روح من دار الخلود
بقلم/ زينب الشهاري
أيتها الروح المسافرة نحو دار الخلود أخبريني سرك المخبوء الذي أعلاك تلك المنزلة و أنالك ذاك التشريف و جعلك تحظين بذاك الإصطفاء و توهبين حياة السرمدية و النعيم المقيم …
أنا الروح التي تسامت على دنيا الفناء و تعلقت بدار الخلود و مضت تخط مسيرة معراجها في درب العلا بخطوات ثابتة في ساحات الحتوف أنا الروح التي استسهلت كل عسير و ذللت كل مشقة… و خاضت غمار الملمات و نازلت الأهوال و صارعت الخطوب واسترخصت ذاتها في سبيل الظفر بمرادها و الفوز بمبتغاها.
أنا الروح التي سارعت تلبي و تذعن و تمتثل و تنصاع للإرشادات القرآنية و الأوامر القدسية و التوجيهات الربانية …. فآثرت و اختارت طريق الجهاد و لم ترضَ عنه بديلا و لم تبغِ عنه حولا و تركت المال و الولد خلفها و تخلت عن الراحة و الدعة و رغد العيش و فضلت الجهد و العناء و الكلل و جعلت من الفيافي و القفار سكنها و من الدعاء و القرآن و الذكر زادها و مضت تلبي نداء الجهاد و داعي الرحمن …
أنا روح مضت تكف الضيم و توقف أيادي المعتدين و تصد الشر و تردع فلوله و تنكل بمرتكبيه …
أنا روح جل مناها و منتهى أملها أن يبقى ثرى وطنها نقياً من رجس الآثمين و طاهراً غير مدنس أو مستباح من الطغاة المستكبرين..
أنا الروح التي لم تتوانَ أو تتكاسل أو تتخاذل و لم تقارن نفسها بغيرها من المتقاعسين المتخلفين المتوانين الواهنين و تسابقت مع مثيلاتها في دروب المجد و حجزت لنفسها مقعداً من نورٍ و منزلة من ضياء و رتبة لا تظاهيها أي رتبة في العظمة و الجلال و الذي لا يساوي كل متاع الحياة الدنيا لحظة من لحظات العيش فيها…
أنا الروح التي أدركت حقيقة الحياة و فهمت مغزى الوجود و عرفت أن كل شيء دون مرضاة الله و السير في نهجه و التضحية في سبيله هباءا منثورا و أن الحياة الحقة الدائمة هي حياة الشهادة الأبدية…
أنا الروح التي استقبل أهلها خبر نزولها ضيفة عند بارئها بالزغاريد و الفرح و السرور وعلموا أن لا مكان أفضل من المكان الذي نزلت فيه و حظيت به و أكرمها به المولى العزيز القدير…
أنا الروح التي يظل ذكرها على مدى الدهور يعطر القلوب و يزين النفوس و يشرح الصدور فتمتلىء الأرواح غبطة و اشتياقا للنعيم المقيم الذي حلت فيه و ظفرت به.
أنا الروح التي سقت بدمائها الزكية تربة بلدها فنما منها المجد و أزهر الانتصار و أثمرت منها أشجار النخوة و الإباء و الحرية في الأمة جمعاء.
أنا الروح التي ضحت من أجل كرامة و عزة أبناء وطنها و تركت فيهم أفراد أسرتها أمانة و ارتجت منهم تعهدها بالصون و الرعاية…
أنا روح الشهيد التي تستثير كل شهم و تنادي من جنان الخلد كل حر أن استمر في درب العطاء و البذل لتعيش حياة الكرامة دون ذل أو مهانة و اذخر نفسك لميادين الجهاد التي لا يخوض غمارها إلا كل حر شريف و أذق المعتدين من بأسك و قوتك و ابني لبلدك صروح المجد و شيد بنيان العزة و حررها من سجون العبودية و الاستكانة.