عبد الباري عطوان :ترامب يتبنى مواقف نتنياهو كاملة ودفن حل الدولتين وفرض الاعتراف بيهودية إسرائيل.. والخطر الأكبر هو تأسيس محور عربي إسرائيلي لمواجهة ايران وطموحاتها النووية والبدء بمؤتمر سلام تطبيعي كخطوة أولى
212
Share
عبد الباري عطوان
تابعنا المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ختام زيارة الأخير الرسمية لواشنطن، وشعرنا ليس فقط بالتطابق الكامل في وجهتي نظر الطرفين حول قضايا منطقة الشرق الأوسط، وانما أيضا بأنه كان من الصعب علينا التفريق بين لغتيهما وافكارهما، وكأن نتنياهو كان يجيب على الأسئلة الموجهة اليه والى مضيفه في الوقت نفسه.
النقطة المحورية في هذا المؤتمر الصحافي لم تكن القضية الفلسطينية، وانما تبني الرئيس ترامب لموقف حكومة نتنياهو تجاه الملف النووي الإيراني، عندما قال لن نسمح لإيران ابدا بحيازة السلاح النووي، وان الاتفاق النووي مع ايران “هو أسوأ الاتفاقات التي رأيت”، واكد “انه سيقوم بفرض عقوبات جديدة، والاقدام على خطوات اكبر لمنع ايران كليا من ان تطور سلاحا نوويا”، وتعد بحماية إسرائيل من أي خطر نووي إيراني.
***
المعلومات القادمة من واشنطن تؤكد ان ابرز النقاط التي تم الاتفاق عليها أيضا بين نتنياهو وترامب إعادة احياء المحور السني العربي لمواجهة ايران، وعقد مؤتمر دولي تشارك فيه الدول العربية المعتدلة الى جانب إسرائيل هدفه المعلن بحث إيجاد حل للقضية الفلسطينية، اما هدفه الخفي فهو بدء عملية التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية “سنية” خليجية على وجه التحديد.
نتنياهو حصل على كل ما يريد واكثر من مضيفه الأمريكي، حصل على تصريح بدفن حل الدولتين، وضوء اخضر بالمضي قدما في تكثيف الاستيطان في الأراضي المحتلة، ووعود بالضغط على الطرف الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مما يعني حرمان مليون ونصف المليون فلسطيني من عرب الأراضي المحتلة عام 1948 من حقوق المواطنة والمساواة، وتأكيد عنصرية الدولة الإسرائيلية.
ترامب وضع المنطقة كلها على فوهة بركان التطرف والعنف والإرهاب، بإنحيازه الكامل الى وجهة النظر الإسرائيلية الاستيطانية، واذكاء نيران الاستقطاب الطائفي والعرقي في منطقة الشرق الأوسط، والنظر اليها من المنظور الإسرائيلي الصرف.
السلطة الفلسطينية انتهت، بإنتهاء ودفن حل الدوليتن، وحوّلها ترامب بمواقفه هذه الى “روابط قرى” أخرى، بل اكثر سوءا، وبات دورها محصورا في التنسيق الأمني لحماية الاحتلال ومستوطناته ومستوطنيه ولا نستغرب ان تحديد هذه الوظيفة مجددا كانت الهدف الأساسي لزيارة مايك بومبيو، رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه) لرام الله ولقائه امس بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهذه زيارة امنية، ولاملاء الأوامر وتحديد الادوار فقط، وليس هناك امام السلطة ورئيسها غير الطاعة والتنفيذ دون أي نقاش.
***
حركة المقاومة الإسلامية “حماس″ استشعرت هذا التطور المرعب الذي تقف القضية الفلسطينية على ابوابه، وأثبتت كوادرها قمة المسؤولية عندما انتخبت قيادة جديدة متشددة لقطاع غزة، يتزعمها السيد يحيى السنوار، ويساعده كل من خليل الحية وروحي مشتهى، قيادة توحد بين جناحي الحركة السياسي والعسكري، لأول مرة منذ عشر سنوات على الأقل، والمأمول ان تفعل كوادر حركة “فتح” الشيء نفسه، وترتقي الى حجم المسؤولية الملقاه على عاتقها في ظل هذا الانحياز الأمريكي المطلق، لاكثر الحكومات تطرفا وعنصرية في تاريخ دولة الاحتلال القصير، وتستعيد ماضيها النضالي المشرف، وتخرج بالتالي من مسلسل الاستسلام والخداع وبيع الوهم تحت عنوان السلام المغشوش والوهمي.
التشدد والعنف والإرهاب والتضحيات الجسام، والفرز بين الوطنية واللاوطنية، هو عنوان المرحلة الجديدة، ولا نشك مطلقا في ان النصر سيكون حليف المؤمنين بالعزة والكرامة ومقاومة الظلم بالطرق كافة، ولعل وصول ترامب الى السلطة فأل طيب لايقاظ النيام المخدرين العرب والفلسطينيين خاصة، فقد يأتي الخير من باطن الشر.