يسودُ اعتقادٌ لدى معظم الشعوب اليوم، أن الجِزَرَ يحتوي على مواد تقّوي النظر، هذا الاعتقاد يعودُ إلى الحرب العالمية الثانية عندما أراد البريطانيون أن يضفوا على طيّاريهم ميزةً تقول إن بإمكانهم رؤيةَ مواقع جنود هتلر الألمانيين بدقّة عالية، فيما لا علاقةَ حقيقيةً للجزر بقوة أَوْ ضعف النظر، فقد كانت هذه واحدة من أساليب الحرب الإعلامية، التي قد لا يتصورُ المرءُ أن بالإمكان استخدامها في الحرب وبالتالي لا مجال للتشكيك فيها.
انطلاقاً من ذلك وفي ظل العدوان السعودي الأمريكي على اليمن والذي يستخدم الإعلامَ كأحد الأذرع الرئيسية وليس الفرعية في حربه على اليمن، تُعَدُّ مقاطَعةُ إعلام العدو من قِبل أفراد المجتمع ضروريةً للغاية، ليس لأن أحداً يريدُ أن يحجبَ حقائقَ عن المجتمع أَوْ لأن لدى إعلام العدو حقائقَ نخشى منها، وإنما لأن الحرب الإعلامية تأخُذُ أشكالاً وتقفُ وراءها مُؤسّسات عادة ما يكون هدفها الرئيسي هم المجتمع؛ لأنها تملك مواداً إعلامية يتم صناعتها بشكلٍ قد يسهل أن تجعل المتلقي فريسة لها.
والمطالبة بمقاطعة قنوات ووسائل إعلام العدوان، باتت في الوقت الحاضر مُلحاً وضرورياً؛ نظراً لما تمتلكُه تلك القنوات من أساليب متعددة لتضليل المتابع لها، دون أن يتمكنَ الكثيرُ منهم من اكتشاف التضليل الذي تقدّمه تلك الوسائلُ التي تعمَلُ على صناعة المادة الإعلامية والترويج لها بشكل خادع.
ولكي يصبحُ الكلامُ عن مقاطعة إعلام العدوان مقنعاً، يجبُ معرفةُ بعض أساليب تلك الوسائل التي يقف وراءها خبراء أمريكيون وبريطانيون استطاعوا تضليلَ العالم العربي والإسلامي منذ ثورة الإعلام بصورته الحديثة وكذلك في الصورة التقليدية للإعلام.
على سبيل المثال، قد يقول قائلٌ إنه يتابع قناة ما من قنوات العدوان بغرض الاطلاع على ما تقولُه تلك القناة، ولكن في الواقع فإن القناةَ المعادية لا تقدم نفسَها على أنها ليست صوتاً إعلامياً للعدو ولا تحاول أن تقنعَ المتلقي بعكس ذلك، لكنها تحاولُ أن تنفذَ إليه بعدة طرق.
ومن تلك الطرق مثلاً، وإلى ما قبل فبراير من العام 2016 كان مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي يسيطرون على مدينة ذو باب الواقعة إلى القُرب من باب المندب، قبل أن يسيطرَ عليها أبطال الجيش واللجان الشعبية في ذلك الشهر، فقد كانت قنواتٌ مثل العربية السعودية والجزيرة القطرية وبقية قنوات وأبواق العدوان لديها جميعاً تبث مشاهد مصورة من داخل مدينة ذو باب برفقة مرتزقة العدوان السعودي، ومع الزحوفات التي شهدتها المدينة في الأيام الماضية وادعاءات العدوان السيطرة عليها، كانت تلك القنوات تبث تسجيلات سجّلت في فترة سيطرة المرتزقة على المدينة، بينما المتلقي لا يعلم أن تلك المشاهد قديمة، ولذلك يقول المتلقي بأنه لا يصدق الكلام الذي تقوله القناة؛ لأنها معادية لكن كيف يكذّب الصورة التي يتم عرضها؛ لأنه لا يعلم أن بالإمكان أن يقعَ في ذلك الفخ، ولذلك يكون من الضروري مقاطعة تلك الوسائل تحصيناً للذات من الجهد الكبير الذي تبذلك تلك الوسائل لتضليل المتلقي.
ليس هناك خلافٌ على أن الحربَ الإعلامية هي حربٌ معترَفٌ بها وبتأثيرها، وأنها وسيلةٌ يسعى من خلالها العدو لتحقيق إنجاز ميداني دون أن يبذل جهداً في الواقع الميداني ذاته، وإذا كان في الإعلام حرب شعواء، فإنها كالحرب الميدانية لا يجوزُ فيها أن يضعَ المقاتل نفسَه في مرمى نيران عدوه، فكيف يضعُ نفسَه باختياره في مرمى نيران الإعلام؟
وفي الوقت الذي يمثّلُ جمهورُ المتلقين للمادة الإعلامية نسبة 99% من الناس الذين ليسوا متخصّصين في الإعلام، وبالتالي يجهلون أساليبَ ووسائلَ العدو في النفوذ إلى المتلقين والتأثير عليهم بطرق لا يتوقعونها، وإن ظنوا أنهم على وعي كبير بأنهم في مواجَهة وسيلة إعلامية معادية.
وهناك مثالٌ آخر للتضليل الذي لا يمكن للمتلقي غير المتخصّص أن يدركه، وقد يؤثر عليه تدريجياً، وهنا نعود مجدداً لقنوات ووسائل إعلام العدوان التي لم تتركْ أسلوباً أَوْ طريقة للتضليل إلّا واتبعتها، إذ أن مساحةَ المعركة جغرافياً تعد مساحة شاسعة ومتشابهة من منطقة إلى أخرى، ولذلك فإنه وعلى سبيل المثال قلةٌ من المتلقين هم الذين يعرفون تضاريسَ وجبال منطقة نهم، ولعلهم معظمهم هم من أبناء المنطقة نفسها، أما البقية فهم لا يعرفون المنطقةَ وجبالها.
وهناك تأتي قناة العربية أَوْ الجزيرة وتصوّر مشهداً من أحد الجبال الأخرى في اليمن من الواقعة تحت سيطرة المرتزقة وتقول إنها مشاهد لسيطرة المرتزقة على جبل القتب في نهم، فيما سيعتقدُ المتلقي أنه وبغض النظر عن معرفته بعدائية تلك الوسيلة لكنه قد يقولُ كيف بالإمكان تكذيب الصورة؟؛ لأنه في الحقيقة وقع في فخ التضليل وصدّق معلومة قدمها له العدو بأن ذلك الموقع هو في جبل القتب بينما هو ليس كذلك، ولذلك فالمتلقي عندما يقولُ إنه صدّق الصورة ولا يصدّق الكلام الصادر عن قناة العدوان فهو يكون مخطئاً لأنه لا يعلم أنه قد صدّق كلام القناة التي قالت له إن الصورة تعود لتلك المنطقة وهي ليست كذلك؛ لأن المتلقي لا يعرفُ أصلاً المنطقة ليحكم إذا كانت هي أم لا.
ما سبق يعد جانباً بسيطاً من عدة جوانبَ لا يمكن حصرها من الأساليب التي يتخذُها العدو وسيلةً لتضليل المتلقي إعلامياً، وبالتالي يجب على المتلقين تحصينُ أنفسهم ووعيهم من الوقوع في فخ التضليل، وحماية أنفسهم من تعريضها وعَرْضها أمام العدو في إطار الحرب الإعلامية.
وإذا كان ذلك من باب تحصين النفس من الوقوع في فخ التضليل، فإن مقاطَعةَ قنوات ووسائل إعلام العدوان، واجبةٌ على الناس من الناحية الشرعية واستجابة لأوامر خالقهم، حيث ورد في القرآن العديدُ من الآيات التي تنهى صراحةً عن الاستماع لما يقوله المنافقون.
ولذلك فإن مقاطعة إعلام العدوان من الناحية الشرعية تعد استجابة لأمر الله الذي يقولُ في سورة الأنعام “وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” صدق الله العظيم.
وفي آية أخرى تحذر من الاستماع للافتراءات بل وتضع من يفعل ذلك في صف الفاعلين، وذلك في سورة النساء، حيث يقول الله تعالى “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا” صدق الله العظيم.
إن الاستجابة لأوامر الله هي من الأمور الواجبة على كُلّ الناس، ومن ناحية أخرى فإنه وفيما يخُصُّ مقاطعة إعلام العدوان فإنه تعد استجابةً طبيعية لمسعى الإنسان لعدم الوقوع في التضليل؛ كون الإنسان الطبيعي يسعى لمعرفة الحقيقة وليس الزيف، ومن مصلحته أن تكون معلوماته سليمة وألا يكون ضحية وفريسة لعدوه الذي يسعى لتهديد وجوده بكل الأساليب والتي بات الإعلام أهم ركيزة يعتمد عليها الأعداء وإلا لما بذلوا الجهود ودفعوا الأموال لتشغيل كُلّ تلك الوسائل الإعلامية والقنوات ولما بذلوا جهوداً وأنفقوا أموالاً لحجب القنوات المناهضة للعدوان من الأقمار الصناعية.