أفق نيوز
الخبر بلا حدود

دماء..يحسبونها ماء

222

 شفاء عبدالله
تعثرت بحجر صغير ووقعت ،فلم تستطع ان تستقم بسهوله ،وبعد ان وقفت كانت ترتعش وتتلفت في كل الاتجاهات، كأنها تبحث عن شخصاٍ ما، او عن شيئاٍ ما، فتارةً تبدو كأنها تائهه وخائفه، مظهرها يجبر أي شخص قد يراها على سؤالها،
مابك؟
عن ماذا تبحثين؟
من أين اتيتي؟
هل تريدين المساعده؟
وهذه بالفعل هي الاسئله التي طرحتها عليها ، لكنها للاسف لم تكن قادرةً على الكلام، فقد كانت شبه منهاره ويبدو عليها الحزن الشديد رغم صغر سنها ،وكل ما فعلته انها استمرت تتلفت يميناً وشمالاً وتلك الرعشه تهز اطراف فستانها المهترئ .
خفت كثيراً حين وقعت على الارض وغطت عيناها بيديها الصغيرتين وبدأت تبكي بكاء وجع وخوف، فأجبرتني مجدداً على سؤالها ،ما بالكِ يا صغيرتي ؟ لما كل هذا البكاء؟لا تخافي فانا اريدُ ان اساعدكِ ! ،هل اضعتي منزلك؟
لكن البكاء كان يجعل حديثها متقطعاً فتنطق بكلمات مقطعه وغير واضحه ولم افهم منها شيئاً ، فجلست على الارض الى جوارها، وحاولت ان اجعلها تهدأ وبدأتُ امسك يديها الباردتين والصغيرتين واضمها إليّ قليلاً، فكنت اشعر بدقات قلبها قويةً وسريعه ، ضممتها لأكثر من ربع ساعه وبالكاد بدأت تهدأ وتتوازن.
بعد ذلك وضعت عينيا في عينيها وكررت السؤال ما بك؟ فنطقت ،لكنها نطقت كلمةً واحده واضحه فقط قائلةً… الميج…
فلم افهمها من اول مره فكررت …الميج…
ثم نظرت للسماء إذ كان صوت الطائرة واضحاً وهي تحلق في تلك اللحظات.
ففهمت ان ما يخيفها هو الطائره والقصف فأمسكت بها مجدداً وحاولت ان اجعلها تشعر بالامان، وبدأت اتحدث عن موضوعا مختلف واحاول ايجاد اطفال يمرون بجوارنا كي اجعلها تهدأ.
بعد ذلك وقفت انا وتلك الفتاه الصغيره ذات الشعر الذهبي وبدأنا نمشي ولا تزال يدي في يدها ، فكنت اشعر بقبضتها القويه ليدي، وحين إقتربنا من السوق نطقت مجدداً وقالت: اين سايرين.. فاجبتها الى اي مكان تريدينه، فقالت أريد الذهاب الى المستوصف!!
حينها بدأت احاورها وسألتها ما قصتك أيتها الجميلة ، فقالت والدمع لايزال يتأرجح في عينيها، لم اعد املك سوا اثنين من اخوتي احدهم جريح في المستوصف وقد خرجت حين سآئت حالته لأبحث عن اخي الاخر لكني لم اجده!!
فأعدت سؤالي لها ماذا عن بقية عائلتك؟ هل ماتوا في القصف؟
فعادت لتكرر …الميج… اخذت عائلتي واخذت بيتنا الكبير وابن اخي المولود وسيارة ابي، وامي ثم توقفت عند كلمة امي وكررت امي تركتنا انا واخوتي وبعد ذلك عادت لتعدد الخسائر فتذكرت وقالت وملابسي الجميله ، انا لم اعد املك سوا اثنين من اخوتي واحدهم جريح وجرحه بليغ.
احداث كثيره تلت لقائي بهذه الفتاه، كلها كانت مؤلمه وصعبه ، تعرفت على اخويها وعلى تفاصيل كثيره عن حياتهم قبل العدوان وقبل ان تقرر الميج اللعينة ان تسرق الفرحه منهم ، وكيف باتت اوضاعهم مختلفه تماماً عن ما كانوا يعيشون فيه من جو دافئ وتفاصيل اسريه جميله.
هكذا هو الوضع مع الآف الاسر اليمنية ومعاناة الاطفال هي ابشع ما قد يسببه اي اعتداء ،عددالضحايا والذين يفقدون ذويهم يتزايد بشكل يومي، والمجازر تخلف الالاف امثال حالة ايمان واخويها ،والصمت العالمي الدولي المقيت مستمر في موقف المشارك و المتفرج على هذا الاعتداء الكهنوتي على الدين الاسلامي والمسلمين .
تعيش ايمان الان ،مع اخويها والذي احدهما جريح واصابته خطيره، ويحتاج لرعاية فائقه ،في منزل عمها في منطقه بعيده عن مدرستها،وركام منزلها وبقايا ذكريات والديها وعائلتها، يغلبها الخوف والشعور بالوحده والبرد المستمر، تحاول ان تتماسك رغم انها لا تعرف بعد ما معنى ان اتماسك امام الصعاب، ترى اخيها الجريح فتتذكر لمسات والدتها حين كان يمرض وتتمنى لو ان الميج تركت لها ولاخيها الجريح والدتهما .
تبكي ايمان فتنتهي من البكاء لتجد نفسها امام نفس الوضع الحاصل ، فتستغرب اذ انها حين كانت تبكي لاجل اي شئ كان والديها واخوتها الذين يكبرونها في السن يسارعون ليفعلوه لها…الوضع مختلف تماماً فحتى البكاء لم يعد ينفع!!!
ماذا عساها ان تفعل، وكيف سيكون مستقبل هذه الطفلة اليمنية المسلمة؟
*الطفلة: إيمان حاله من الواقع .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com