– بعد أقل من شهرين على تقلده مراسم الحكم في أمريكا، أشعل الرئيس الجديد دونالد ترامب وسائل الإعلام العالمية، حتى بات من الصعب أن تستيقظ في الصباح ولاتسمع خبراً مثيراً للجدل عن هذا الرئيس، كيف لا وهو في كل يوم يخرج لنا بقرار بعيد كل البعد عن البروتوكولات المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية.
كثر الحديث عن سلوك ترامب منذ إطلالاته الإعلامية الأولى، بسبب تصريحاته النارية التي وصفها البعض بالمجنونة، بينما ذهب البعض الآخر بالموضوع أبعد من ذلك واصفاً الرئيس الجديد بأنه مضطرب عقلياً، وهذا مايظهر على سلوكه بحسب أطباء نفسيين وأساتذه في علم النفس في أمريكا.
الأمر الذي دعى الكثير من الساسة والحقوقيين الأمريكيين إلى السعي لجر الكونغرس الأمريكي لاستجواب الرئيس الأمريكي دونالد، ويرى خبراء سياسيون وقانونيون أنه على الرغم من عدم وجود إتهامات خطيرة يمكن توجيهها لترامب بقصد استجوابه، ولكن بداية إجراء هذه العملية في الكونغرس الأمريكي يمكن أن تحد من تصرفات ترامب وتصريحاته التي تهدد السلم العالمي.
ولم يعد خافياً على أحد أن ترامب هو الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حتى قبل مراسم تنصبيه رئيساً لأمريكا، وتشير الإحصائيات إلى أن 43% من الشعب الأمريكي يؤيد الرئيس الجديد، بالمقابل تجاوزت نسبة المعارضين لترامب وسياسته الـ 50%، ما يعكس لنا حجم الرفض الشعبي له، وهنا يتساءل الخبراء السياسيون هل يمكن أن يكمل هذا الرئيس فترة ولايته في ظل تعالي الأصوات داخل الولايات المتحدة لعزله، وهل أصبح الشعب الأمريكي يخجل من رئيسه الجديد؟!
ومن اللافت أن الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” حتى في أسوأ أيام فترة حكمه، كان على الأقل 63% من الشعب الأمريكي يؤيد بقائه، وفقط 23% من الأمريكيين لم يكن يدعم أوباما.
لهذه الأسباب وغيرها، فإن مساءلة ترامب في الكونغرس الأمريكي، وبالرغم من اعتقاد الخبراء بنجاح هذه المسئلة بنسب ضئيلة، إلا أن الكثير من السياسيين وقسماً كبيراً من الشعب الأمريكي يتوقع نجاح المساءلة في حال تم طرحها بجدية في مجلس النواب والشيوخ الأمريكي.
وفي الحديث عن الإجراءات اللازمة لإستجواب الرئيس الأمريكي وعزله، يقول القانون الأمريكي إنه يحق للكونغرس الأمريكي بغرفتيه الشيوخ والنواب عزل الرئيس، بتصويت أغلبية أعضاء المجلس، أي بما لايقل عن ثلثي الأعضاء، وخلال الإجتماعات يجب أن يطرح مجلس الشيوخ مسئلة إقالة الرئيس بحضور القضاة ورئيس المحكمة الأمريكية العليا.
ومن بين الأمور التي يلزم الدستور الأمريكي فيها السلطات الموجودة بعزل الرئيس أو الموظفين الرسميين “الخيانة، الفساد، تقاضي الرشوة، الجرائم والجنح التي يجرمها القانون الأمريكي”.
ولكن كيف لنا أن نثق بأن الكونغرس الأمريكي سيقوم بإقالة ترامب، عندما نعلم أن الكونغرس قام بمساءلة ثلاثة رؤساء أمريكيين في السابق ولكن لم يقم بإقالة أي منهم، فهل يمكن أن تتحقق التنبوءات التي تتحدث عن عزل ترامب لتصبح هذه الحادثة استثناء في التاريخ الأمريكي؟!
يقول المحللون السياسيون كل شي يمكن أن يحدث، بعد وصول ترامب للحكم، فلم يعد بالإمكان توقع النتائج التي ستؤول إليها الأمور في القادم من الأيام.
قبل العودة إلى الحديث عن استجواب ترامب، دعونا نمر سوياً على تاريخ استجواب رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ففي العام 1968 تعرض الرئيس الأمريكي “أندرو جونسون” للمتابعة القضائية، وتم استجوابه داخل قبة الكونغرس الأمريكي، ولكن عندما تم التصويت على إقالته لم تتعد الأصوات التي وافقت على عزله ثلثي أعضاء المجلس.
وكانت المحاولة الثانية لعزل أحد رؤساء أمريكا في شهر يوليو 1974، عندما قام الكونغرس باستجواب الرئيس “ريتشارد نيكسون” على خلفية فضيحة “ووتر غيت” الشهيرة، والتي اعتبرت حينها أشهر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا، وقدم نيكسون إستقالته قبيل إدانته بالفضيحة، التي اعترف بها فيما بعد، وبدأت محاكمته على إثرها إلا أن الرئيس “الذي خلفة” جيرالد فورد، أصدر عفواً عنه لأسباب صحية.
أما ثالث محاكمة فكانت بحق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998، حيث لاحقت هذا الرئيس الكثير من الفضائح وكان أشهرها “علاقته غير الشرعية مع مونيكا ليونسكي”، إذ تم توجيه الاتهام لكلينتون بناءاً على طلب مقدم لمجلس النواب الأمريكي، فتشكلت لجنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي ينتمي إليه كلينتون، برئاسة القاضي كينيث ستار الذي أقر بأن كلينتون مذنب، وتمت تبرأته فيما بعد من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي.
بالعودة إلى القضية التي يتم طرحها الآن بقوة في أمريكا، والتي تتحدث بشكل جدي عن مساءلة ترامب وعزله، وبما أن أكثرية أعضاء مجلس النواب والشيوخ الحالي في أمريكا من الحزب الجمهوري، فإن عزل الرئيس سيكون ضربة قاضية للحزب الذي ينتمي له ترامب.
صحيح أن محاولات إقالة الرئيس لم تنجح حتى الآن في تاريخ أمريكا، ولكن بداية هذه العملية ستكون فعالة جداً، وأداة للتأثير على عمل الكونغرس وعلى رؤساء البيت الأبيض.
لاتقتصر عملية الإستجواب فقط على الرئيس، بل تشمل أيضاً مسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك نائب الرئيس أو كبار القضاة.
بطبيعة الحال، فإنه لا يمكن رمي الاتهامات بالخيانة على ترامب، إلا أن الخبراء والعلماء في جامعة هارفارد يعتقدون أن قضية “انتهاك الدستور” يمكن أن تكون سبباً منطقياً باتخاذ إجراءات العزل ضد ترامب.
أخيراً يمكننا القول إن عزل ترامب لن يكون سهلاً، ولكن بداية هذه العملية قد تكون فعالة على تصرفات الرئيس ومن حوله، وخاصة أن أخطر الأسلحة النووية في العالم يقبض عليها رئيس مضطرب نفسياً وعقلياً حسب تشخيص الأطباء النفسيين في أمريكا.