العلاقات السعودية الامريكية .. تعرف عليها من الداخل
224
Share
يمانيون -متابعات
– السعوديّة لا تزال “أهم حليف عربي” لأمريكا، رغم طفرة الخلافات في السنوات الأخيرة. فبعد وفاة الملك عبدالله طرحت الصحف العالميّة تساؤلات عن واقع التحالف بين واشنطن والرياض.
اليوم، وبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض تردّدت مجدّداً أصداء هذا السؤال، الأمر الذي دفع بمنظمة “أنتيليجينس سكواد” في أمريكا لعقد اجتماع شمل مجموعة من الخبراء من مؤيدي طبيعة العلاقات بين الدولتين ورافضي ذلك، وذلك لمناقشة العلاقة التي تجمع واشنطن بالرياض. وفي النتيجة أفاد 56 بالمائة من الحضور بأنهم على اقتناع تام بأن السعودية يجب أن تظل حليفا استراتيجيا لأمريكا.
إلا أن ستيفن كوك خبير الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية كان له كلام آخر في المضمون وإن لم يختلف في الشكل حيث شدّد على إلزاميّة العلاقة بين البلدين لأنه “في حال تركت الولايات المتحدة السعودية في عهدة الأجهزة الخاصة بها، فسيترتب عن ذلك نشر المزيد من الفوضى في الشرق الأوسط”.
نتفق مع كوك في جزء من كلامه، ونختلف معه في الجزء الآخر. قد ذكرتُ في هذه الزاوية سابقاً، ولأكثر من مرّة، أن السياسة الخارجيّة السعودية في حقبة سلمان قوامها الهمجيّة، ولا شيئ آخر. فقطار الجنون السعودي الذي يقوده الأمير الشاب عديم الخبرة محمد بن سلمان غير معروف الوجهة أبداً، تماماً كما يفعل الشاب في بداية قيادته للسيارة من قبيل السرعة والتهوّر والسير للسير دون أي وجهة محدّدة.
وحتى لا يكون هذا التشبيه بعيداً عن الواقع السعودي، يتّضح أن الصفقات السعودية من السلاح والتي بلغت أكثر من 200 مليار دولار، إضافةً إلى العدد نفسه من الإنفاق على “عاصفة الحزم”، لم تحصد منها سوى الخيبة دون القدرة على تحويل مجريات الأحداث لصالحها.
نسأل مجدّداً، ما هو واقع العلاقة بين السعوديّة وأمريكا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من مقدّمة صغيرة عن كيفية صنع القرار في كلا البلدين لننتقل من هذه النقط نحو الإجابة على السؤال الذي أسلفنا.
في السعوديّة، يبدو واضحاً غياب الاستراتيجية عن مركز صناعة القرار القائم بأيدي الأمير محمد بن سلمان الطامح للجلوس مكان أبيه بعد تنحية ابن عمه الأمير محمد بن نايف، وبالتالي يمكن القول إن الهمجية هي قوام السياسة الخارجية السعودية، وهذا ما ذكره كوك، وقبله العديد من الصحف العالميّة.
وأمّا في أمريكا، فيختلف الأمر كثيراً حيث تتحكّم أنظمة مختلفة بصنع القرار في هذا البلد، فلا يمكن اختزال القرار الأمريكي بالبيت الأبيض، أو بالكونغرس، أو بالإثنين معاً، حيث يتحرّك البنتاغون أحياناً خارج سرب البيت الأبيض، تماماً كما حصل مؤخراً في الأزمة السوريّة إثر الغارة التي استهدفت مواقع للجيش السوري في دير الزور.
على سبيل المثال، ومن واقع الخلاف في القرار الأمريكي حول السعودية نفسها، تكفي الإشارة إلى أنه بعد قرار إدارة أوباما، في كانون الأول/ديسمبر في سنة 2016، عدم المضي قدما في عملية بيع الذخائر للسعودية بسبب الحملة الجوية عشوائية في اليمن، استأنف الكونغرس الصفقة مبرمةً العديد من صفقات الصواريخ والقنابل العنقوديّة مع الرياض. إذاً، من الخطأ حصر القرار الأمريكي مع الرياض بالبيت الأبيض، وبالتالي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار مصالح الكونغرس، وزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزيّة، التي ستوثر على واقع العلاقة مع الرياض، سواء رضي البيت الأبيض بذلك أم لم يرض.
وأما فيما يخص الواقع الحالي، فيبدو أن لوزارة الدفاع دور مفصلي في تكريس العلاقة مع السعودية لأسباب تتعلّق بالصفقات التي ناهزت الـ200 مليار دولار. بعبارة أخرى، وبعد أن كان النفط همزة الوصل بين البلدين لأكثر من نصف قرن، يبدو أن همزة الوصل هذه قد تبدّلت بجزء كبير منها نحو الصفقات العسكرية مع واشنطن حيث تعد السعودية اليوم ثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم بعد الهند، اذ ارتفعت مشترياتها بين 2012 و2016 بنسبة 212% تحديدا من أمريكا وبريطانيا، وفق التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي.
لا نستبعد أن يسير ترامب ورغم كافّة وعوده على النهج الجمهوري الكلاسيكي في الإبقاء على علاقات جيّدة مع السعودية، وهو الذي تراه الأخيرة فرصة لترتيب أوراقها الإقليمية من جديد عبر البوابة الأمريكية. هذا الأمر يعود لطبيعة النظام الأمريكي الذي يتلطّى أحياناً تحت شعارات إنسانيّة تارةً، وسياسيّة أخرى.
عوداً على بدء، وتحديداً في ما نختلف فيه مع ما ذكره كوك حول علاقة بلاده مع السعودية، حيث حاول المحلّل الأمريكي إظهار القناع الأمريكي “الجميل” الذي يُخفي خلفه دماء الملايين من الابرياء. إذا كنا نرى أن السعودية همجية في سياستها، فالدعم الأمريكي لها هو الذي أوصل المنطقة إلى هذه المرحلة من الاشتعال، أمريكا هي من دعم الكيان الإسرائيلي في كافّة حروبه العربيّة، أمريكا هي من أوجد التنظيمات التكفيرية.
نختصر العلاقة الحاليّة القائمة بين البلدين بعبارة قصيرة إن “الطيور” على أشكالها تقع، لناحية العدوانيّة، ولكن العبارة الأصح هي التي قالها ترامب نفسه: السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها، فكيف يمكن لها أن تكون حليفاً استراتيجياً؟