«ابن سلمان» و«ترامب».. لقاء المنافع المُتبادَلة (قراءة)
تتميز زيارات المسئولين العرب لواشنطن، والتي تُسمّى بـ “رحلات الحج إلى البيت الأبيض”، بتبادل المنافع بين الطرفين، بحيث يدعم الحكَّام العرب النفوذ الأمريكي في بلادهم والمنطقة، مقابل تثبيتهم ودعمهم في مناصبهم.
كانت هذه سِمَة ظاهرة للمصريين خلال زيارات مبارك لواشنطن سابقا، بمقايضة المصالح الأمريكية بتنازلات مقابل دعمه سياسيا واقتصاديا بالمعونة، وفي الحالة السعودية اتَّسَم أيضا بسعي بعض أعضاء الأسرة الحاكمة المتنافسين لتعزيز مكانته لدى الإدارة الأمريكية مقابل مصالح متبادلة.
من هنا يمكن فهم مُخرجات زيارة “محمد بن سلمان” لواشنطن، ولقائه الودّي مع “ترامب” ومفاجأته للعالم بدعمه لقرارات الرئيس الأمريكي العنصرية – التي يرفضها غالبية الشعب الأمريكي والمسلمون والعرب – بشأن حظر سفر مسلمي 6 دول عربية وإسلامية إلى أمريكا.
بل إن كشف الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن شراكة اقتصادية جديدة في عدة قطاعات حيوية، بقيمة استثمارات مشتركة تبلغ 200 مليار دولار، أعطى وجهاً آخر لهذا التحالف بينهما في صورة دعم ترامب لابن سلمان، مقابل دعم إدارة أوباما السابقة لولي العهد الأمير نايف.
5 هدايا لترامب من ابن سلمان!
الأمير السعودي قدَّم لترامب خمسة تنازلات كبرى، دفعت ترامب لإعلان تحالفه معه، بشكل أفضل مما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما.
فقد زَايَدَ “ابن سلمان”، (أولا) على الأمريكيين والعرب الرافضين لقرار ترامب، وأكد لترامب أن “المملكة لا ترى في الإجراء الأمريكي استهدافًا للدول الإسلامية أو الدين الإسلامي؛ بل قرار سيادي ومحاولة لمنع دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة”.
وزاد عليه (ثانيا)، مستشار سعودي مُرافق لـ “ابن سلمان”، في بيان أصدره قال فيه: إن “الرئيس الأمريكي أظهر احترامه الكبير للدين الإسلامي باعتباره أحد الديانات السماوية التي جاءت بمبادئ إنسانية عظيمة تمَّ اختطافها من قبل الجماعات المتطرفة”.
أما المقابل (الثالث) الذي قدّمه ابن سلمان لترامب، ما قال مستشاره في بيانه: إنه “معلومات سعودية عن مُخطّط ضد الولايات المتحدة تمّ الإعداد له في تلك الدول (الست المحظور سفر مواطنيها لأمريكا) بشكل سري من هذه الجماعات مُستغلّين بذلك ما يظنونه ضعفاً أمنياً فيها للقيام بعمليات ضد الولايات المتحدة”!.
وجاء المقابل (الرابع) في صورة تدعيم ابن سلمان موقف ترامب من الاتفاق النووي الذي أنهته القوى الدولية مع إيران ووصفه بأنه “سيءٌ وخطيرٌ للغاية على المنطقة، وشكَّل صدمةً للعارفين بسياسة المنطقة”، واصفاً إياه بأنه “لن يُؤدي إلا لتأخير النظام الإيراني الراديكالي لفترة من الزمن في إنتاج سلاحها النووي، وإن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى استمرار تسلُّح خطير بين دول المنطقة التي لن تقبل بوجود أي قدرة عسكرية نووية لدولة إيران”.
ابن لادن “إخوان”!
أما المقابل (الخامس) والأخطر الذي قدّمه ابن سلمان لترامب، فلم يكن فقط زعمه في بيان رسمي “أن حملات التجنيد التي تقوم بها بعض الجماعات الإرهابية في السعودية ضد المواطنين السعوديين هي بهدف كسب الشرعية لهذه التنظيمات، بسبب مكانة السعودية الدينية”، وإنما زعمه أن قادة تنظيم القاعدة من الإخوان المسلمين، بما يعني دعم رؤية متطرفي إدارة ترامب ضد الجماعة.
فقد زعم بيان مستشار ابن سلمان أن الطرفين اتفقا على أن “قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، كان من جماعة الإخوان المسلمين، منذ أن كان طالباً في الجامعة، وأن الظواهري نفسه كان عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين، بحسب ما قال الظواهري عن ابن لادن في خطاب تأبينه”.
ماذا قدّم ترامب لـ “ابن سلمان”؟
ترامب قدّم لابن سلمان بالمقابل عدداً من المكاسب، أبرزها:
دعمه للخطط السعودية التي تتقاطع مع رؤية إدارة ترامب الخاصة بالمقاربة العدائية تجاه إيران، والسعي إلى بناء جبهة مُوحّدة من الدول العربية السُّنّية للتصدي للطموحات والتدخل الإيراني في الخليج وسوريا والعراق واليمن.
أعاد ترامب التحالف التقليدي التاريخي بين أمريكا والسعودية لما كان عليه قبل أكثر من عقد، مُنهياً الانقلاب الذي جرى في عهد أوباما باعتبار أن الحلفاء التقليديين انتهى دورهم والتحالف مع السعودية لم يَعُد قائماً.
دعَّم ترامب بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، الأربعاء 15 مارس/آذار 2017، خوض برنامج استثمار مع المملكة في قطاعات الطاقة والبُنَى التحتية، والصناعة، والتكنولوجيا، خلال السنوات الأربع المقبلة بـ 200 مليار دولار.
خلاصة
الزيارة حقَّقت للقائد السعودي الشاب (ولي ولي العهد) – الذي يطمح لتولي المملكة عقب وفاة والده، بدلا من ولي العهد الحالي (الأمير نايف) – ما يطمح له من دعم أمريكي حال رَغِب في انقلابٍ داخل القصر بحيث يُبعد الأمير نايف ويصبح هو الملك، على غرار إبعاد أبيه (سلمان) لشقيقه ولي العهد (الأمير مقرن) وتعيين نايف ولي عهد ونجله محمد بن سلمان ولي ولي للعهد.
كما حقّقت بالمقابل لترامب مكسباً لم يكن يحلم به، وسلاحا يمكنه أن يُحارب به معارضيه في الداخل والخارج بشأن عدائه للإسلام حين يقول لهم: إن زعيم أكبر دولة إسلامية تحتضن الكعبة يدعم أطروحاته، فلماذا ترفضونها أنتم؟!.
المصدر : القصة