الأمنية أنه يمتلك كنزا كبيرا من المعلومات وتأمل في أن تتمكن من تفكيك العديد من شبكات تنظيم داعش الناشطة على الأراضي التركية، حيث بدأت على الفور حملات اعتقال واسعة في العديد من المحافظات التركية.
لكن الأهم بنظر السلطات هو التوصل إلى الارتباطات المباشرة وغير المباشرة للجهات الخارجية بالهجوم ومنفذه، حيث يسود اعتقاد واسع أن جهات «استخبارية دولية» ربما ساهمت أو ساعدت في تنفيذ الهجوم وهو ما تسعى للتوصل إليه من خلال التحقيق الذي سيتواصل لفترة طويلة مع المعتقل.
ورداً على سؤال حول تورط استخبارات أجنبية في الهجوم، أكد والي اسطنبول أنه من غير الممكن حاليًا القول بأي شيء من هذا القبيل، لافتًا إلى أن تلك الأمور تظهر تباعًا خلال التحقيقات.
وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شكره لوزير الداخلية سليمان صويلو ومدير أمن اسطنبول وقوات الشرطة على نجاح العملية، كما شكر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو «باسم الوطن» الشرطة ووزير الداخلية سليمان سويلو، في تغريدة على موقع تويتر.
أما رئيس الوزراء بن علي يلدريم، فقال للصحافيين إن «الأهم هو القبض على منفذ هذا الهجوم الشنيع وكشف القوى التي تقف خلفه. هذا تطور مهم بالنسبة لنا».