جراح الامة تنزف عامين في #اليمن
بقلم: الدكتور سعيد الشهابي
قبل عامين بدأت الحرب على اليمن من قبل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وطرحت اسباب عديدة لتلك الحرب التي ما يزال أوارها مشتعلا حتى اليوم والتي اطلق عليها “عاصفة الحزم”. ولا يبدو في الافق ما يشير الى قرب انتهائها.
واستمر التحالف الذي ضم 14 دولة من بينها اربع دول خليجية بالاضافة للسعودية ومصر والاردن والمغرب والسودان. كما استخدمت السعودية جنودا من السنغال بلغ عددهم 2500. ومن الاسباب المعلنة التي اعلنتها السعودية لشن الحرب ما يلي: استعادة ما اسموه “الشرعية” التي يمثلها عبد ربه هادي منصور، ومنع انتشار النفوذ الايراني في جنوب غربي الجزيرة العربية، وضمان الملاحة في باب المندب. ومن المؤكد ان الذين شاركوا في تلك الحرب لم يكونوا يتوقعون استمرارها هذه الفترة كلها وبهذه الخسائر البشرية والمادية، والثمن الاخلاقي الباهض. فحين يكون ثمة اجماع على المطالبة بوقفها والتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها الاطراف المشاركة فيها، يتضح فداحة هذا الصراع المسلح وكيف انه يضيف عبئا سياسيا واخلاقيا على المشاركين فيه. وكلما تأخر هؤلاء في الاستجابة للمطالبة بوقف الحرب ازداد الوضع تعقيدا وضعفت حجة المطالبين باستمرارها. وكلما نشطت المنظمات الحقوقية والاغاثية في بث الارقام حول الحرب تفاقمت مشاعر الغضب من استمرارها، وضاق الخناق على دعاتها.
وقد اصبح واضحا ان العامل الاكبر الذي يشجع المشاركين فيها على الاستمرار الشعور بثقل استحقاقات “السلام” الذي يفترض ان يعقبها. فهي استحقاقات تشمل طبيعة النفوذ المستقبلي للمملكة العربية السعودية، ومشروع التغيير الديمقراطي في المنطقة، وعلاج الانعكاسات السلبية للحرب على اقتصادات الدول المعنية، وعودة الاهتمام الشعبي بقضية فلسطين، التي يعتبرها الغربيون من اهم اسباب التوتر في الشرق الاوسط، ومن المحفزات على التمرد المؤسس على الوعي السياسي بالخطط الغربية في المنطقة. كما ان الدول المشاركة قلقة من تساؤلات المنظمات المعنية بتنظيم الحروب ومنع الجرائم ضد الانسانية. مع ذلك سيتواصل السجال والاتهام المتبادل بين الفرقاء حول المفاوضات التي يجريها المبعوث الخاص للامم المتحدة في اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، الذي لم يعد قادرا على حمل ملف تلك الحرب او اقناع الاطراف المشاركة فيها بتقديم بعض التنازلات لكي يمكن مواصلة النقاش والتفاوض في مكاتب الامم المتحدة خصوصا في جنيف. وهكذا اصبحت الحرب حملا كبيرا يثقل كواهل الدول المشاركة فيها، وتهدد بتلاشي النفوذ الغربي تدريجيا في هذه المنطقة من العالم. وبدأ بعضهم يشعر باستحالة حسمها عسكريا وان الحل يجب ان يكون سياسيا. ويؤكد التاريخ المعاصر فشل الحروب التي خاضتها دول كبرى في المنطقة. فالولايات المتحدة لم تحسم بشكل نهائي اية حرب كانت طرفا فيها. ففي الثمانينات اضطرت للانسحاب من لبنان بعد ضربة المارينز في 1984 برغم الحمم التي كانت المدمرة “نيوجيرسي” تطلقها من وسط البحر على جبل لبنان. كما انسحبت بدون حسم الحروب في كل من افغانستان والصومال والعراق وليبيا. ولم تستطع ان تفرض اجندتها باستخدام الخيار العسكري على اي من تلك الدول.
في الاسبوع الماضي احتفت المنظمات الحقوقية الدولية بالذكرى الثانية لانطلاق الحرب. فاصدرت منظمة اوكسفام للاغاثة بيانا حولها لا يشوبه الغموض، جاء فيه ان الحرب في اليمن المستمرة منذ قرابة عامين “دفعت قرابة 7 ملايين شخص إلى حافة المجاعة، وأن 70 بالمائة من السكان باتوا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.” ودعت المنظمة في تقريرها إلى الاستئناف العاجل لعمليات السلام في اليمن، وتوفير المبالغ المالية المقررة للاستجابة الإنسانية في البلاد، التي قدرتها الأمم المتحدة في وقت سابق بمبلغ 2.1 مليار دولار أمريكي. ونقل التقرير عن سجاد محمد ساجد مدير المنظمة في اليمن قوله إنه “في حال استمرت أطراف الصراع في اليمن، ومن يقوم بتغذيتها بالأسلحة، في تجاهل أزمة الغذاء بالبلاد ، فستكون هي مسؤولة عن تفشي المجاعة”. وقد هزت صور الاطفال اليمنيين الذين انهكهم الجوع ضمائر الكثيرين فتجددت المطالبة بوقف الحرب وتوفير الغذاء والدواء ورفع الحصار عن اليمن.
اما منظمة العفو الدولية فقد اصدرت بيانا واسعا حول هذه الازمة ووضعت النقاط على الحروف حول الجهات المسؤولية عن اطالة امدها. وأكدت لين معلوف، مديرة البحوث بالمكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت، أن “سنتين من النزاع قد أجبرتا ثلاثة ملايين شخص على الفرار من ديارهم، ومزقتا حياة آلاف المدنيين، وتركتا اليمن فريسة لكارثة إنسانية يحتاج ما يربو على 18 مليون يمني معها بصورة ماسة إلى المعونات. ومع ذلك، وبالرغم من المساعدات الدولية التي قدمت إلى البلاد بملايين الدولارات، فإن العديد من الدول قد أسهمت في معاناة الشعب اليمني بمواصلة توريد أسلحة بمليارات الدولارات”. وأضافت قولها: “لقد استُخدمت الأسلحة، التي قدمتها فيما مضى، دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في ارتكاب انتهاكات جسيمة، وساعدت على اندلاع كارثة إنسانية في البلاد. كما واصلت هذه الحكومات منح رخص لعمليات نقل جديدة للأسلحة في الوقت الذي كانت خلاله تقدم المعونات للتخفيف من الأزمة نفسها التي أسهمت في خلقها. وما برح المدنيون اليمنيون يدفعون ثمن صفقات الأسلحة هذه، التي تفضح مدى نفاق الدول من خلال هذه الصفقات”.
وفي اطار الحديث عن الحرب على اليمن، تبرز الصور شبه الحقيقية للدعم العسكري الذي يقدمه الغربيون لدول التحالف في مقابل اموال النفط الهائلة. كما تشير تقاريرها الى حجم السلاح الغربي الذي تزود السعودية به. ووفقا للمعهد الدولي لبحوث السلام فان كلا من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا مجتمعتين قدمتا من السلاح ما تفوق قيمته خمسة مليارات دولار في فترة العامين المنصرمين للسعودية. وتدعي كل من امريكا وبريطانيا انهما قدمتا ما مجموعه 450 مليون دولار من الدعم لليمن منذ مارس 2015. والارجح ان اغلب هذه المبالغ، ان صحت، تذهب للتحالف الذي تقوده السعودية. فقد فرض حصار بري وبحري وجوي على اليمن طوال العامين الماضيين، ولم يسمح لاي شيء من اختراق الحدود الا من خلال ذلك التحالف. وبرغم التعتيم الاعلامي على ضحايا الحرب، فان صور المجاعة الناجمة عن تلك الحرب أذهلت العالم، واصبحت من بين عوامل الضغط على كل من واشنطن ولندن.
وبالاضافة الى الدمار المادي والمدني الهائل فقد اصبح الدمار البشري مقلقا حتى للامم المتحدة الواقعة تحت ضغوط السياسة الغربية المقيتة. وكان لتدخل الامين العام للامم المتحدة مؤخرا لوقف نشر تقرير يدين “اسرائيل” صدى واسع من الغضب وخيبة الامل. فقدوجهت ريما خلف، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”، استقالتها لأمين عام المنظمة الأممية، أنطونيو غوتيريش، يوم الجمعة 17 مارس، ردا على طلبه بسحب تقرير دولي يتهم إسرائيل بممارسة اضطهاد ضد الفلسطينيين. هذا التصرف يشبه الى حد كبير الفضيحة التي هزت الامم المتحدة عندما سحبت اسم التحالف العربي، الذي تقوده السعودية في اليمن، من القائمة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق الصراعات. وقد احدث ذلك التصرف تنديدا قويا من عدة منظمات حقوقية دولية. وقالت منظمة العفو الدولية “إن مصداقية منظمة الأمم المتحدة باتت محل شك بعد أن تراجعت بشكل فج أمام الضغوط التي مورست عليها لسحب التحالف العربي من قائمة الدول والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق الصراعات”. وقالت المنظمة في بيان أصدرته في السابع من يونيو (حزيران) الماضي إن إعلان بان كي مون الامين العام السابق للأمم المتحدة سحب التحالف العربي من اللائحة السوداء نتيجة مباشرة للضغوط الديبلوماسية التي مارستها السعودية. وهكذا اظهرت قضايا الشرق الاوسط عجز الامم المتحدة عن تبني سياسات او اصدار مواقف تدافع عن المظلومين وتدين الظالمين، الامر الذي من شأنه ان ينعكس سلبا على ثقة العالم بالمؤسسات الدولية.
وبالاضافة للتقارير المذكورة فقد وثَّقت منظمة حقوق الانسان، خلال بعثات بحثية قامت بها إلى اليمن، ما لا يقل عن 34 طلعة جوية قامت بها طائرات التحالف الذي تقوده السعودية، وانتهكت فيها على نحو باد للعيان القانون الدولي الإنساني، فأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 494 مدنياً، بمن فيهم 148 طفلاً، على مساحة ست محافظات (صنعاء وصعدة وحجة والحديدة وتعز ولحج). واستعملت في بعض عمليات القصف الجوي هذه أسلحة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. واستعمل أعضاء التحالف في هذه الهجمات كذلك ذخائر عنقودية محرمة دولياً من صنع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والبرازيل، وشملت محافظات صعدة وحجة وصنعاء. ووثّقت منظمة العفو حالات قُتل فيها الكثير من المدنيين وبترت أطرافهم، وأطفال تفجرت بهم ذخائر صغيرة غير منفجرة خلفتها وراءها الهجمات التي استخدمت فيها هذه الأسلحة العشوائية بطبيعتها. وذكرت المنظمات الدولية ان اكثر من 12 الفا من المدنيين ومن بينهم 4000 طفل قد قتلوا في الغارات المتواصلة التي لم تتوقف حتى الآن.
وهكذا اصبحت حرب اليمن مستنقعا سياسيا واخلاقيا، للدول المشاركة فيها، كما اصبحت تستنزف خزائن الدول الخليجية خصوصا السعودية التي فقدت في العامين الماضيين قرابة ثلث احتياطيها النقدي، بالاضافة للاستنزاف السياسي والاخلاقي. ومن مصلحة الجميع وقف هذه الحرب على الفور وتحريك المفاوضات الجادة للتوصل الى توافقات سياسية والتخلي عن عقلية كسر العظم التي لن تؤدي الى شيء. لقد اثبتت حرب اليمن، والحروب الاخرى التي شاركت الولايات المتحدة فيها، ان للقوة العسكرية حدودا، وان من الصعب كسر شوكة الشعوب من قبل القوى الخارجية، مهما كانت قوتها او ذرائعها. لقد حان الوقت لوقف الحرب والتركيز على لم شمل هذه الامة لمواجهة التحديات خصوصا الاحتلال والهيمنة الاجنبية.
قيادي في المعارضة البحرانية