عبدالباري عطوان : اردوغان يبحث عن “طوق النجاة” في الخليج لإنقاذ اقتصاده من الانهيار.. والاستحواذ على مقعد مصر في “الحلف السني” الذي يريد ترامب إعادة احيائه ضد ايران.. فهل تحقق جولته الخليجية الحالية ضالته؟ ولماذا استثنى الامارات والكويت والسلطنة منها؟
188
Share
عبد الباري عطوان
بدأ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اليوم (الاحد) جولة خليجية تشمل البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر، تهدف الى تحقيق عدة اهداف سياسية واقتصادية في محاولة لإنقاذ اقتصاد تركيا الذي يواجه ازمات غير مسبوقة تضعه على حافة الانهيار، وكسر الحصار الأوروبي.
التوقيت السياسي لهذه الجولة كان لافتا، مثلما كان لافتا أيضا استثناءها ثلاث دول خليجية أخرى هي الكويت والامارات وسلطنة عمان، فالقوات التركية، مثلما اعلن الرئيس اردوغان في مؤتمر صحافي في مطار اتاتورك بانقرة قبيل مغادرته، على وشك السيطرة على مدينة الباب السورية، والعلاقات بين تركيا وإدارة الرئيس دونالد ترامب الامريكية مرشحة للتحسن في الأشهر المقبلة على ارضية اتفاق الجانبين على إقامة مناطق آمنة في سورية.
الرئيس اردوغان الذي يملك انفا شديد الحساسية لتقلبات الأوضاع السياسية في المنطقة، وتركيب تحالفات جديدة وفق توجهات رياحها، يدرك جيدا ان الرئيس ترامب يريد إعادة احياء محور “الاعتدال” العربي، وتكوين تحالف سني في مواجهة ايران الشيعية، ولهذا سارع بشد الرحال الى دول الخليج التي ستكون محور هذا التحالف.
بمعنى آخر، يريد الرئيس اردوغان ان يقدم نفسه كـ”عمود الخيمة” في هذا التحالف، وان يقدم نفسه وبلاده كبديل لمصر التي باتت اكثر ميولا الى التحالف الروسي السوري الإيراني، وتتصف علاقاتها مع معظم دول الخليج، والسعودية وقطر خاصة، بالتوتر الشديد لاسباب ليس هنا مكان شرحها.
***
عرض الرئيس اردوغان هذا سيجد اذانا صاغية في أوساط مضيفيه الخليجيين، والسعوديين منهم على وجه الخصوص، الذين يخوضون حربا بالإنابة ضد ايران في ثلاث جبهات هي سورية واليمن والعراق، ولكنه عرض ليس مجانيا، ولا يمكن ان يكون دون مقابل.
التقارير حول الاقتصاد التركي المنشورة في عدة صحف متخصصة مثل “الفايننشال تايمز″، بالإضافة الى تقديرات صندوق النقد الدولي تؤكد ان “ربيع الاقتصاد التركي انتهى”، وان البلاد مقدمة على كارثة مالية واقتصادية معا، فالليرة التركية في حال انهيار، وفقدت حوالي ثلثي قيمتها في الأشهر العشرين الماضية، ووصلت الى معدلات غير مسبوقة منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، وأصبحت قيمة الدولار الواحد تساوي اربع ليرات، وفشلت كل تدخلات المصرف المركزي التركي الذي ضخ قبل أيام 1.5 مليار دولار من العملات الصعبة في محاولة لاحتواء هذا الانهيار، يتحقق أهدافها.
صندوق النقد الدولي قال في تقرير له أصدره في بداية هذا العام، “ان الضبابية المتزايدة التي تحيط بالمشهد السياسي التركي، وتراجع السياحة (حوالي 35 بالمئة) وارتفاع مستويات ديون الشركات جميعها تؤثر سلبا على اقتصاد البلاد، حيث من المتوقع ان ينخفض معدل النمو الى 2.99 بالمئة هذا العام (2017)، بعد ان وصل الى 10 بالمئة عام 2009، فالبلاد تعيش فوضى سياسية منذ الانقلاب العسكري صيف العام الماضي”، وازدادت بعد حملات الاعتقال التي شملت مئة الف شخص بينهم نواب ومصادرة الكثير من الحريات التعبيرية.
القطاع السياحي الذي كان يدر على خزينة الدولة حوالي 36 مليار دولار سنويا، هو الأكثر معاناة بسبب العمليات الإرهابية التي استهدفت العاصمتين: السياسية انقرة، والاقتصادية التاريخية إسطنبول، ويشكل هذا القطاع نسبة 8 بالمئة من التشغيل للعمالة في البلاد، مضافا الى ذلك ان تركيا، وبسبب الإرهاب، لم تعد الوجهة المفضلة للاستثمارات الأجنبية.
الرئيس اردوغان لا يؤمن بالحلول المطروحة وابرزها رفع سعر الفائدة لإنقاذ الليرة، لانه على قناعة بأن الاقدام على هذه الخطوة سيؤدي الى انخفاض معدلات النمو، ولكن هذه المعدلات تنخفض سواء رفع سعر الفائدة او لم يرفع.
الحلول التي يقترحها الرئيس اردوغان تقول ببيع الاتراك للذهب والعملات الأجنبية وشراء الليرة التركية، ويؤمن ايمانا راسخا بأن هناك مؤامرة دولية ضد تركيا يقودها الغرب، وابرز أسلحتها تخفيض قيمة الليرة التركية، واعتبر ان كل من يحتفظ بالدولار او اليورو “خائن”، وخرج بنظرية تقول “ان لا فرق بين الإرهابي الذي يمسك بالبندقية في يده، وبين الإرهابي الآخر، الذي يضع الدولار او اليورو في يده أيضا، لان كليهما يهدفان الى حرف تركيا عن أهدافها.
في ظل توقعات عديدة بإنهيار اقتصادي وشيك، يلجأ الرئيس اردوغان الى الدول الخليجية طلبا للنجدة، والنجدة التي يريدها هي فتح أسواقها امام البضائع التركية أولا، وضخ عشرات المليارات من الدولارات كإستثمارات في تركيا، ولكن كيف ستصل هذه البضائع بعد ان أغلقت كل الحدود السورية والعراقية، وبما يمنع وصولها الى أسواق الخليج برا، وسياساته فيالتدخل في سورية لعبت دورا كبيرا في هذا الصدد.
***
معظم الدول الخليجية تواجه عجوزات مالية ضخمة هذه الأيام بسبب تراجع احتياطاتها المالية، نتيجة انخفاض أسعار النفط، وباتت تفرض إجراءات التقشف على شعوبها وتقترض من الأسواق المالية والبنوك العالمية، فالسعودية تخوض حرب استنزاف مالي وبشري في اليمن، وقطر مثقلة بالاعباء المالية الإضافية الناجمة عن تكاليف البنى التحتية لمنشآت كأس العالم التي تقدر بنصف مليار دولار أسبوعيا (الكلفة النهائية قد تصل الى 150 مليار دولار)، هذا الى جانب اعباء تمويل حلفائها السياسيين في ليبيا ومصر (حركة الاخوان)، وفوق هذا وذاك العجوزات في موازنتها العامة، اما البحرين فوضعها المالي لا يحتاج الى شرح.
لا نعرف لماذا لم يعرج الرئيس اردوغان على ابو ظبي في جولته هذه، حيث تحسنت العلاقات التركية الإماراتية في الفترة الأخيرة، بعد زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الى انقرة، التي قيل انها أعطت ثمارها في إزالة اهم عقبة كانت توتر العلاقات بين الجانبين، وتتمثل في وجود معارضين اماراتيين في إسطنبول (يعتقد انهم من حركة الاخوان)، ووافقت حكومة اردوغان على ابعادهم من اراضيها الى جهة مجهولة (يعتقد انها اما بريطانيا او قطر)، حسب تقارير إعلامية راجت في الفترة الأخيرة، وجرى التكتم عليها.
الرئيس اردوغان خسر العراق وايران اقتصاديا، مثلما توترت علاقاته مع الاتحاد الأوروبي على ارضية نتيجة ازمة اللاجئين السوريين، فهل تكون دول الخليج هي البديل المعوض؟
لا نملك غير الانتظار، فالجولة في بدايتها، وان كان لدينا الكثير من الشكوك، فإذا كان من الصعب علينا التنبوء بمواقف الرئيس اردوغان سريعة التغير، وصمود تحالفاته بالتالي، فإننا نرى ان الدول الثلاث التي سيزورها لا تملك “طوق النجاة” الاقتصادي وربما السياسي الذي يبحث عنه، وانما بعض الوعود “التحذيرية”.. والله اعلم.