عبدالباري عطوان : هل هناك صفقة إماراتية فعلا بعودة نجل صالح الى الحكم في صنعاء؟ وهل قبلتها السعودية؟ وما هي الخيارات الأخرى؟
عبد الباري عطوان
اذا كان الخلاف السعودي والاماراتي في الملف اليمني ما زال طي الكتمان، ولم يخرج الى العلن، حتى بعد ارسال قوات سعودية الى عدن لتأمين مطارها، وتولي مهمة الحراسة لمنطقة المعاشيق التي يوجد فيها بيت الرئيس، ومقر إقامة العديد من الوزراء، وهي منطقة تقع تحت نفوذ قوات الامارات، فأن الخلافات بين الطرف الآخر، أي التحالف “الحوثي الصالحي”، بدأت لا تظهر الى العلن فقط، وتتحول الى جبهة لحرب الخطابات بين زعيمي الطرفين، وانما يمكن ان تتطور أيضا الى “حرب المسيرات”، حيث يحشد كل طرف لاستعراض عضلاته من خلال تحشيد اكبر عدد ممكن من الموالين، لاظهار قوته وشعبيته امام الطرف الآخر سلما او صداما.
من الواضح ان منسوب الثقة يتراجع بين الحليفين اللذين يقفان في خندق القتال في مواجهة الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، فمن الواضح ان حركة انصار الله الحوثية تشعر بحالة من الغضب تجاه حليفها صالح ونواياه، وسط تقارير تقول ان هناك اتصالات سرية يجريها حزب المؤتمر مع اطراف إماراتية للوصول الى صفقة تعيد السيد احمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق الى سدة الحكم في صنعاء، والثمن هو انفراط عقد التحالف مع الحوثيين، وانتقال قوات الرئيس صالح الى خندق التحالف العربي في الحرب على الحوثيين بهدف القضاء عليهم.
***
السيد عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة انصار الله، القى خطابا هجوميا يوم السبت انتقد فيه علنا، وربما للمرة الأولى بالاسم، الرئيس علي عبد الله صالح ملمحا الى “ان هناك مبادرات تخدم العدوان وتعمل على الابتزاز، وعلى اللعب السياسي، وهذا ليس مقبولا”، مضيفا “ان لم نكن نمانع أي حلول مشرفة بالحد الأدنى تحفظ شرف وكرامة وسيادة وحرية واستقلال هذا البلد، ولكن على اساس السلام وليس الاستسلام”، ومشددا “من يحب ان يستسلم فذلك خياره، اما غالبية الشعب فليس واردا لديهم الاستسلام”، داعيا المسؤولين الى الاحتكام الى الشعب بعيدا عن التدخلات الخارجية.
انصار الرئيس علي عبد الله صالح نشروا صورا على مواقع وحسابات على “الفيسبوك” و”التويتر”، تبين تعرض لوحات عملاقة تتضمن صورا لرئيسهم وشعارات لحزب المؤتمر للتمزيق، واتهموا الحوثيين بالوقوف خلف ذلك، لتوجيه رسالة “عنيفة” تحذيرية لما يمكن ان يحدث في الأيام المقبلة.
الخلاف الحالي المتفاقم بين الشريكين “المتناقضين” في الجبهة المتصدية لعدوان التحالف المستمر منذ عامين ونصف العام، قديم ومتجذر، واساسه التنافس، وتباين الرؤى، والصراع على الحكم، ومناطق النفوذ، فالمؤتمريون انصار صالح يتهمون “الشريك” الحوثي بمحاولة الاستحواذ على الحكم ومفاصل السلطة، وتهميش دور حزب المؤتمر وممثليه في الحكومة، ويقولون ان المسيرة التي دعوا اليها يوم الخميس المقبل في ميدان السبعين وسط صنعاء هي لاظهار قوتهم الحقيقية في الشارع اليمني، واتساع دائرة شعبيتهم، والاحتجاج على عمليات التهميش والاقصاء.
حركة “انصار الله” تدرك جيدا الهدف الحقيقي من هذه المسيرة، مثلما تدرك ان المشاركة فيها ربما تكون الاضخم في تاريخ العاصمة صنعاء، بالنظر الى أنشطة الخلايا التعبوية التي تشرف على تنظيمها، وقررت الرد بتجمعات شعبية قيل انها لعرقلة التدفق البشري، تحت عنوان مقاومة العدوان والتصدي له، في إيحاء بأن الشريك الآخر “متخاذل” في هذا الاطار، ولم يعد يرغب في التصدي لهذا العدوان، رغم ان الرئيس صالح اكد في خطابه السبت انه مع تعزيز الجبهة الداخلية، ورفد الجبهات، ومواجهة العدوان.
مصدر مسؤول في حزب المؤتمر اكد لنا وجود مفاوضات بين حزب المؤتمر ودولة الامارات العربية المتحدة للوصول الى حلول سلمية لوقف الحرب، والرئيس صالح اقر في كلمة نقلها موقع “المؤتمر نت” بوجود خلافات في خطاب رد فيه على كلمة السيد عبد الملك الحوثي، وقال مخاطبا الحوثيين في كلمة تتسم بالتهدئة “تريدون ان نبقى معكم في الشراكة بإدارة البلاد في اطار لا ضرر ولا ضرار، وفي اطار الدستور والقانون، فمرحبا بكم على العين والراس، اما اذا اردتم العودة الى السلطة منفردين فعليكم ابلاغنا وسينسحب المؤتمر ولا يكون أي خلاف”.
الامارات عملت ومنذ اليوم الأول لحرب التحالف العربي في اليمن، وانطلاق “عاصفة الحزم” على محاولة تأجيج الخلاف بين الرئيس علي عبد الله صالح وشريكه الحوثي لمعرفتها حجم الخلافات بين الجانبين، وضعف التحالف بينهما (الرئيس صالح خاض ست حروب ضد الحوثيين)، وارسلت السيد احمد علي عبد الله صالح الى الرياض على متن طائرة إماراتية خاصة، بهدف التقارب مع السعودية والالتقاء بالامير محمد بن سلمان من اجل هذا الهدف، ولكن الأخير اساء معاملة ضيفه اليمني واغضبه، وتعامل معه بخشونة، مما دفعه الى المغادرة غاضبا، وفشلت المحاولة الإماراتية في ابعاد حزب الرئيس السابق عن الشريك الحوثي، وضم الاول الى التحالف العربي في اطار صفقة سياسية، فالسعودية اكدت، وعلى لسان الأمير بن سلمان انها لا تثق بالرئيس صالح ولا يمكن ان تغفر له، ولن تتصالح معه، لانه طعنها في الظهر.
السؤال الآن.. هل تغير موقف السعودية من الرئيس صالح؟ وهل باتت اقرب الى وجهة نظر الامارات؟ وهل هي مستعدة للنسيان والغفران؟ وهل يمكن ان ينضم الرئيس صالح الى التحالف العربي ويقاتل ضد الحوثيين اذا ما ناسبته الصفقة الإماراتية، واسالت لعابه؟
لا نعرف الإجابة، ولكن ما نعرفه ان انفراط عقد التحالف “الحوثي الصالحي” يعني احد ابرز انتصارات “عاصفة الحزم”، وبأقل التكاليف، ودون وجود أي ضمانات بوقف الحرب وبترجمة هذه الصفقة على ارض الواقع.
الرئيس الأسبق صالح احد دهاة العصر، ولا نستبعد انه، وهو الخبير، يلجأ الى المناورة، ودفع الأمور الى حافة المواجهة، للحصول على ما يريد من الطرف الآخر.
***
اذا صحت التقارير عن وجود صفقة ومفاوضات، فانها جاءت تطورا منطقيا لفشل التحالف العربي في حسم الحرب عسكريا، وفي وقت تتعاظم خسائره المادية والبشرية، وفشل مهمة المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ، بعد رفض التحالف “الحوثي الصالحي” بالتعاطي معه لانحيازه الى جانب السعودية، حسب رأيهم، وبدء الاعتراف الدولي التدريجي بحكومة صنعاء، ولقاء مبعوثة الاتحاد الأوروبي بوزير خارجيتها، فالتحالف العربي يلعب على كل الجبهات، ويستخدم كل ما لديه من أوراق، وورقة المال خاصة، في محاولة للخروج من هذه المصيدة.
الأيام الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة، فاما ان يتدخل العقلاء وينجحون في نزع فتيل التوتر بين شريكي الحرب ضد العدوان، أي صالح والحوثي، واما ان يتحول يوم الخميس المقبل الى يوم الصدام الدموي الأخطر بين الطرفين، وحدوث الطلاق البائن، وتحول حلفاء الامس الى أعداء اليوم، مما يطيل امد الحرب ويعقّد كل المبادرات لايقافها وحقن الدماء بالتالي.
نرجح الخيار الأول، أي التوصل الى تسوية، والعودة الى مائدة الحوار لانه الأقل كلفة، ولان الرئيس صالح في خطابه الذي رد فيه على السيد عبد الملك الحوثي كان يميل الى التهدئة وليس التصعيد، ولكن شرارة صغيرة، او تصريح من هنا او رد من هناك، او مقالة تحريضية على وسائط التواصل الاجتماعي قد تشعل نار الحرب، وسيكون التحالف العربي بقيادة السعودية ابرز المحتفلين بهذا الإنجاز الذي انتظروه طويلا.. والله اعلم