هاشم أحمد شرف الدين
الطابور الخامس هو فكرة وأسلوب سيكولوجي حربي حديث نشأ في اسبانيا في النصف الاول من القرن العشرين أثناء الحرب الأهلية الأسبانية التي نشبت عام 1936م واستمرت ثلاث سنوات..
يُنسَب تعبير الطابور الخامس إلى أحد قادة القوات الثائرة الزاحفة على مدريد وكانت تتكون من أربعة طوابير (وحدات عسكرية) من الثوار، حيث سُئل: أي الطوابير الأربعة التي يتكوّن منها جيشه سيفتح مدريد؟ فأجاب قائلًا:
“إن هذه ستكون مهمة الطابور الخامس والذي سوف يتحرك في الوقت المناسب”، ويقصد به طابورا خامسا من أنصاره المقاتلين يعمل في الخفاء من داخل مدريد، ورابض فيها على أهبة الاستعداد لمؤازرته، ومصمم على تقويض الحكومة من الداخل.
وسرعان ما شاع هذا التعبير، ونُقل إلى اللغات الأخرى الأخرى بمعنى الطابور الخامس، وترسخ معناه في الاعتماد على الجواسيس في الحروب، وعلى مجموعات سرية لعملاء هدامين، أو لزمر مخربة تحاول زعزعة تماسك الأمة بأية وسيلة متاحة لديها، كالتجسس أو تخريب الخطوط الدفاعية.
واتسع مفهوم الطابور الخامس بعد الحرب العالمية الثانية ليشمل مروجي الإشاعات ومنظمي الحروب النفسية، وبات يشمل في الوقت الحاضر قنوات إعلامية، كما يصطف فيه عدد كبير من الخونة والعملاء والمنافقين والمرجفين والمنبطحين، عادة ما يكونوا مسئولين، أو صحفيين، أو ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بعض من يزعمون أنهم مثقفون، وجميعهم يطعنون الأمة من الخلف فيما تكون منشغلة بمواجهة العدو من الأمام..
ولكون إسقاط عواصم الدول عسكريا ليس امرا سهلا لاستماتة المقاومين فيها باعتبارها المعركة الحاسمة لوجودهم،
فإن الغزاة يسعون لإطباق الحصار عليها أولا، ثم يلجأون ثانيا إلى طابور خامس من العناصر الفاعلة الموالية والمخلصة لهم في قلب العاصمة، فيسندون لهم مهمة إثارة الرعب والفزع والبلبلة، والقيام بأعمال تقلق السكينة العامة، وإشاعة الفوضى، لتهتز الجبهة الداخلية وتهتز ثقة الشعب بنفسه، ومن ثم تسقط العاصمة المحاصرة من كل الاتجاهات.
من هنا يتضح حجم خطورة الطابور الخامس، حيث أصبح أحد أبرز دعائم الحرب الحديثة، وأحد أهم الأساليب الحربية المبتكرة، والذي أصبح – في ما بعد – من أركان أي خطة عسكرية حربية حديثة متكاملة لتحطيم الخصوم وإيقاع الهزيمة الساحقة بهم في الوقت المناسب..
ختاما:
اكملنا – بتوفيق الله تعالى – عامين من صمودنا في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي، وبات واضحا أن المعتدين قد قاموا بتفعيل الطابور الخامس إلى درجة كبيرة جدا فأصبح ينخر بين ظهرانينا على مرأى ومسمع من الجميع، وإذا ما ظل تحركنا في مواجهته دون المستوى اللازم من الحذر والحيطة، فسنكون نحن حينها لا طابورا خامسا وإنما طابور سادس طعن نفسه في سابقة على مستوى البشرية وحروبها..