لم يكن لقرن من الزمن مضى نصفه الأول وهو مرتحلاً بكل أتراحه و أفراحه , و يبدأ النصف الآخر منه في قلوب البعض من أبناء هذا الشعب أي معنى يذكر ..!! إلا أنه كان في غالبية القلوب المتبقية من هذا الشعب معناً آخر إستشعروا فيه قيمته مكانته هذا الوقت , إذ أنهم إستشعروا بجلاء كيفية الصورة الحقيقية لفترةً خلت , تجسدت فيها روحية شعباً يمنياً جنوبياً عاش حراً مستقلاً بعد أن رمى من على كاهله براثن الذل والأهانة , و العبودية و الإسترقاق , لطالما أسقاه الإستعمار الأجنبي مرارتها طيلة أكثر من قرن و نيف من الزمن .
وعلى الرغم من أن تلك الحقبة قد عبرت لنا كيفية التلذذ بمعاني الحرية التي لطالما تجشم من أجل تحقيقها الأحرار من شرفاء هذه الأرض ممن عانوا مرارة الألم و العذاب و الإضطهاد كي يصلوا الى مرافئ الحرية و الإستقلال الذاتي و المعنوي , إلا أنه بدأنا نرى ملامح ذاك الإستعمار تلوح في الأفق من جديد , ليخبرنا الزمن بأن شبح ذاك الإستعمار سيعود من حيث إنتهى به المقام و الوجود في هذه الأرض , ويؤكد لنا أيضاً بأنه سوف يسوس أبناء هذه الرقعة الطاهرة كما ساس أجدادهم من قبل عشرات العقود من الزمن .
لقد شكل جنوب الأرض اليمنية وما تزخر به من خيرات لا نظير لها , حلماً لم ينكف الإستعمار للحظة واحدة من أن يتلذذ شوقاً في العودة إليها , فها هو الآن نراه يدفع بكل ثقله في أن يحقق حلمه الشيطاني بأحتلالها , عودةً ملئت بنفسيةً شرهةً لا ينضب ولا ينقطع مداها , و رغبةً جامحة في الإستئثار على كل شبراً فيها , ولا مكان لأحداً كان صغيراً أو كبيراً بأن يفكر في مشاركة هذا الإستعمار بهدف التنعم معه في خيراتها في قليلها أو كثيرها.
لم يكن للإستعمار الأجنبي مكاناً و قدرة تمكنه من بسط يديه على الأرض اليمنية لعشرات العقود من الزمن , لو لم يكن للمرتزقة من حكام و سلاطين ذاك الزمان دوراً رئيسياً و مهماً ساهموا إن لم يكونوا على إثر ذلك الدور قد أثروا بسخاء منقطع النظير في تسهيل و تمكين لا حدود له من البسط و الأحتلال طيلة تلك المدة , فكانوا سيف الإستعمار المسلط على رقاب الشعب بلا رحمة, و اليد و القدم التي لا تكل ولا تمل في خدمته ليلاً ونهاراً, خدمة لطالما أسقت هذا الشعب مرارة القهر و الطغيان و الإستعباد , حتى تمكنوا من إسكان في قعر قلوب هذا الشعب الخوف و الذل و الإرتهان , خدمة ضلت على الدوام تجتث من هذه الأرض كل ما سكن في باطنها و أستقر في ظاهرها من نعم و خيرات لا تعد ولا تحصى .
و بناء على تلك الحال و بنفس جوهر الهدف و المقصد وما تمثل في مجمل حقيقتها كل أمنيات الإستعمار الشيطانية , نراهم في الآونة الأخيرة قد لجئوا الى السعي بقوة و بنفس الآلية التي طبقوها في غابر الزمن , فنجدهم في بادئ ذي بدء سيتذرعون بأوهن الذرائع التي تجيز لهم الدخول و بسط السيطرة على الأرض , وعلينا أن ندرك بأن ما يقوم به قوى العدوان الآن من حشد أكبر قدر ممكن من التنظيمات الإرهابية المختلفة من أنحاء العالم إلا ليؤكد لنا بأن ذاك الحشد ما هو إلا الذريعة الممكنة التي تجيز لهم الولوج بسهولة و يسر , كما أن ما يروجون له من وجود تناقضات فكرية و عملية تقوم على تشكيلها و إدارتها قوى العمالة الخليجية البديلة للقوى الإستعمارية الحقيقية ليس إلا توطين و تمكين لكيان يمني جنوبي مرتزق و عميل يؤدي نفس الدور و المهام التي أوكلت لنظرائهم العملاء من حكام و سلاطين الإمارات الجنوبية المجزئة ممن عملوا بكل تفاناً مع المستعمر أبان فترة الإحتلال .
عموماً …. علينا أن نستوعب جسامة تلك الأمنيات و ما تحمله في جنباتها من مخططات شيطانية , تدأب هذه القوى في تنفيذه و أتمامه في أتم صورة و على أعلى جهوزية , و علينا أن ندرك مجدداً بأن ما يدار و نشاهده من حولنا من أحداث و مجريات مختلفة تؤكد لنا تماثل الرغبة الإستعمارية الجديدة في تحديد فترة المكوث والبقاء و السيطرة على هذه الأرض , مع نفس الفترة التي مكثت فيها القوى الإستعمارية القديمة , والتي وصلت إلى حدود ثلاثة عشر عقداً من الزمن , و ما يدلل على واحدية تلك الفكرة و الهدف هو قيام عملائهم من المرتزقة من تأجير سقطرة للقوى الأستعمارية لمدة قرن من الزمن , أضف الى ذلك ما يقومون به من بناء و تشييد قواعد عسكرية مختلفة في أغلبية الجزر اليمنية المحتلة .