– لم يأت ” ترامب ” بجديد وهو يتوعد الإرهاب ( الإسلامي ) بالحرب وبالحظر من دخول أمريكا ، فقد سبقه إلى ذلك بوش الصغير بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، حين أعلن عن الحرب على الإرهاب بلغة دينية، أعادت إلى الأذهان مصطلح الحروب الصليبية بين الشرق والغرب .
الوثبة الأمريكية التي استهدفت أفغانستان ثم العراق، وحاصرت كثيراً من الدول العربية والإسلامية بإجراءات رقابية صارمة ، وبابتزاز مكشوف ، لم تكن بهدف محاربة الإرهاب ، بقدر ما كانت تعبيراً عن السطوة الأمريكية تجاه القوى الدولية الصاعدة حتى لا تنازع واشنطن في سيادتها على العالم .
وحين بدت أمريكا وكأنها قد تخلصت من الإرهاب وتنظيم القاعدة، وأصبحت ملزمة بالانسحاب من العراق وأفغانستان، وجدت نفسها وكأنها تغامر بنفوذها وهيبتها وبمصالحها المتشابكة في المنطقة الغنية بالنفط ، والزاخرة بحكام يتسابقون على إرضاء وإشباع نهم القيادة الأمريكية .. وهنا ظهرت ” داعش ” !
وإذاً فلا تزال الحرب على الإرهاب قائمة ، وعلى أمريكا أن تواصل المهمة في الشرق الأوسط.. ولا بأس هذه المرة من التلاعب بالمصطلحات، واستغلال الانقسام الطائفي بين شعوب المنطقة، وربط الإرهاب بالجماعات الإسلامية الدينية المتطرفة.
غير أن السياسة الناعمة قادت بقصد وبغير قصد الى انكشاف الحليف السعودي ، الذي تلقى في السنوات الأخيرة صفعات متوالية بعد أن بات العالم يتحدث عن الرباط المتين بين الإرهاب والسلفية الوهابية السعودية .
وفي أمريكا نفسها تعالت الأصوات للمطالبة بمحاكمة الضالعين في أحداث 11 سبتمبر – وأغلبهم سعوديون- ، وصولاً إلى إقرار قانون ( جاستا ) الذي بدا وكأنه مفصل على السعودية شعباً وحكومة !
لكن في الوقت الذي كانت حملة ترامب الانتخابية تتصاعد باتجاه التحريض على المسلمين وعلى “داعش” و “الإرهاب” كانت الصفقة بين ترامب وآل سعود قد قطعت مراحل متقدمة إلى درجة أن ترامب لم يتهيب تدوير الصورة ، وهو يعلن عن محاربة ( الإرهاب الإسلامي ) ، وحظر مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول أمريكا ، ليس بينها السعودية .. ولاحقاً يأتي الترحيب السعودي والإماراتي بالخطوة الأمريكية للتأكيد على إنجاز الصفقة .
وما لم يفصح عنه ” ترامب ” تكفل به وزير الدفاع ، الذي تكلم بوضوح أن ” إيران ” هي راعية الإرهاب في العالم !. وما ينطبق على إيران ينطبق على حلفائها قطعاً.. وهذا يعني أن بوصلة الحرب على الإرهاب في المنطقة تتخذ مساراً آخراً ، بما ينسجم ومخططات الإدارة الأمريكية. وبالطبع فإن المسألة لا تقتصر على المساومة والابتزاز ، واستنزاف السعودية ودول الخليج ، أو كبح جماح إيران ، لكنها تعني من جهة أخرى أن أمريكا لا تريد لهذه المنطقة أن تخرج من دوامة الحروب واللا استقرار ، وما دامت ” داعش ” واخواتها تؤدي دوراً كبيراً في هذه المهمة ، فلا ينبغي التخلص منها ، بل يجب انعاشها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة !
هكذا تراقص أمريكا الإرهاب والحكومات، وهكذا تتلاعب بالعقول والمصطلحات، غير أنها ما كانت لتنجح ، لولا أن فيروس ” الكراهية ” قد استفحل بين شعوب المنطقة ، فأعمى قلوبهم وأبصارهم !