اندفاعة إماراتية في وجه السعودية التهديد بالانسحاب من الحرب
يمانيون / لقمان عبدالله
ترى الأوساط الإماراتية في المرحلة اليمنية الراهنة أن عودة تنظيم «القاعدة» إلى محافظة أبين وظهوره العلني في بعض مناطق حضرموت رسالة دموية من الرياض رداً على تمادي أبوظبي وتفردها في قرار جنوب اليمن. وفي حال الاستمرار بلعب ورقة «القاعدة» سعودياً مع حلفاء الرياض في اليمن، فإن الإمارات ستكون جدياً أمام خيار الانسحاب من الحرب، وهذا ما يلمح إليه قادتها بصورة لافتة عقب الأحداث الأخيرة.
لا تصح مقاربة الأحداث الأخيرة جنوب اليمن بمعزل عن الخريطة الجديدة التي ترسم للمنطقة عبر الحرب القائمة حالياً على الشعب اليمني وتشنها دول التحالف العربي، بالإضافة إلى السيطرة على المنافذ البحرية وإقامة القواعد العسكرية، أو تحت ساتر الاستفادة الاقتصادية من الموانئ البحرية والجوية في القرن الأفريقي، حيث تؤجر دوله الفقيرة مساحات واسعة من أراضيها تحت ذريعة زيادة الموارد المالية لتلك الدول، أو بسبب تبعية قادتها للدول الغربية والخليجية. كذلك يبدو الحضور الأميركي في تلك التموضعات كقطب الرحى في إدارة الصراع لجهة إدارته بين حلفائه أو إدارة الحرب نفسها.
وقد أخرجت التطورات القائمة حالياً بين الأطراف المحلية المتصارعة جنوب اليمن إلى العلن حقيقة الصراع بين الحلفاء، ولا سيما السعودية والإمارات، فلم يعد الصراع مجرد تباين في وجهات النظر بين طرفين رئيسيين في التحالف، أو أن إمكانية الاستفادة من أي وجهة نظر منهما لا تؤثر في جوهر العلاقات بينهما، بل أثبتت الأحداث الأخيرة وما تلاها من مواقف سياسية وإعلامية عمق الخلاف بينهما واتساعه في أكثر من اتجاه، كما لامست المحرمات التي كانت تحرص الدولتان على تجنب مقاربتها تجاه بعضهما بعضاً.
تتصدر دولة الإمارات المشهد وتستمر بقوة في أخذ المبادرة والدفع باتجاه فرض إرادتها وأجندتها، وفي جعبتها عدد من الأوراق؛ أبرزها الإمساك بالجنوب اليمني، حيث يسجل لها دون غيرها من دول التحالف تحقيق إنجاز السيطرة على المحافظات الجنوبية، وهي مرتاحة إلى غياب أي اختراق في الشطر الشمالي من البلاد، وهو الأمر الذي يتحمل وزر الإخفاق فيه الجانب السعودي وحلفاؤه من الأطراف اليمنية، وبالتحديد حزب «الإصلاح» الإخواني، الذي يصنف على أنه العدو الأول لأبو ظبي.
في الأيام الماضية، أظهرت الاندفاعة الإماراتية جرأة كبيرة وسابقة غير معهودة في المواقف السياسية والإعلامية، حتى إن غلفت حتى الآن بمتحدثين غير رسميين، لكن العارفين ببواطن الأمور يدركون أنها اندفاعة تعبر عن مواقف قادة أبوظبي، كما أن مواقف الناشطين القريبين من دوائر القرار استمرت بالصدور، ووصل بهم الأمر إلى التغني بأمجاد النظام اليمني السابق ورئيسه علي عبدالله صالح، بل وصف نظامه بأنه جلب الخير والأمن لليمن، وخاصة أن الرياض ترى في صالح العدو الأول لها، ويصفه نائب ولي العهد محمد بن سلمان بأنه «ناكر للجميل»، حتى إن شرطه الأول في المفاوضات السياسية أن يكون صالح خارج أي معادلة سياسية في البلاد.
لم تتوقف الاندفاعة الإماراتية عند التصريحات أو التسريبات الإعلامية، بل أخذت شكلاً صدامياً مهيناً للرياض، عبر دعوة آخر أوراق التوت لديها، الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، إلى أبوظبي للقاء ولي العهد محمد بن زايد. الرجل لبى الدعوة، غير آبه بالكم الهائل من الإهانات التي وجهت إليه إماراتياً في السابق، ورغم تدخل أبوظبي المباشر في أحداث المطار الأخيرة وقصف طيرانها الحربي والمروحي حشود الألوية الرئاسية المشاركة في المعركة، بل إرسالها رئيس مخابراتها، اللواء علي محمد حماد الشامسي، للاجتماع الذي دعي إليه في الرياض بعدما كان مقرراً حضور محمد بن زايد ــ في أعقاب موقعة مطار عدن ــ وإذا برئيس المخابرات يحضر في استقبال هادي في المطار!
ليس هذا فحسب، بل انتظر هادي ثلاث ساعات ليعلم بعدها أنه ليس على أجندة الزيارة أي لقاء بالمسؤولين السياسيين، وأن اللقاءات محصورة برئيس المخابرات والمبعوث الإماراتي لليمن، العميد علي محمد الأحبابي، وقادة عسكريين آخرين. رغم ذلك، وبدلاً من أن يعود هادي إلى عدن، وصل إلى الرياض لعله يجد من يسمع شكواه أو يفرغ غضبه أمامه، لكن الملك السعودي وابنه نائب ولي العهد محمد بن سلمان (المسؤول عن الملف اليمني) كانا في زيارة رسمية تستغرق شهراً كاملاً لعدد من الدول الآسيوية.
وإلى أن تنقضي مدة الشهر، يبقى وضع هادي معلقاً، وسوف يستمر الضغط الإماراتي عليه وحصاره في قصر المعاشيق في عدن، أو الفندق الذي يقيم فيه بالرياض، وإما أن يتخذ قراراً كبيراً بالانفصال عن «الإصلاح» وقياداته في حكومته وخاصة نائبه علي محسن الأحمر. وإن لم يستطع تنفيذ مطالب أبوظبي، وهو غير قادر على فعل ذلك بالتأكيد لأن مثل هذا القرار بحاجة إلى موافقة سعودية من جهة، وتوفير بديل من «الإصلاح» من جهة ثانية، وهذا غير متاح في الوقت الراهن، فعليه إذاً تلقي المزيد من الإهانات.
كل الدلائل تشير إلى أن الصراع بين الطرفين (السعودي والإماراتي)، الذي كان في السابق يدار عبر الأدوات المحلية، أظهر تدخلاً وحضوراً إماراتياً مباشراً في الأيام الأخيرة، في ظل تراجع سعودي واضح. لكن اللافت ما كشف عنه في الأسبوع الماضي من مصادرة «القاعدة» في أبين ثلاث قاطرات تحمل أسلحة متوجهة إلى جبهة تعز، كما كُشف أنها تحمل قبضات حرارية ضد الدروع، قيل إن مصدرها محافظة مأرب، ليتبين لاحقاً من وثائق رسمية مسربة أنها قدمت من معبر الوديعة بين السعودية واليمن. أيضاً، جاءت في الإطار نفسه سيطرة «القاعدة» على أجزاء مهمة وحيوية من أبين.
المصدر : الاخبار اللبنانية