هكذا يُستعبد العمال .. في مشاريع ” ترامب ” بالإمارات؟
يمانيون – متابعات
ليس اسم “ترامب” المكتوب على اللافتات هو ما يغضبهم، ولا الشمس القاسية أو درجة الحرارة التي تفوق 43 درجة مئوية، فهم يتقبلون كل ذلك، وهم يعملون على تحويل رمال الصحراء العربية الصفراء إلى ممراتٍ خضراء.
ولكن ما يغضبهم حقاً هو تأخر دفع رواتبهم، الأمر الذي يُعرِّض أسرهم التي تعيش في أماكن بعيدة، في الهند، وباكستان، ونيبال للاستدانة، وأحياناً الجوع.
تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية عَرَضَ الأوضاع المزرية التي يعيشها العمال المهاجرون، الذين يعملون بنادي ترامب الدولي للغولف بدبي، الذي يُعَد جزءاً من مجموعة مصالح الأعمال التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
التقرير حاول معرفة علاقة ترامب بهذه الأزمة، وهل يعلم رئيس أكبر دولة ديمقراطية في العالم بالمظالم التي يتعرضون لها، التي تؤدي لتأجيل الأموال التي يرسلونها إلى الديار، وإجبار عائلاتهم على الاقتراض.
إنهم يشعرون بالإحباط بصورةٍ خاصة، نظراً لأن المكان الذي أُرسِلوا للعمل به مرتبط اسمه بهذا الرجل الثري الذي يرأس أكبر دولة في العالم.
وقال أحد العمال الباكستانيين الغاضبين، يبلغ من العمر 24 عاماً، ويعمل سائقاً لدى شركة البناء المحلية التي تمتلك عقداً في ملعب الغولف، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هُويته خوفاً من فقدان وظيفته: “لديه مبالغ لا تُحصى من الأموال. ونحن بعيدون للغاية عن منازلنا، وأطفالنا، وعائلاتنا. إنَّ هذا يؤلمنا”.
ملايين الدولارات ولا أجور
ويُعَد نادي ترامب الدولي للغولف، الذي افتُتِح رسمياً، في فبراير/شباط 2017، هو حجر الزاوية في مشروع داماك هيلز، وهو مُجمَّعٌ مُسوَّر يتألَّف من 4 آلاف فيلا فاخرة، و7500 شقة يصل سعر كلٍّ منها إلى 4 ملايين دولار. وعلى بُعد 16 ميلاً (25.8 كيلومتر) إلى الشرق، يُبنى ملعبٌ ثانٍ يحمل علامة ترامب التجارية داخل منتجعٍ أكبر، أكويا أكسجين، الذي جرى الترويج له مؤخراً بالإعلان التالي: اشترِ فيلتين واحصل على سيارتيّ مرسيدس بنز.
وحسب تقرير نيويورك تايمز “تسعى الجهات الرئيسية لحماية نفسها من المسؤولية عن طريق التعاقد بالباطن مع شركاتٍ محلية”.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: “إنَّها الطريقة التقليدية التي تحاول بها الشركات العالمية تفادي المسؤولية”.
وفي حين أنَّ شركة الرئيس “مؤسسة ترامب” ليست هي ربّة عمل العمال، فإنَّها تُدير تلك الملكيات عبر شراكتها مع شركة داماك، التي تُعَدُّ إحدى أكبر المُطوِّرين العقاريين في دبي.
ووفقاً لإفصاحاتٍ مالية قدَّمها ترامب العام الماضي، 2016، إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، فقد جنى الرئيس ما يتراوح بين مليوني دولار و10 ملايين دولار من ملعبيّ الغولف. لكنَّ بنية الصفقات المتعلِّقة بالملكيتين ليست واضحة.
في المقابل، يجني العمال المهاجرون بين 200 إلى 400 دولار شهرياً، وهي الأموال التي يتقاضونها عادةً بعد أسابيع أو أشهر من التأخير، الأمر الذي تسبَّب في إضراباتٍ مؤخراً، وذلك بحسب مقابلاتٍ أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع 24 من العمال الحاليين والسابقين في ملعب داماك هيلز، حيث وُظِّفَ مئات العمال مؤخراً.
ويقول العمال إنَّهم يكافحون من أجل تغطية الديون المُكدَّسة التي اضطُّروا لاستدانتها من أجل الدفع لوكلاء التوظيف كي يحصلوا على وظائفهم، في حين يواجهون الصعوبات البدنية وانتهاكات حقوقهم، بموجب قوانين العمل المحلية.
وكان معظم العمال الذين قابلتهم صحيفة نيويورك تايمز مُوظَّفين لدى شركة بناء محلية، هي شركة العارف للمقاولات، المتعاقدة مع شركة داماك لبناء أجزاء من الملعب والفيلات المحيطة به في مشروع داماك هيلز. وقد تحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هُويتهم، مُشيرين إلى مخاطر طردهم وترحيلهم، لأنَّ تأشيراتهم مكفولة من جانب صاحب العمل.
تهرب من المسؤولية
ليس هناك من دليلٍ على علم ترامب بظروف العمال الذين وظَّفتهم الشركة المتعاقِدة في ملعب الغولف خاصته. فقد سلَّم إدارة شركته إلى نجليه، دونالد ترامب الابن وإريك ترامب. وقد تمثَّل نطاق اختصاص مؤسسة ترامب في التصميم والإدارة، تارِكةً مهمة البناء لشركة داماك.
ولم يرد البيت الأبيض على الأسئلة، وأحال الاستفسارات إلى مؤسسة ترامب، حسب تقرير نيويورك تايمز.
وقالت أماندا ميلر، المتحدِّثة باسم مؤسسة ترامب، في بيانٍ أُرسِل عبر البريد الإلكتروني: “مؤسسة ترامب ليست هي المالكة أو المُطوِّرة لنادي ترامب الدولي للغولف في دبي، ولا تشرف على البناء، أو التوظيف، أو تشرف على أيٍّ من الشركات أو الأفراد الذين وُظِّفوا للعمل على بناء المشروع”.
وأضاف البيان: “مؤسسة ترامب لديها سياسة تقضي بعدم التساهل مطلقاً. وبقدر ما يعتقد أي عامل في المشروع أنَّه تجري معاملته على نحوٍ غير ملائم، فإنَّنا نحثه على إبلاغ رب عمله والسلطات الحكومية المعنية فوراً”.
ولم يستجب نيال ماكلوغلين، النائب الأول لرئيس داماك، لطلبات التعليق.
أما مجموعة العارف التي تبني النادي، فقد حوَّل موظف استقبال بالمجموعة اتصالات صحيفة نيويورك تايمز إلى رئيس إدارة الهجرة في الشركة، عزيز دشتي، وأعطى الصحيفة رقم هاتفٍ محمول. وأكَّد الرجل الذي ردَّ على هذا الرقم في البداية أنَّه عزيز دشتي، ورفض الادِّعاءات حول سوء معاملة العمال. لكنَّه قال لاحقاً إنَّه ليس عزيز دشتي.
سمعة سيئة وتضارب مصالح
وقالت نيويورك تايمز “اكتسبت دبي والإمارات العربية المتحدة بصورةٍ أوسع سمعةً سيئة بسبب استغلال العمال المهاجرين، الذين يُشكِّلون أكثر من 80% من سكان البلاد. وبهذا المقياس، فإنَّ ذلك يُعَد أكبر تركُّز للمهاجرين في العالم.
وقد رصدت منظمات حقوق الإنسان انتهاكات العمل المنتشرة في الإمارات. ورداً على ذلك، سمحت الحكومة للعمال المهاجرين بتغيير وظائفهم، فيما جرَّمت دفع الأموال لشركات التوظيف.
بينما يدافع القادة الأميركيون دائماً عن تحسين معايير العمل حول العالم. وتُورِد وزارة الخارجية الأميركية تفاصيل انتهاكات معايير العمل في تقريرها السنوي المُتعلِّق بحقوق الإنسان.
وقال روبرت غوردون، أستاذ القانون بجامعة ستانفورد والخبير في تضارب المصالح، مشيراً إلى منصب ترامب في الرئاسة وأعماله الخاصة: “إنَّنا لا نرغب حقاً أن نكون في وضعٍ يُفكِّر فيه المسؤولون الحكوميون الكبار بشأن حجم الأموال التي سيتكبدونها هم أنفسهم بها، عبر تطبيق سياسة الحكومة الأميركية.
وأضاف: “إنَّنا نتحدث هنا عن أنَّ رأس الحكومة الأميركية يستفيد شخصياً من معايير العمل المتساهلة في بلدٍ آخر”.
وسبق أن افتتح دونالد ترامب في عام 2015 مشروعاً عقارياً كبيراً في دبي، قُدرت قيمته بأكثر من ستة مليارات دولار، ويشمل هذا المشروع 100 فيلا فاخرة، وملعباً كبيراً لرياضة الأثرياء “الغولف”، حسب موقع قناة “الحرة” الأميركي.
إضرابات
وتحدَّث العاملون في شركة العارف، وهي شركة البناء التي أشار إليها التقرير من قبل، عن حالة قلقٍ مستمر بشأن توقيت تقاضيهم لرواتبهم.
فعادةً يجب عليهم أن ينتظروا أياماً وأسابيع ليحصلوا على مستحقاتهم. وقد شاركوا مِراراً في إضراباتٍ تستمر ليومٍ أو يومين، تستجب بعدها شركة العارف لطلباتهم.
وقال أكثر من نصف العمال إنَّ شركة العارف قد حجبت شهراً أو شهرين من رواتبهم، للضغط عليهم من أجل البقاء حتى نهاية عقودهم، التي عادةً ما تستمر لعامين.
وقال 6 من العمال إنَّهم قد دفعوا أموالاً لشركات التوظيف من أجل الحصول على وظائفهم، وهو ما يُمثِّل انتهاكاً واضحاً لقانون العمل الإماراتي. وقد تكلَّفوا رسوماً تتراوح بين 1000 إلى 1500 دولار، وهو ما يزيد عن المبلغ الذي سيجنيه معظمهم في 5 أشهر.
وقال كل العمال إنَّ الشركة احتفظت بجوازات سفرهم، وهو ما يُعَد انتهاكاً للقانون الوطني. ويجعل هذا من مطالبة العمال بوظائف أفضل في أماكن أخرى مستحيلاً عملياً.
وقد وجدت شركة ترامب في شركة داماك شريكاً يمتلك عقليةً شبيهة لها، وكياناً حفر اسمه عبر ناطحات السحاب.
ويمتلك مُؤسِّس الشركة حسين سجواني ثروةً صافية تُقدَّر بحوالي 4 مليارات دولار، الأمر الذي أكسبه لقب “دونالد دبي”، في إشارةٍ إلى دونالد ترامب. وقضى هو وأسرته ليلة رأس السنة في نيويورك مع ترامب في منتجعه بولاية فلوريدا، وحضر حفل تنصيب الرئيس.
وفي مقابلةٍ مع صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي، قال ماكلوغلين، المتحدِّث باسم شركة داماك، إنَّ ترامب قد زار داماك هيلز عدة مرات.
وقال ماكلوغلين: “حينما كان دونالد ترامب هنا، كان ينظر إلى الملعب والأشجار. وقد أراد نقل إحدى الأشجار. ونظر في تفاصيل الملعب، والعربات، والقمصان، والطاقم، وتصميم المطعم، والأثاث، والإدارة. إنَّ اهتمامه بالتفاصيل مذهل”.
وحينما افتُتِح نادي ترامب الدولي للغولف، في فبراير/شباط 2017، حضر كلٌّ من نجلي الرئيس، دونالد ترامب الابن وإريك ترامب.
وقال إريك ترامب: “إنَّه أمرٌ نادر في العالم، حيث يمكنك أن تكون صديقاً قوياً مع أحد شركائك. إنَّ داماك شركةٌ مذهلة”.
وأشاد دونالد ترامب الابن برؤية حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فقال: “في دبي، إذا كان بإمكانك تخيُّل أمر، فإنَّ بإمكانك بناءه”.
وفي أول مؤتمر صحفي بعد انتخابه، قال ترامب: “خلال عطلة نهاية الأسبوع، عُرض علي مليارا دولار لعقد صفقة في دبي مع رجل رائع للغاية”، والذي قال ترامب إنه حسين سجواني، رئيس مجلس إدارة شركة “داماك” الإماراتية.
وتابع ترامب: “وأنا رفضت ذلك. لم يكن عليَّ فعل ذلك لأنه كما تعلمون ليس لدي تضارب مصالح لأنني الرئيس”.
وأكدت شركة “داماك” العرض، إذ قال متحدث باسم الشركة: “داماك تؤكد المناقشات كما جاء في مؤتمر صحفي، ولكن تم رفض المقترحات. كانت هذه المقترحات لمجموعة متنوعة من الصفقات العقارية المختلفة”.
ظروف مأساوية
وتُسكِّن شركة العارف -التي تُوفِّر العمال لبناء ملعب ترامب في مشروع داماك هيلز- عمالها في مجمَّعاتٍ سكنية معزولة في الصحراء. ويملأ عدة آلاف من العمال غرفاً بحجم الخِزانات. وينام معظمهم على أسِرَّة من طابقين. وينام البعض على السجاد، حسب نيويورك تايمز.
ويبعد المجمع السكني أميالاً عن المتاجر وأكشاك الطعام، الأمر الذي يُرغِم العمال على شراء المؤن من متجرٍ صغير داخل المجمع. ويدفعون 5 دراهم إماراتية (نحو 1.35 دولار) مقابل لترٍ ونصف اللتر من المياه، وهي ضعف التكلفة في وسط دبي.
وتنقل الشركة العمال إلى موقع داماك هيلز في حافلاتٍ لا تتوافر بها مُكيِّفات هواء، إذ يُكتفى بمراوح توزع الهواء الساخن داخل الحافلات.
وكان السائق الباكستاني الذي يعمل في ملعب ترامب قد وصل قبل 3 سنوات، سعياً لدعم زوجته وولديه. وقد شغل وظيفة سائق شاحنة، ويتقاضى 800 دولار في الشهر، أو ما يساوي ضعف ما يتقاضاه في بلاده.
ويُفتَرَض أن يتقاضى راتبه في الأيام الخمسة الأولى من الشهر. لكن كثيراً ما يمر أسبوعٌ أو أكثر دون الحصول على ماله.
ويقول: “عائلتي تعتمد عليّ. وحينما لا أُرسل المال، يتوقف أصحاب المحلات عن منح البقالة لعائلتي”.
التكييف والفرن
من بين العمال بيندخل، 28 عاماً، الذي وصل إلى الإمارات العام الماضي 2016 قادماً من باكستان، وقد دفع لأحد وكلاء التوظيف 1500 دولار، مُقترِضاً الأموال من الجيران والأقارب.
ولا تُعَد لعبة الغولف مألوفةً بالنسبة لبيندخل. فهو لا يفهم الغرض من هذا العشب الأخضر الذي زرعه هو وزملاؤه العمال في الصحراء، على الرغم من أنَّه معجبٌ بجماله الهادئ.
ولا يمكنه قراءة اللافتات التي تُعرِّف منتجع الغولف باعتباره ملكيةً تابعةً لترامب. فهو لا يستطيع القراءة على الإطلاق.
لكنَّه يرى الثُريَّات في النادي، ومعدات التكييف في الفيلات المجاورة. ثُمَّ يركب الحافلة التي تشبه الفرن عائداً إلى المجمَّع، وينتظر من أجل الاستحمام في حمامٍ قذر.
ويقول: “إنَّهم ينفقون الكثير من المال على لوازم المباني، لكنَّهم ينفقون القليل للغاية علينا”.