– أفضت الحرب الكلامية المستعرة خلال اليومين الماضيين بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، إلى تراجع الإدارة الأمريكية عن جنون القوة، التي يستعرضها “ترامب” على العالم العربي، معربدا هنا وانتهازيا هناك.
ولأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، فإن ترامب ومن قبله زعماء كثر في البيت الأبيض، كانوا أكثر اتزانا وترويا وهم يتعاملون مع دول امتلكت ناصية القوة العسكرية، وأعلنت بكل شجاعة أنها ستواجه الاعتداء بمثله، بعد أن أعلنت للعالم كله أنها تملك السلاح المطلوب للرد وللردع.
في 2002، وإثر أحداث سبتمبر 2001، زمجر بوش الابن وهو يعلن عن محور الشر في العالم من وجهة نظر أمريكية: العراق، إيران، كوريا الشمالية.
وقيل حينها إن إقحام كوريا الشمالية جاء بهدف صرف الأنظار عن حقيقة العداء الأمريكي للإسلام والمسلمين، لكن الحقيقة المرة التي كشفتها الأيام أن واشنطن تتحرك عسكريا في الفضاء الذي يسمح بحرب خاطفة وحاسمة كما حدث في أفغانستان والعراق، وعلى العكس، فإنها تتخذ أساليب المراوغة والديبلوماسية مع الدول المقتدرة عسكريا، كما حدث مع إيران سابقا وكوريا الشمالية حاليا.
ولأن للقوة الأمريكية حدودا لا يمكن تجاوزها، فقد أقدمت الإدارة الأمريكية على تغيير غير معلن لمحور الشر يضم سوريا وليبيا بدلا عن إيران وكوريا.
من قبل وصلت علاقة واشنطن بطهران ذروة التصعيد، وحين جاء الرد الإيراني في مستوى التهديد الأمريكي، جنح البيت الأبيض للحل الديبلوماسي إعمالا لقاعدة “درهم ديبلوماسية خير من قنطار سلاح”. ولأن كوريا الشمالية ردت بقوة على تهديدات “ترامب “، فقد اضطر الأخير إلى التعقل، وإفساح المجال للوساطة الصينية!!
ولمن لا يعرف، فإن كوريا الشمالية من الدول المتوسطة لناحية المساحة والسكان، وفي العالم العربي دول كثيرة تعد أقوى وأغنى من كوريا الشمالية، لكنها تعيش حالة خنوع غير مبرر للبيت الأبيض. وبدل أن تتجه هذه الدول إلى تعزيز قوتها العسكرية، وحماية سيادة أراضيها وكرامة شعوبها، ارتمت في أحضان أمريكا، فكان حالها معها، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
العراق حاول أن يخرج عن بيت الطاعة، فاستبقها الأمريكان بحرب لا هوادة فيها. وما يحدث باليمن وسوريا لا يخرج عن هذا السياق.
كوريا الشمالية تعيش معزولة عن العالم وفي ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تعمل بجد على “الاكتفاء الذاتي”، وتنفق كثيرا على الصناعات العسكرية الثقيلة، وتمضي بخطى متسارعة في تطوير برنامجها النووي. وحين خرج ترامب عن حدود اللياقة والأدب، مهددا ومتوعدا، جاء رد بيونغ يانغ مختصرا وحاسما: نحن مستعدون للرد بهجمات نووية!!
Abduullah.sabry@gmail.com