الرجوع نحو “الخلف” يحقق الغاية المنشودة ..!!
محمد أحمد الحاكم
تشهد الساحة اليمنية منذ أكثر من عامين .. عدواناً بربرياً قام به تحالف دولي متباين في القوى و القدرة , لم يستطع خلالها أن يحقق السيطرة التامة على كامل التراب الوطني أو أن يغير من المعاني والقيم التي يحملها الإنسان اليمني نتيجة ما حققه هذا الإنسان من صمود متناهي الحدود .
قد يكون نجاح ذاك الصمود نابعاً عن إيمان الشعب بقضيتهم العادلة القائمة على مصداقية مظلوميتهم المتراكبة , لكن ذلك الصمود لن يستطيع أن يبقى ويستمر على الوجود ويحقق الانتصار ما لم تراجع وتصحح أسس وقواعد بناء أركانه ومبادئه, وبما يعزز لها الصلابة والتمكين على الثبات والصمود عند مختلف الظروف .
يمكن القول بأن النقاط الإثنتي عشرة قد رسمت الخطوط العريضة للإصلاحات السياسية و الإقتصادية للدولة اللازم تنفيذها تفادياً للاختلالات , لكن هناك خطوط اجتماعية وثقافية ودينية وتربوية لا بد وأن يتم الخوض في غمارها كي يتسنى لنا ربطها مع النقاط الإثنتي عشرة, باعتبارها خطوطاً أساسية لها ارتباط وثيق مع الإصلاحات السياسية والاقتصادية , وهي في ذات الوقت أيضا تؤكد بأنه لا يمكن للإصلاحات السياسية والاقتصادية أن تتم ما لم يتم معالجة وتصحيح مسارات الخطوط الدينية والتربوية والاجتماعية أولاً وقبل كل شيء .
لقد شهدت الساحة الشعبية الكثير من الاختلالات الثقافية و الدينية والتربوية والاجتماعية , أسهمت إلى حد كبير في تكوينها قوى العدوان ومرتزقتهم في غابر عقود الزمن , شكلت في صورتها العامة نسيجاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ودينياً مفكك الأطراف ومتغاير الأهداف والتوجهات .
سجلت ثمار تلك النتائج مؤخراً لصالح قوى العدوان , فقد حاول أن يتخذ منها مجموعة من الأسس و المعايير التي يأمل من ورائها في أن تساعده وتمكنه من كسر هذا الصمود , فعمد إلى الاستفادة منها في توسيع هوة الاختلالات والتجاوزات التي تشوب القاعدة الشعبية , بحيث تفضي سياسته تلك إلى فقدان الشعب روحيته الجهادية وتملأ نفسيته بالوهن والضعف قد تصل به الحال إلى مرحلة الاستكانة والتذلل و الخنوع .
هناك الكثير من صور الاختلالات التي تصيب تلك القاعدة و يستفيد العدو منها , جل طبيعتها ارتبط بالنفس البشرية , فمنها ما تمثل في فقدان الكثيرين من أبناء هذا الشعب لمشاعر الإحساس بالوطنية أفقدتهم معاني حب الوطن و التضحية من أجله عند أقسى الظروف والمحن , فنراهم يصولون و يجولون وراء غاياتهم الشخصية و الذاتية الموسومة بالأنانية المفرطة , دوم أن يعيروا أي انتباه أو اهتمام وإحساس لما ستؤول إليه الأمور في عاقب الأيام , رغم مشاهدتهم العميقة و الجلية لمجريات الأحداث وما أسفرت من قتل و تدمير شامل و كامل لكل الفئات البشرية والبنيوية بلا استثناء .
بل إن منهم من التحف رداء الوطنية وانطوى تحت مظلة بعض المكونات السياسية مجاهراً بحبه للوطن وبالعداء للعدوان وهو ألد الخصام للشعب والوطن , فنجدهم يستعذبون امتهان سياسة تفكيك النسيج السياسي بين أعضاء المكونات السياسية المختلفة , و التشكيك في مصداقية آرائهم و توجهاتهم , كما أنهم يعمدون إلى عدم الإلتزام بالتوجيهات القيادية المنبثقة من قيادات مكوناتهم الوطنية بغية إثبات ركاكة الهياكل التنظيمية المنظمة لتلك المكونات , وإثبات عدم قدرة القيادات العليا تمرير توجيهاتها نحو القاعدة الهرمية , كما لا ننسى بأن توجههم نحو المناكفات البينية غير المبررة , وترويج الشائعات وغير ذلك من الأهداف والخطوات تساهم إلى حد كبير وفعال في زعزعة الكيان الداخلي وتجره نحو الانهيار والسقوط في الهاوية .
عموماً أؤكد القول بأن الغاية المنشودة التي يطمح إليها كل أفراد الشعب من الأمن والأمان و الرقي والتقدم الحضاري والإنساني المتجهة قدماً نحو الأمام لا يمكن لها أن تتحقق ما لم يتراجع الجميع نحو الخلف بهدف تصحيح أساسات و قواعد جميع المسارات من جديد بصورة كاملة و شاملة مهما كلف الأمر من عناء و مشقة وتأخر في الزمن , كل ذلك من أجل أن يتقدم هذا الشعب نحو الأمام بخطى ثابتة وواثقة تمكنه من القدرة على مواجهة التحديات والصعاب التي تهدد كيانه الداخلي والخارجي عند مختلف الظروف الزمانية المكانية.